الولاء للوطن..أم لـ"أحمد منصور"؟...
عبد الكريم القمش
الثلاثاء 07 يوليوز 2015 - 20:54
"كانت المناسبة مؤتمر حزب العدالة والتنمية وكان السيد أحمد منصور، الصحفي الشهير بقناة الجزيرة القطرية والذي لا يخفي انتماءه العقدي والفكري والروحي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ضيفا على المؤتمر...التقى بفتاة مغربية تبلغ من العمر 29 سنة، وتعمل بإحدى مفتشيات المالية، واسمها "كريمة ف"، فأعجب بها، وكان اللقاء الأول يوم 17 غشت 2012 بمطعم "السمكة الذهبية" التابع لفندق "صوفيتيل"، وتم الاتفاق على عقد زواج عرفي بعد ذلك بأربعة أيام مقابل وعود عسلية وكان الشاهد على العقد أخو العروسة وقيادي في البيجيدي، سافر العريسان إلى تركيا، وعادت العروسة لوحدها شهر دجنبر من نفس السنة"... هذا ملخص الحكاية كما أوردتها صحف مغربية عن الزواج العرفي بين أحمد منصور وامرأة مغربية بوساطة مغربية بيجيدية... صحيح أن أطرافا نفت الخبر، ولكن الأطراف الرئيسة لم تنفه ولم تؤكده، وفي عدم النفي تأكيد للخبر.
كنية العروس ذكرتها الصحافة، واسم منظم الحفلات الذي نظم الحفل ذكر أيضا في قصاصات الأخبار إياها، وتفاصيل أماكن عديدة تم ذكرها ولم ينف أي من الأطراف أيا من الأحداث ولم تلجأ الأطراف المتضررة المحتملة إلى القضاء من أجل إنصافها ولم تصدر أي بيان حقيقة.. الوحيد الذي تكلم هو عبد العالي حامي الدين الذي نفى كل شيء...بالنهاية كان مقدرا لهذا الخبر أن يتحول إلى فضيحة لأن العنصر الرئيس فيه تهور وسب جزء من الصحافة المغربية واتهمها بأسفه النعوت قبل أن يعود للاعتذار لاحقا.
لست أكتب لكي أناقش حيثيات الموضوع ومدى صحة الخبر ولو أني أميل إلى تصديقه بالنظر للمعطيات الواردة أعلاه، ولكني هنا من أجل مناقشة ما تبع هذا الحدث. لن أتكلم عن أحقية منصور في الزواج بمن شاء ومن شاءت الزواج منه وقبلت بشروط زواج لا إعلان فيه ولا توثيق في المحكمة كما تقتضي بذلك قوانين المملكة. ولن أتكلم أيضا عن دور الإسلاميين المغاربة في هذا الفعل الفاضح ولا عن مدى شرعية شيء اسمه الزواج العرفي في أعراف المغاربة وثقافتهم من جهة وفي الدين الإسلامي من جهة أخرى.. لن أتكلم في أي من هاته الأشياء، على الأقل الآن..
المشكلة أكبر من مجرد زواج عرفي أو فعل وساطة مشبوهة لا تليق..المشكلة في طريقة تناول الحدث من طرف"المتعاطفين مع التيار الديني في العالم الإسلامي".. المشكلة في أولئك الذين انبروا لمهاجمة صحافة بلادهم (على علاتها) والانتصار لأجنبي أطلق أسفه النعوت على بني جلدتهم وجنسيتهم...المشكلة في كل أولئك الذين شمتوا في إخوتهم المغاربة من أجل رجل يقاسمهم نفس الفكر الإخواني الإقصائي.. المشكلة في من أثبت أن ولاءه ليس للوطن، بل للأيديولوجيا الإخوانية المشرقية... المشكلة في هؤلاء الذين أعلنوا أن سقف ولاءهم أعلى من الوطن وأن ولاءهم لعقيدة أمراءهم وأبطال أيديولوجيتهم المفضلة...المشكلة في هؤلاء الذين إذا قامت غدا حرب بين المغرب ودولة يحكمها الإخوان المسلمون انحازوا إلى أبناء عقيدتهم في مواجهة أبناء وطنهم، فما الوطن إلا خرافة صنعها الاستعمار للقضاء على الدين، وروح الأمة والجماعة المؤمنة..
