. . . نورُ الحقيقة مُحرقٌ ونحن لسنا فراشاتٌ تعشقُ النورَ المميت. . . أرأيت. . لبلوغ اليقين لابد من الموت
والموت في بعض المعاجم مرادفٌ للكفر أحياناً
وأنت تعشق الحياة - ها هنا - أكثر
فتحاول الجمع بين النقيضين لترضي غرورك أو طلبات الحضور
وتنسى بأنك لا تعرف شيئا. . أو تعرف شيئاً من المتداول الأبدي
فتخطب في الجماهير كالعارفين. . . . .
تركت جيش سليمان حين رأيت سرباً من النمل
قلت: “لأبحث عن نفسي في سرب النمل العابر في مملكة الخبز” (*)
أبدلت طعامك. . حبتان من الأرز تكفيان لبلوغ الحقيقة
قلت. . ثم رحلت تُحدثُ نفسك:
لابد من غارٍ ومن خلوةٍ في الظلام البهيم. .
لأن الحقيقة، نور الحقيقة، يحب الظلام الكثيف، كي يشف
تغمض عينيك. . فتلمس الضوء المقدس برهةً ثم حين تفتحهما. . يختفي
. .
لابد من العمى إذن. . تُفكر. . هل تسمُل بصرك في سبيل البصيرة!
ثم تعيد التفكر:
ليس بالجسد النحيل ولا بالعمى يكون الصعود إلى الجلجلة
“والبصيرة نورٌ يؤدي إلى عدمٍ أو. . . جنون” وأنا
“لست أعمى لأبصر ما تبصرون” (**)
تُحدثُ نفسك لتستعيد قواك
قلت:
“لأصعد لا طمعاً في حمدٍ أو مجدٍ لكني رجلٌ محكوم بالرؤيا.
وصعدتُ بطيئاً أستقرئ سفر التاريخ بعيني من يعبرني. على كتفي صرة خبز ووريقات بيض. .
حين وصلتُ إلى القمة لم أُبصر إلا أحجاراً جرداء وآثار عظامٍ غابرةٍ نخرتها الديدان” (*)
. .
الرّوح خفيفة ما بالها لا تطير إذن! تفكر. . وتُردد:
الرّوح تقيدها التخمة والمتداول من القول والطقوس المقدسة. .
يلزمها كي تُصيب كبد الحقيقة أن تتأمّل ذاتها في ذاتها
أن تشق الطريق إلى اللهها دون وحي (***)
وفي احتراقك الداخلي يكون نورك الذي لا يضيء لغيرك
أنت جبريلك وأنت وحيك
فحين تحاول شرح المجاز بالكثير من الاستعارات تضيع الحقيقة وهي وظيفتها أن تُضيء
تصبح حينها نسبيّة
فيرجمك المتخمون بالكفر. .
أرأيت. . كيف أن الحقيقة، ابنة الحق، لا تقال
تفقد رونقها، براءتها، بتولتها، إن ضمها مصحفٌ أو كتاب
قليلون جداً بلغوا وحيهم دون وحي ولم يخلطوا بين السّياسة والوجد
وحين ماتوا عاشوا طويلاً. . وكل ما قيل بعدهم، على شفاههم، ليس إلا السّراب
. .
قال: “أطفئوا أيها الساهرون سراج الحقيقة والشك يشرق بكم نور أنواره نيراً. .
ثم مال إلى النور حتّى اختفى في السراج وغاب. . .” (*)
قلت والحرف!
فأوحى:
“زن الحرف. . . فإن جزته في النصوص توقفت عن رؤيتي في الفصوص. . .” (*)
“الحرف حجاب” (****)
و“النور حجاب. . والتلذذ بالكلام حجاب”. . (*****)
و“إذا جزت الحرف وقفت في الرؤيّة”. .
و“إن تقف وراء الوصف أخذك الوصف”. . (****)
. .
قلتُ: “يا سيدي أين أقبر عقلي وكل القبور امتلت بالأحياء. .”!
قال: “استتر لحظة فالجنون يُريحُ. .”
“ثم مال إلى برزخٍ بين صمتي ونطقي ودحرج زراً كبيراً وقال:
إذا أنت أبصرتني في الهيولي تساوى لك الكشف والحجبُ. .
ثم اختفى قبل أن أتلمس دربي لضوء الفتيلة” (*)
. .
لتعرف لابد للآخرين أن يجهلوا ما عرفت
وإلا سيرجمك المتخمون بامتلاك الحقيقة بالكفر
وإن هددك الوحي :. . إن لم تُبَلِّغ. . . ما أوحيت. .
دعه وشأنه. . فهذا امتحان قديم ستسقط فيه إن وشيت بها
فلا اللغة ولا أفئدة المتخمون بالقيح والقبح ستستوعب ما بلغت
ولن تسعفك اللغات المشبعة بالمجاز والاستعارات
فتلك ستوردهم شتى المسالك والمهالك،
سيختلفون كعادتهم حولها
كل يدعي أنه أقرب إليك/إليها من حبل الوريد
. .
عبثا تحاول فض بكارة المطلق بالكلمات ثم تعيدها بكرا إلى قاموسها العذري
الحقيقة تضيق بالبراهين
فلا تَسجعوها ولا تنثروها ولا تنضموها لئلا يضيق بكم أتباعها. . أتباعكم
. .
سقوف الحقائق عالية وواسعة
فلا تقصروها على منطق الحق
ولا تسبروا ضيقها على أجنحة الطير
لأن الحقيقة ابنة الحق لهذا يستمر القتال
تلك مشكلة تقبل الحل لو نوينا شفاء الجدال
فلنتفق على أن الحقائق نسبيّة – كلها - تقبل الاحتمال
. .
“الطريقُ هو الطريقة” (**)
فأيهما تختار
أن تبقى شرنقة معلقةً على الأشجار
أم تسلك درب الفراشات دون أن تدعي رغم فرادة ألوانها أنها هبة الله أو ظله!
. .
يتساوى في قاموس العرفان المتشابه والمحكم والضدان
إن التجلي نقيض التوحد فارصد مقامك لا مقالك من الوجد
وردد معي ما خطه المتمم ما مضى:
“لولا السّراب، لكانت خطى الأنبياء على الرّمل أقوى” ! (**)