حمود الفقيالسبت، 25 يوليو 2015 05:39 ص
رغم أن لغة الجسد ليست بحد ذاتها لغة، وغالب أدبياتها يضارع لَغْو التنمية البشرية في كونهما خلطا منزوع السياق؛ لاسيما إن رأيتَ كما رأيتُ بمركز صالح كامل فتاةً تُعرِّف نفسها بأنها محاضِرة دولية في التنمية البشرية، إلا أن الناظر إلى أحوال السيسي وكلماته ولفتاته يدرك على البديهةِ أنه أمام ثعلب مَلاَّق يَتضرَّم جوعا إلى المنصب والوجاهة.
ولأن المشاعر الأساسية هي نفسها في كل الثقافات والوجوه رغم تباين الصفات التشريحية، فإن جلسة السيسي وطريقة حديثه مع مرسي والإعلام، وما تكشَّف لاحقا من استغلاله أذرعه الإعلامية وافتعال الأزمات، يفضح أن مصر قد لُطِعت أكبر ختم على القفا في العصر الحديث.
فهل يتصور عاقل أن يقدم الجيش مرشحا بعد انتفاضة!
هل أخذتك هِزَّة التعجب لما قال رئيس الوزراء في منتدى بجدية دافوس إن رئيسنا وسيم تحبه النساء؟! دعك من هذه الرقاعة، وناشدتك الله هل خصيم الحسن هذا وسيم حقا؟ فكيف يكون إيهاب نافع أو تيِّم الحسن؟ ملاكان؟!!
ما الصورة الذهنية التي تتكون لديك إذ ترى اللواء وصفي يلهث من مشي بضع خطوات مع عمرو أديب وكرشه يسبقه، وبيده علبة سجائر، وفي فمه لبانة لم يتورع أن يبصقها حياء من الكاميرا؟
بماذا تشعر إن رأيت مثلي بمنطقة تجنيد المنصورة عساكر شاحبي الوجه من الأنيميا، وفي الطابق الأعلى قائد المنطقة يرفل في النعيم، وعصائر داخلة وأخرى خارجة وسجاد عجمي وشاشة إل سي دي ضخمة وكرش مفتخر وهواتف محمولة لا تكف عن الرنِّ وضحكات وصهيل؟! أيفزعك السؤال عندئذ كما أفزعني: هل هذا سَمْتُ محارب؟!!
فما حال أيزنهاورك الآن يا أسواني؟
وما علة أن كثيرين من العسكريين لا يجيدون الحديث، ولا يحسنون الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، ويزعقون ويلوحون بأيديهم بطريقة مهينة لمن يتحدثون معه، ولو كانوا أحسن منهم كما فعل السيسي مع ميركل ومحمد بن راشد؟
دعك من أن تَأْتَأَةٌ السيسي تستفزني فمشكلتي أنا هي الميسوفونيا، لكن لا تنكر أنه أقلف اللسان يسيء العبارة، والمجال يضيق عن سرد سقطاته، لكني أود التركيز على حديثه عن الدين، وما يرميه من طرف خفي للغرب الظامئ نحو كل من يحالفه ويتماهى، ولو مكرا مع خصومته للإسلام فأقول:
في كتاب المؤلفة والصحفية والناشطة والأكاديمية والصالحة كارين باجيت "خيانة وطنية: قصة المخابرات الأمريكية الخفية لتجنيد الطلبة الأمريكيين في حملة صليبية ضد الشيوعية" الذي ألفته في 15 عاما، تكشف لنا المؤلفة كيف استغلت الاستخبارات اتحاد الطلاب الأمريكي في الحرب الباردة، وهو كتاب ضخم وقيِّم لحد أن صار له موقع باسمه، وقد قارنتْ بالتصريح لا التلميح بين الشيوعية والإسلام الراديكالي، وإصرار صناع السياسة الأمريكيين على انتهاج استراتيجيات الحرب الباردة في الحشد ضد الإسلام، وهو ما تجلى في دراسة راند في 2007، وقد أدهشني الاحتفاء بها، وقد ترجمتها، وهي عادية، بل أقل من العادية في فهم الطيف الإسلامي المعقد والمتنوع جدا في الشرق الأوسط.
ومن خبرتي المتواضعة في الترجمة والتعرف على ثقافات الغرب في مقاربته لنا أقول، إن كل من يكتب عنا ولا يعرف لغتنا هو أحمق جهول، ولو استضافته القنوات مثل إيريك تريجر؛ أحدث منتجات الغرب الذي لا يجيد العربية ولا يفقه إلا ما يحفظه، وعن معرفة شخصية له.
ولنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول: يحكي الكتاب عن الحراك الطلابي وأهمية الطلاب في العمل السياسي وقدرتهم على إسقاط الأنظمة، لكن لا أبدع مما كتبه أحمد عبد الله رزة، وإن كانت التفاصيل عند باجيت أكثر، لمَّا حكت عن دعم وكالة الأمن القومي الأمريكية لثوار الجزائر، والكوبيين ضد باتيستا، والليبراليين في أنجولا وموزمبيق، والناشطين الإيرانيين ضد الشاه، والأهم هو زكائب الأموال التي دفعتها الاستخبارات الأمريكية لطلاب دارسين أجانب.
أخيرا، في بداية حكم مرسي رأيت شابا إخوانيا معيدا في قسم الكارديولوجي –عقبى لكم- ينظف للناس قمامتهم، ويكنس الشوارع فرحا بفوز مرشحه حيث لا تكاد تجد في الشاب غلطة؛ وسامة (لا كوسامة السيسي أفندي)، وحسن خلق وعلما ودينا...ناو جيس وات؟ قُتل الشاب في مذبحة رابعة، وعِوض أن يكون في يوم ما جراح قلب تُلف أصابعه في الحرير، صار جثة محروقة بفضل جمال السيسي وطعامته.
يا ربنا العظيم أكثير على مصر أن يحكمها رئيس ذو قلب يطل على أفكاره، ويد تمضي الأمور، ونفس لهوها التعب كما قال البحتري.
وهل سنظل نصلى سعير حماقة الحكم العسكري ونفاق الأراذل وهواننا بين الأمم؟!
يا ربي أضحى قلبي قريحا على هذا البلد التعيس، فإن كنت كتبته تعيسا في لوحك المحفوظ فامحه واكتبه سعيدا، واصرف عنه غباء العسكر وهيستيريا أهل الدين ونفاق النخبة.