2014-05-27 فيلسوف التشاؤم الأكبر في العصور الحديثة
|
| |
مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الفرنسي ديدييه ريمون، أحد المختصين بالفكر الألماني عموما وفلسفة شوبنهاور ونيتشه على وجه التحديد. فمن آرثر شوبنهاور؟ عن هذا السؤال يجيب المؤلف قائلا: إنه فيلسوف التشاؤم الأكبر في العصور الحديثة. وقد ضرب المثل به وبتشاؤمه إلى حد القول إنه أكبر متشائم في التاريخ. ولكن هل هو أكثر تشاؤما من المعري يا ترى أم من سيوران؟ الله أعلم. هذا لا يعني بالطبع أنه ليس مهما. على العكس، فهو أحد فلاسفة ألمانيا المعدودين، بالإضافة إلى كانط وهيغل وفيخته وشيلنغ ونيتشه وهيدغر وبعض الآخرين. وقد كان معاصرا لهيغل وعدوه اللدود في آن معا.
وُلد شوبنهاور عام 1788 في مدينة دانتزيغ في عائلة تجارية غنية. وكان والده يريد أن يصنع منه تاجرا لكي يرث المتجر وحرفة العائلة ويزيدها غنى على غناها. ولكن مواهبه الأدبية والفكرية المبكرة ردعته عن ذلك؛ فبدلا من أن يصبح تاجرا كبيرا أصبح فيلسوفا أكبر.
والواقع أن ثروته العائلية ساعدته في اكتساب المعارف والعلوم وتعلم اللغات من دون أن يكون مضطرا للعمل وكسب الرزق كما حصل لهيغل مثلا أو لمعظم الكتاب والمثقفين. فالذين ولدوا في عائلات غنية نادرون في تاريخ الفكر والأدب. معظم المشاهير أبناء فقراء أو عائلات متواضعة. ولهذا السبب استطاع شوبنهاور، منذ نعومة أظفاره، أن يسافر إلى البلدان الأوروبية على هواه. واستطاع أن يتفرغ لتعلم اللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية والفرنسية. فقد أقام في فرنسا ردحا من الزمن وكذلك في إنجلترا. وكان أبوه يغنجه ويصرف عليه الكثير؛ لأنه ابنه الوحيد.
بعد انتهائه من سفرته الطويلة في أنحاء أوروبا كلها عاد شوبنهاور إلى منزله العائلي وراح يساعد والده في العمل بالمخزن. ولكن في عام 1808 حصل حادث مفجع أودى بوالده. فقد سقط من مكان عال في النهر الذي يمر خلف البيت ومات. وقد حزن عليه شوبنهاور كثيرا؛ لأنه كان طفله الأثير الذي يغدق عليه المال والعواطف الأبوية الصادقة.
والبعض يقول إنه لم يسقط عفويا في النهر وإنما انتحر؛ لأنه لم يكن سعيدا مع زوجته. والبعض الآخر يصل به الأمر إلى حد القول إن زوجته هي التي دفعته حتى سقط في الماء وغرق. ولهذا السبب حمل شوبنهاور على أمه حملة شعواء لاحقا وراح يكرهها ويكره النساء كلهن من خلالها. أصبحت المرأة صنوا للخيانة والغدر في نظره وفلسفته كلها، والواقع أن أمه، بعد أن مات والده، سرعان ما باعت المخزن وذهبت بالثروة المتجمعة لكي تعيش عيشة الأميرات في مدينة فايمار، العاصمة الأدبية لألمانيا في ذلك الزمان.
وهناك فتحت صالونا لاستقبال الأدباء والشعراء والعشاق، بل أصبحت كاتبة روائية ونالت نجاحا لا يستهان به. وكانت تستقبل كبار أدباء ألمانيا في بيتها وعلى رأسهم غوته. وهناك تعرف الصبي شوبنهاور، لأول مرة، إلى أديب ألمانيا الشهير.