لقد وافق المسلمون المتخلقون الذين لا هم بلعانين ولا شتامين على كلام كله شتيمة وتسفيه في حق جزء من صحافة بلدهم.. قال عنهم أنهم قوادون رغم أن القوادة تعني الوساطة من أجل علاقة غير شرعية وليس فضح تلك الوساطة... لقد انحازوا إلى ابن أيديولوجيتهم الإخوانية وقرروا أن الخبر زائف إلا أن يثبت ويكيليكس العكس وكان ينقصهم وهم يطالبون الطرف الآخر بالبرهان أن يأتونهم بصور الزفاف وصور الدخلة أيضا، ربما. لم يتوقف أنصار الإخوان في المغرب لحظة واحدة للشعور بالغيرة على بنات بلدهم وكرامة بنات بلدهم وأبناء بلدهم والتفكير في الحقيقة والتبرؤ من هذا الرجل رغم التوافق الأيديولوجي معه واستنكار فعلته وأفعال من أعانه عليها.. لم يتوقف أنصار الإخوان من أجل القيام بهذا، بل أعمتهم الأيديولوجيا عن الحق الذي يتشدقون بالسعي وراءه دائما.. كلمة الحق التي ألجمت أفواههم عن ذكرها فنسوا تعاليم الدين وكفروا بالمنطق من أجل الحفاظ على شعرة معاوية مع "رفيق الأيديولوجيا"، الإعلامي الإخواني الصنديد الذي لا زال يؤمن بشرعية مرسي في الحكم...
هذا الأمر ليس غريبا في حقيقة الأمر فأدبيات الفكر الديني لا تؤمن بالوطن..لا تؤمن بحدود الوطن وولاؤُها للجماعة المسلمة فقط.. ولو تعارضت مصلحة الجماعة مع مصلحة الوطن فحتما هم مع مصلحة الجماعة لا الوطن...هم أنفسهم يعترفون بهذا والمتعاطفون معهم على الفايسبوك اعترفوا لي بهذا في نقاش مماثل.. أحدهم ذهب بعيدا وقال تعليقا على إحدى منشوراتي أنه إذا قامت الحرب ضد العلمانيين في المغرب فهو مستعد للتحالف مع أي طرف ديني خارجي يعلن الحرب عليهم...
الأخت مايسة سلامة الناجي رفعت رسالة إلى الملك محمد السادس من خلال صفحتها الرسمية على الفايسبوك تطالبه فيها بوقف الصحفيين العلمانيين عند حدهم لأنهم يزرعون الفتنة بين أبناء الشعب ولأنهم يتهمون كل من حمل فكرا دينيا بأنه من أتباع الإخوان المسلمين وداعش...الأخت مايسة سلامة الناجي لا تعلم أن ما حاولت التبرئ منه بطريقة إنشائية بكائية جميلة لا يعدو أن يكون إلا جزء من الحقيقة فعلا، فمعظم (ولا أقول كل) أنصار الفكر الديني في المغرب داعشيون مع وقف التنفيذ ولدي أدلة على كلامي هذا...
