[rtl]أناييس نين وخديعة السريالية[/rtl]
[rtl][/rtl] [rtl]لينا هويان الحسن [/rtl]
[rtl]اللغة الغرائبية، الشعرية، هي اللغة التي تستعملها أناييس نين بإتقان فريد، في لفت انتباه قارئها في مجموعتها القصصية «تحت الجرس الزجاجي»، الصادرة حديثًا عن دار المدى، بيروت، ترجمة ياسين طه حافظ.[/rtl]
[rtl]ارتبط اسم الكاتبة الأميركية أناييس نين بالكتابة الجنسية الفاضحة حيث انتمت ذات يوم إلى جماعة «هنري ميلر»، لكننا هنا بصدد مجموعة قصصية يعتبرها النقاد شاهدًا مهمًّا على تحوّل مثير في النثر الأميركي وفن كتابة القصة.[/rtl]
[rtl]النثر هو الجزء الأهم والمحوري في هذه المجموعة. لا يبدو أن الشخصيات تشكل الاهمية الكبرى لدى نين بمقدار ما يمكن أن يشكل «المونولوغ» الداخلي الذي تعتمده معظم الشخصيات وهي تبوح للقارئ بأخطر أسرار الهواجس البشرية على الاطلاق.[/rtl]
[rtl]«الموت»، يبدو سؤالًا وجوديًّا، ملحًّا، لدى نين التي تستخدم في معظم الأحيان لغة مفرطة بالخيال. ففي قصتها التي تحمل عنوان «أنا أشد مرضا بالسريالية»، تعبر عن جوهر عملها الأدبي، ونواته الفكرية.[/rtl]
[rtl]في كل القصص المتضمنة بالمجموعة، تتحدد ملامح شخصياتها من خلال البوح المباشر، حيث يشعر القارئ بدم الشخصية يهدر في داخلها، فأناييس نين تتعقب خطوات الحب خطوة إثر خطوة. بطلة نص «أنا أشد مرضاً بالسريالية»، تحس بتعب اللسان وهو يبحث عن مستحيلات لينطق بها، حتى يلوي نفسه أخيراً في عقدة ويخنقها. تحس بالتعب من الشعور بتوهج أحلامها، وبحمى تفكيرها، بكثافة هذيانها، وتعب معاناتها من الآخرين، ومن نفسها.[/rtl]
[rtl] (أنا دائما منهك من أحلامي، لا بسبب الأحلام، ولكن خوفًا من عدم القدرة على العودة منها. احتاج لأن أعود. سأجدك دائمًا، أنت الوحيدة التي يمكن أن تمضي حيث أمضي في مناطق الغموض، أنت أيضًا تعرفين لغة الأعصاب وما تستقبل الأعصاب، أنت دائما تعرفين ما أقوله حتى إذا لم أقله).[/rtl]
[rtl]أناييس نين تتقن الحسنة الوحيدة للمدرسة السريالية في القصة، وهي إنها قادرة على صنع دراما قوية للأحداث، فيظهر تأزم المواقف بشكل جلي وهي تتطور سريعا، بسبب نزعة الانفلات لدى معتنقي المدرسة. من الطبيعي أن يحضر «الأفيون» في دماء البطل الذي يتوق إلى أن يُسحب نحو الموت، نحو الجنون؟[/rtl]
[rtl] في قصة « تحت جرس زجاجي» تحاول رصد جمال شيء لن يتكرر، من خلال أبطال ينتمون إلى القرون الوسطى، هم أرواح أكثر منهم أجساد.[/rtl]
[rtl]تستحضر بيتا مهيبا دخلته حيوات كثيرة وخلفت فيه آثارها. فيه اليوم عطر أثرياء وأثاث بالغ النقوش والزخرف، بينما تحتوي طيات ستائره أسرارًا وأحزانًا. لا نستغرب ونحن نسمع «جان» بطلة قصة «تحت جرس زجاجي» وهي تقول: ( أنا لا أعيش على الأرض، ولا أخواي، نحن موتى. نحن نعيش في عالم آخر. أجسادنا الحية طرافة، مفارقة في الزمان، فنحن أصلا لم نولد، ليس لنا حياة حسية اعتيادية، ولا صلة لنا بالواقع، أي جريمة أن نكون أحياء!)[/rtl]
[rtl]تذهلنا اعترافات ابنة لامرأة فرنسية جميلة اسمها، «جان»، تذمرت من حب أمير جورجي لها لأنه كان ينطق بألفاظ اعتيادية، وانه لا يستطيع قول عبارة تخترق كيانها، وعندما أحبها أمير فارسي اسمه «مهراب»، هجرته عندما اكتشفت أنه لا يستطيع أن يحلم مطلقًا.[/rtl]
[rtl]ببراعة تجعلنا نين نتعقب خطى امرأة حول شعرها طوق من الزعفران، واهابها صدفة بحرية، قشرة بيض، أرادت أن تكون حيث لا يتكرر الشيء مرتين.[/rtl]
[rtl]في قصة بعنوان «من يرى كل شيء»، تقتات نين على وجهة نظرها، والمستوى الثقافي العالي الذي يميز لغتها التي تنوس بين التعقيد والتبسيط، معتمدة على اختيار الكلمات، الاستعارات، والتشبيهات، بحيث تضيع محاور الوقت، المكان، الجغرافيا، ويقتصر الأمر على رموز تحدد معاني مجازية تصب في مصلحة التلاعب السريالي.[/rtl]
[rtl]أناييس نين الأنثى، تظل حاضرة بقوة، وفي أكثر من قصة تبدو المرأة السريالية مثل كل نساء الواقع، تخدعهن أحيانًا لهفتهن والجوع اللذان فيهن، فيهبن أنفسهن، لما يتمنين من الناس والأشياء، لكنهن يجدن أن ذلك الجوع لا يتغير والمسافة تزداد.[/rtl]
[rtl]اسقاط الحس اللاشعوري، وتجاوز الواقع، لدى نين جعلا من المحال العثور على ربط منطقي بين بداية القصة ونهايتها، لكنها ظلت تمتلك امكاناتها المرتكزة على اللغة الشعرية الجذابة بحيث تجعل من نصوصها مفعمة بشتى الصور والخيالات المدهشة، أما تفسير النصوص فهو أمرٌ متروك للقارئ، تماما مثل شأن الناظر والمتذوق للوحة «الساعات الذائبة» لسلفادور دالي.[/rtl]