بعد أن أنهى شوبنهاور دراسته الجامعية الأولى في مدينة غوتنغين ذهب إلى العاصمة برلين لتحضير شهادة الدكتوراه. وكانت أشهر جامعة في ذلك الزمان. والواقع أنه ذهب إلى هناك خصيصا للاستماع إلى فيخته وحضور دروسه. ومعلوم أنه كان أهم فيلسوف في ألمانيا بعد موت أستاذه الكبير كانط. وكان فيخته مشهورا بأنه خطيب مفوه؛ فكتابه «خطاب موجه إلى الأمة الألمانية» هز النخب السياسية والثقافية هزا. ولكن شوبنهاور بعد أن تعرف إليه وسمع محاضراته زهد فيه لأسباب عدة، أولها، حسب رأيه: أنه دوغمائي متعصب أكثر من اللزوم لفلسفته.
وفي عام 1814 اختلف شوبنهاور مع أمه وقرر الانفصال عنها والعيش وحيدا في بيت خاص به. وكما ذكرنا فإنه كان يكرهها ويشك أنها كانت وراء موت أبيه غير الطبيعي، والأنكى من ذلك أنه راح يشك في نساء العالم كلهن! ثم عاش فترة من الزمن في مدينة دريسدن قبل أن يستقر في برلين؛ حيث كلفوه بإلقاء بعض الدروس الفلسفية. وهناك التقى هيغل الذي كان يسيطر على جامعة برلين، خاصة كلية الفلسفة، بعد موت فيخته. وكان درس هيغل يجذب إليه الطلاب من كل حدب وصوب بالمئات والآلاف.
وقد أخطأ شوبنهاور عندما قرر إعطاء دروسه في الوقت نفسه الذي يلقي فيه هيغل محاضراته العصماء. ولهذا السبب فلم يكن يجيء أحد لحضور دروسه.
بعد استقالته من الجامعة، غادر شوبنهاور ألمانيا لتغيير الجو وذهب إلى إيطاليا. والواقع أن الفلوس لم تكن تنقصه وكان يستطيع أن يعيش عيشة الملوك دون أن يشتغل أبدا على عكس معظم المثقفين والفلاسفة. وهذا حظ كبير أمن له التفرغ للسفر والتنزه والكتابة والتفكير بكل حرية ومن دون أي هواجس مادية.
* من أقوال شوبنهاور
- فيما يخص القسوة، لا يقل الإنسان وحشية عن أي نمر، أو أي ضبع.
- حياة الإنسان كلها ليست إلا نضالا مستميتا من أجل البقاء على قيد الحياة مع يقينه الكامل بأنه سيهزم في النهاية.
- ينبغي أن ندمر في داخلنا، وبكل الأشكال الممكنة، إرادة الحياة، أو الرغبة في الحياة، أو حب الحياة.
- النساء ينقسمن إلى: مخدوعات أو خادعات، مخونات أو خائنات.
هكذا نلاحظ أنه بالنسبة لشوبنهاور فإن الحياة ليست إلا عذابا، والوجود كله ليس إلا سلسلة متواصلة من المصائب والنكبات. وبالتالي فهل هذه فلسفة حقيقية؟ هل تليق بنا يا ترى؟ شخصيا كتبت هذا المقال فقط من أجل التحذير من فلسفة شوبنهاور. ولكن ينبغي الاطلاع عليها من أجل رفضها أو عدم الأخذ بها. فأنا هيغلي في نهاية المطاف. وعلى الرغم من كل المصائب التي تعرضت لها والتي كادت تودي بي مؤخرا فإنني لا أزال مصرا على حب الحياة والمرأة التي أعتبرها أجمل مخلوق على وجه الأرض. وبالتالي فإنني أستخدم فلسفة شوبنهاور كمضادات حيوية أو كسموم مضادة تساعدني على تحمل كوارث الحياة ومطبات الزمان وغدر الخلان