فلنأخذ حادثتين فقط.. الأولى تتعلق ب"مثلي فاس" وقصة الاعتداء الخطير الذي طاله في الشارع العام.. وحادثة "فتاتي إنزكان"... هنا المقاربة بسيطة جدا...من الناحية الشرعية والدينية، لا وجود لشيء اسمه "تطبيق الشرع من طرف عامة الناس".. الإسلام يوكل الأمر إلى الحاكم، ومن أراد أن يخرج عن هذا الامر ويؤيد ما فعله المواطنون في إنزكان وفاس فهو يعلم أنه بهذا يخالف ركنا من ثوابت الدين...من الناحية القانونية، لا يمكن لأي كان أن يحاول تغيير ما يعتبره منكرا بالقوة لأن النتيجة المنطقية لهذا هي السيبة وقانون الغاب...من الناحية الاجتماعية، أبدى الكثيرون تعاطفهم مع المعتدين وقرروا أن المعتدى عليه يستحق ما حصل له..فلنتخيل إذا لو كنا نعيش وضعا شبيها بالعراق أو سوريا وتم توكيل هؤلاء بتغيير المنكر.. كم من حوادث القتل ستحصل يوميا بمبرر تغيير المنكر يا أخت مايسة؟ لك أن تتخيلي.. لك أن تتخيلي لو كان لأولئك أن يقتحموا مقر الشرطة الذي هرب إليه مثلي فاس وأن يعيدوه إلى داخل دائرة ركلاتهم؟ ألم تكن الحادثة لتنتهي الواقعة بجريمة قتل بدعوى الحفاظ على الأخلاق..؟ أليست هذه داعشية في حالة كمون؟.. هل إذا حصل التمكين لأمثال هؤلاء المواطنين البسطاء، سيرحمون أحدا ممن سيعتبرونهم من الكفار المستحقة دماءهم؟.. قبل أن أقفل هذه النقطة أود أن أتساءل بجد..لماذا لم يكمل أولئك الفحول الرجال-جدا الذين أوسعوا المثلي ضربا (لماذا لم يكملوا) خيرهم ويدخلون إلى المناطق السوداء بمدينة فاس ك"بوجلود" و"الرميلة" و"عوينات الحاج" و"ظهر المهراز" وغيرها لكي يواصلوا تغيير المنكر ويواجهوا بفحولتهم المسجلة على الفيديو وبأيديهم العارية وصدورهم المليئة بالغيرة على الدين سيوف البزناسة وبائعي القرقوبي والمخدرات وقطاع الطرق؟ لماذا لم يواصلوا "الرجلة" ديالهم لقطع المنكر من دابره ولكن في مواجهة الأقوياء لأن أسهل شيء يمكن القيام به في العالم هو ضرب من لا حول له ولا قوة ومن لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا يحمل سيفا ولا سوابق إجرامية... ونِعْمَ الرجولة حقا...
خذي أختي مايسة واقعة إنزكان.. فتاتان تسيران في الشارع، جميلتان مثيرتان.. وأحدهم يحاول استدراجهما وتحرش بهما، ولما رفضتا الانصياع له بدأ في الهتاف من أجل تغيير المنكر بعد أن فشل في القيام به...طبعا.. تخلى الجميع عن أشغالهم وانبروا لتغيير المنكر بأيديهم ولولا وجود شرطة بعين المكان لتم اغتصاب الفتاتين وتعريتهما والكشف عن عورتيهما بهدف تغيير المنكر طبعا..هل تقول الشريعة الإسلامية بشرعية هذا الفعل؟ لا طبعا.. ولكن لا أحد سيفكر في الأمر.. المهم أنهما فتاتان عاهرتان إلى أن يثبت العكس ومادامتا كذلك فالتحرش بهما والاعتداء عليهما يصبح واجبا شرعيا.. لو تصادف مثلا ومر أحد عتاة المجرمين من عين المكان وهو يحمل سيفا باليد اليمنى وسيجارة باليد اليسرى يفطر بها رمضان أمام الملأ لكان أشجع أولئك الصناديد قد اكتفى بالدعاء له بالهداية وبصوت خافت أيضا... مجرم يفطر جهرا برمضان يتحول فجأة إلى خطيئة صغيرة توجب تجشأ عبارة "الله يهديه" وكفى المؤمنين شر القتال، أما حين يتعلق الأمر بفتاتين لا حول لهما ولا قوة جسدية فالجميع يتحولون إلى مسلمين مؤمنين من خيرة الرجال... ونعم الرجولة حقا...
عندما يتم الإعلان عن كون الصين منعت مجموعة من الطلبة المسلمين من الصيام يخرج أتباع الإخوان المسلمين في المغرب للتباكي على الإسلام والحرب التي يشنونها ضده وعلى حرية الاعتقاد والتعبير والصوم والتفكير، ولكنهم هم أنفسهم يصرخون ملئ أفواههم أن "هذه بلاد الإسلام أولاد...."(الخبار فراسكم) عندما يفطر أحدهم جهارا في رمضان وينسون كل ما قالوه عن حرية المعتقد وعن حكم الأغلبية (رغم أن الصينيين أغلبية في الصين بدورهم)... المهم أن حلال علينا وحرام عليهم.. هذا هو منطقك صديقتي ومنطق من تكلمت باسمهم ومنطق كل المتعاطفين مع فكر الإخوان المسلمين في المغرب.. إنه منطق الإقصاء ومنطق حكم الأغلبية الذي تعتقدونه ديمقراطية حين تتم محاصرتكم في زاوية النقاش، مع العلم أن حكم الأغلبية يعتد به في السياسة، لا في العقيدة وأمور الإيمان.. ففي الاعتقاد وحرية الضمير لا وجود لحكم الأغلبية...هناك حرية المعتقد وممارسته على الملأ وحسب...
