يا للشعب الفرنسي (المتخلف)!!
غادة السمان
April 24, 2015
لا. لم تعد الحياة في فرنسا تطاق مع شعبها (المتخلف انتخابيا)!
أعيش هنا منذ ثلاثة عقود، وعاصرت انتخابات عديدة لرؤساء جمهوريات وبلديات ومجالس نيابية ولم أسمع رصاصة احتفالية واحدة تطلق في تلك المناسبات.. وكل عام أحلم بأن يُحسّن الفرنسيون أداءهم في حقل الانتخابات النيابية والرئاسية كما يحدث عندنا في لبنان (إذا حدث!).
عندنا، المجالس صارت مؤبدة وكل واحد جالس على كرسيه النيابي المسحور بالهلام اللاصق، لا يغادره حتى بإرادة الشعب وهو باق بمشيئة (التخلف الراقي) والتطور البرلماني الذي يجهله الفرنسيون.
ما الذي يستفزني؟ تخيلوا ما عانيته في باريس مؤخراً.. انتخابات محلية.. وما من مسيرة تخرج تحت شرفتي تصرخ: بالروح بالدم نفديك يا فلان. ما من رصاصة تطلق احتفالاً أو احتجاجاً.. ما من انتخابات يتم تعطيلها لأن الاستفتاءات دلت بوصلتها على أن أولاند قد لا يأتي رئيساً للجمهورية مرة ثانية ولن يمدد له أحد فترة ولايته هرباً من انتخابات عادلة يفشل فيها، فتلك بدعة برلمانية لبنانية يجهلها الفرنسي (المتخلف) سياسياً. ولن يعطل أحد انتخابات الرئيس باغتيال النصاب، أو باغتيال الناجح انتخابيا إذا لم يعجبه، ونحن في لبنان قمنا باغتيال رئيسين للجمهورية في بداية حكمهما!
شعب فرنسي (متخلف) عن أساليب نتقنها في لبنان ومعظم بلادنا العربية، وأترك لكل قارئ رسم صورة مشابهة لما يدور في قطره العربي!
يا للضجر مع شعب يجهل «فن الاغتيال»
تخيلوا حياتي المضجرة هنا مع شعب يجهل «فن التخوين» على الأقل. ناهيك عن الاغتيال. وما من سيارة تنفجر لقتل من كان يمكن له أن يربح في انتخابات عادلة.
أما شعار: «أنا أو لا أحد» فلا يجرؤ سياسي فرنسي على إعلانه ففيه نهايته.
نحن إذا لم ينجح زعيمنا الطائفي أو مولانا العشائري سنحرق بيروت كبداية ونحتل مرافقها ونفهمهم من الأقوى والأكثر تسلحا وذلك يكسر (الروتين) بعدما اعتدنا في بيروت على حياة مكحلة بسواد الموت، والموت أجمل من الحياة طبعاً!
مرة أطلق جاري المهجر قذيفة آر. بي. جي، وارتاع الحي، ثم تبين لنا أن المسكين فعل ذلك احتفالاً بولادة صبي له.. صبي سيربيه على استعمال السلاح، ليس ضد إسرائيل طبعا بل ضد الطائفة الأخرى.. ويعلمه حين يصير مراهقاً كيف يقوم بتقطيع أوصال الأعداء كما في فيلم بوليسي سادي.
ليس في باريس شيء كهذا. وهم يكتفون بإطلاق غضبهم في ورقة تصويت يخذلون فيها من خذلهم.. وهذا كل شيء.. فتخيلوا مبلغ ضجري من انتخابات متخلفة كهذه أتعايش مع مظاهرها باستمرار، حيث صوّت الناس منذ أسابيع ضد الحزب الحاكم. ولم ترسل جماعته قاتلاً محترفاً لاغتيال الخصم بتفجير سيارته على الأقل.
استيراد خبير انتخابات لبناني!
ذلك شعب فرنسي (متخلف) في فنون القمع وبحاجة إلى استيراد خبير لبناني يُدخل الكمامات ويعلّم فن إغلاق الأفواه التي لا تسبح بحمد زعيمه الديني أو الطائفي أو العشائري أو العقائدي (إلى آخر الأوصاف البائسة التي صارت تعوم فوق قلوبنا كجثة فوق قهوتنا الصباحية، لكننا ألفناها كحبات الهال في حياتنا اليومية)، فهي تحمينا من السأم والضجر الذي عاناه ألبرتو مورافيا وكامو!
وفوق ذلك كله ليس لدى الفرنسيين من يحاكمهم باسم الخالق ويسرق منه تعالى يوم الحساب، ويقرر من الذي سيذهب إلى الجنة أي (جنة المكاسب المسروقة والحقوق المنهوبة والكرامات المستباحة ومن سيذهب إلى نار جهنم، جهنمه هو!)
وفوق ذلك كله، للمرشحين هنا في الانتخابات الصغيرة والكبيرة برامج تتحدث عن الخدمات التي سيقدمها المرشح للشعب إذا قاموا بانتخابه، أما نحن في لبنان فقد طورنا الأمر وجددناه وبرنامج معظم السياسيين عندنا له صلة بمكاسبه ونفقات حرّاسه وسياراتهم التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني من الضرائب بكل إجحاف، كما حين يتم قطع الشوارع تسهيلاً لمروره فوقته ثمين.
في فرنسا يحاسب الشعب (المتخلف) سياسييه على الخدمات التي قدموها له مقابل ما يدفعه من ضرائب. ويا لها من أخلاق بائدة.
أما عندنا فيتحدث البعض عن زيادة الضرائب بدلاً من الحديث عن التقليل من ساعات انقطاع الكهرباء والماء. فالمواطن الفرنسي متخلف (رومانسيا) ولا يعرف سحر العيش على ضوء الشموع مثلنا! ثم أن المحاكم اللعينة في فرنسا تساوي بين رئيس جمهورية سابق كساركوزي وأي مواطن فرنسي آخر. وعلى الخبير اللبناني تعليم الشعب الفرنسي «فن الارتجاف» ذعراً من (البكوات) والزعماء وبعض رجال المتاجرة بالدين من «أصحاب اللحى الكثة والعقول الرثة» كما لقب مفكر مصري المتاجرين بالدين.
الفرنسي يجهل «فن التضحية» كما نحن، في بلد يشتري الناس فيه الكهرباء من المولدات والماء من الصهاريج إكراماً لأصحابها (وخوفاً ممن يختبئ وراءهم؟).
والفرنسيون بحاجة ماسة أيضا لاستحضار (مستشاري صحافة) يتهمون الفريق الآخر بالعمالة لهذا القريب أو ذاك.. هنا في فرنسا (التخلف) لم أسمع أحداً يتهم مرشحاً بأنه عميل لألمانيا أو إيطاليا أو بريطانيا فتخيلوا قلة الخيال!.
أما المناظرات السياسية في التلفزيونات الفرنسية فتدعو إلى التثاؤب، حيث يقول كل مدعو وجهة نظره ويصمت حين يتكلم معارضه، دون أن يضربه بزجاجة الماء أمامه أو بالكرسي (وذلك أكثر فصاحة) أما التشابك بالأيدي فلا بأس به والأفضل إطلاق رصاصة في بث مباشر. وكله من شيمنا في لبنان. فمتى (يتحضر) الشعب الفرنسي (المتخلف) سياسيا ويتعلم منا (الفن السياسي) واقتناء الرشاشات في كل بيت وتحويل الشوارع الروتينية إلى ساحات حرب موسمية بينه وبين الأحياء المجاورة والبلدان المجاورة؟
غادة السمان