إنّها الخراف ذاتها التي كانوا ينصحوننا بعدِّها لننام.
كنت أتساءل ما هو الشّيء المريح في هذه الطّريقة التي تقود النّاس إلى النّوم المطمئنّ، ولماذا لا نستخدمها إلّا عندما نكون قلقين ؟ لم تتأخّر الإجابة طويلا. إنّها ذات الخراف : واحد، إثنان، ثلاثة… ثلاثمائة.. كم خروفا تحتاج لتهدأ ؟ هذا يتوقّف على مدى قلقك، ابتعادك، تفرّدك…
الآن، بينما كنّا نعدّ هذه الخراف، سمحنا لها بالتجوّل في أدمغتنا جيئة وذهابا، وأثناء تجوالها
كانت تفيّأت ظلّ رؤانا، وتارة تقضم فكرة من أفكارنا، وتارة أخرى تتجشّأ موهبة.
إنّها تصول، وتجول، وأنت لا تستطيع شيئا حيالها… إنّها خراف… وأنت… لن تكون دمويّا…
ما الذي كان يحدث عندما كنّا “ننام” ؟ أين كانت تذهب كلّ تلك الخراف؟ ماذا سمحنا لها أن تفعل؟ أين احتفظنا بها ؟ كنّا عندما نستيقظ نقول بسخريّة : يا لخراف جدّاتنا ! وبإشارة واحدة من يدنا تصبح خلف ظهورنا… إنّنا بمأمن عن خرافهم…
أتساءل اليوم، هذا القطيع الذي صال وجال في أدمغتنا وقد كنّا نياما، أنكرناه ونحن صاحين… أوليس هو القطيع ذاته ؟ وها نحن ذا نعود إليه !
لقد أتت الخراف على كلّ شيء في رؤوسنا، ها نحن فقدنا صوابنا، ها نحن كلّ يحتمي بمجموعته وكأنّنا لم نصحُ قطّ.
التصق، التصق أكثر، هذه الخراف المكتظّة أصبحت مأمنك الوحيد… إنّك إذ تحتمي بها إنّما تخاف قطيعا آخر مكتظّا كخاصّتك. التصق أكثر، لقد أظلمت رؤاك، وقضمت أشجارك، ومواهبك…
لقد أصبحت سائلا سريع الهضم، وأنت لن تقوى على اكتشاف ذلك. حسنا، مدركا هذه المرّة، فلتعد إلى خرافك، أو بالأحرى، فلتعد خرافك إليك… هذا يزيل قلقك، ابتعادك، تفرّدك.
“فلْتَسمن” إذا، فلتكبر أو تصغر، فلْتَتَلوّن، ليكن صوفك مدبوغا… أو… لتكن حرّا، أطلقه… على طبيعته بلونه الأصلي. لتتزيّن بالحليّ أو لا تتزيّن.. أنت حرّ… أنت خروف حرّ…
إنّك مهما ابتعدت عن الخراف… أو اكتظظت بها… مهما انزويت متجهّما أو راقبت المرج بتفوّق أو اقتربت متحبّبا، مهما… مهما… فإنّ ذلك لن يجديك… ستبقى خروفا، وفي آخر الآمر: راع ٍ وليس خروفا، راع ٍما… سينهي مقطوعته، سينهض، يصفّر لك، يهشّ عليك بعصاه، ثمّ سيقودك… أنت… وجميع الخراف التي معك… إلى زريبة ما فوق هذه الأرض