حادثة منصور كشفت أن المخاطر التي تحيق بالوطن توجد بداخله، وأن داعش ليست في حاجة لكي تتسلل إلى المدارس لترسم التأييد على الجدران وتكتبه لأن داعش توجد أصلا داخل مدارسنا وفي عقول تلامذتنا لأنهم منذ نعومة دفاترهم يتلقون تعليما إقصائيا تكفيريا للآخر، وتقديسيا وتبجيليا للذات...داخل عقولنا تعشش داعش وهي خلية نائمة بداخلنا تربت في كنف مجتمع تعلم أن يردد بلا كثير حصافة عبارات كبيرة تفيد جميعها بأنه دائما على حق وأن الآخرين جميعا إلى جحيم...
حادثة منصور كشفت أن هناك مرتزقة يعيشون بيننا من السياسيين والمواطنين والصحافيين وأشباه المثقفين ممن قرروا أنه لا ولاء للوطن على حساب المصالح الأيديولوجية والمالية مع الآخرين... حادثة منصور كشفت تهافت المتعاطفين مع الإسلاميين وهم يتهمون العلمانيين بالعمالة لدولة الإمارات العربية المتحدة (ويذكرونها بالاسم) والمساهمة في الحرب الدولية المحمومة ضد "أحمد منصور" تلميعا دائما لصورة الحكام الجدد في مصر...الإسلاميون المغاربة والمتعاطفون معهم نسوا تاريخ الحركات الإسلامية مع "البترودولار" وأصبحوا بكل صفاقة يتهمون العلمانيين بالارتزاق رغم أن أيا منهم لا يملك ولو اسما واحدا ارتزق ضد مصلحة وطنه من أجل عيون العدو.. هناك في هذا الصدد أسماء على القائمة الأخرى فقط.. قائمة الإسلاميين، ولعل المستور قد ظهر في قضايا تورط فيها صحفيون محسوبون على "تيار الإخوان برعاية قطر" ولست في حاجة إلى ذكر أسماء حسبما أعتقد.. فشرح الواضحات من المفضحات...
حادثة منصور كشفت بالفعل أن الصراع يزداد حدة بين التيارين، الديني والعلماني...وهي تكشف وستكشف عن حجم تورط أموال البترودولار في تسيير بعض الأقلام المغربية والسياسيين المغاربة ومدى ولاءهم لأيديولوجيا الإخوان على حساب أيديولوجيا المواطنة و"تامغرابيت"...حادثة منصور كشفت لنا من هم مستعدون لبيع أوطانهم من أجل نصرة إخوانهم في العقيدة السياسية الإخوانية...وقد كشفت أن ولاء الحداثيين هو للوطن وحسب بعيدا عن الاتهامات الفضفاضة الساذجة الإنشائية بالعمالة للغرب لأن التاريخ لم يسجل على علماني مغربي واحد أن باع وطنه في صراع بين المغرب وبلد علماني كيفما كان.. لم يسبق لعلماني مثقف واحد أن انحاز بدعوى الأيديولوجيا العلمانية إلى عناصر أجنبية ضد أبناء وطنه...(لا يكلمني أحد رجاء عن اليساريين خلال مرحلة سنوات الرصاص وعلاقاتهم بمصر والجزائر وليبيا فالعلاقة بين العلمانية والفكر الاشتراكي كالعلاقة بين الشباكية والطلامط)...
صديقتي مايسة.. أصدقائي الإسلاميين، أصدقائي المتعاطفين معهم ومع منصور والبيجيدي (رغم حجم الفضيحة)...نعم معظم أبناء الفكر الديني من أتباع الفكر الإخواني سواء كانوا على وعي بذلك أم لا.. والكثير من هؤلاء يحملون "جينا داعشيا نائما" قد يستيقظ ساعة يحصل التمكين.. والدولة المغربية في خطر وهؤلاء هم الخطر الأكبر.. ولعل حادثة أحمد منصور وحجم التغريب الذي يعيشه الإسلاميون داخل وطنهم لصالح الأيديولوجيا ال