وضعت
الصدمة المالية العالمية علامات استفهام كبيرة حول العولمة وحول مدى
فعالية الحكومات الإلكترونية أيضًا. فرغم الانتشار الهائل للإنترنت وبزوغ
تطبيقات عملاقة في القطاع الخاص مثل "جوجل" و"تويتر" و"يوتيوب" و"فيسبوك"،
فإن الإدارة الحكومية لم تتخلص من عقمها. فقد نجح "باراك أوباما" في
توظيف الإنترنت في جمع التبرعات وإدارة حملته الانتخابية عام 2008، ولم
ينجح في توظيفها في إدارته لحكومته وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية.
يحتاج
النمو الاقتصادي الحيوي إلى آليات عضوية وغير مفتعلة، وإلى سياسات حيوية
تقوم على الابتكار والتجريب والتكيف مع البيئة المحيطة ثم تغييرها. لكن
التنمية الطبيعية تتعارض مع سياسات ومسكنات المدى القصير التي تعمد إليها
الحكومات لزيادة شعبيتها بسرعة تضمن استمرارها، بغض النظر عن نتائجها
السلبية على المدى الطويل.
يطلق الدكتور "جوزيف
شومبيتر" على التنمية الاقتصادية ذات المنظور المستقبلي مصطلح "الهدم
الخلاق"؛ وقد تزامن هذا المفهوم مع الحكومة الإلكترونية ونظرية إعادة
اختراع الحكومة في تسعينات القرن الماضي، إلا إنه لم يحقق أهدافه لأن
تطبيقاته كانت تحتم زوال صناعات كاملة ودخول صناعات أخرى، وسقوط شركات
ودخول شركات أخرى، والتضحية بملايين الوظائف، لخلق فرص عمل ووظائف جديدة،
وهذا ما ترهبه الحكومات لأن "الإلكتروقراطية" – أي البيروقراطية
الإلكترونية – قصيرة النظر بطبيعتها أيضًا، لأنها تفضل النتائج السريعة
كذلك.
المفارقة هنا هو ذلك التأثير المتبادل بين
الإنترنت والعولمة. فقد ساعدت الإنترنت على انتشار العولمة، التي أجبرت
الحكومات على نشر الإنترنت بالمقابل، فكانت الإدارة الحكومية نفسها أول
الضحايا. فالدول التي تعولمت أولاً تمارس الديمقراطية محليًا وتخطب ود
الناخبين محليًا، ثم تعود وتتقوقع داخل حدودها من خلال السياسات الحمائية
التي تحول دون اندماجها بالأسواق الخارجة عن نطاق تكتلاتها، وكأنها تعتذر
عن الخطأ قبل أن ترتكبه.
نجحت بعض تجارب الحكومة
الإلكترونية في دول العالم الأول مثل فنلندا وأمريكا وبريطانيا
وأستراليا، وفي بعض دول العالم الثاني مثل الهند والبرازيل واستونيا،
لكنها لم تتخلص من عيوبها تمامًا. فقد ظلت السياسة تسبق الاقتصاد وتضع
مصلحة الحكومة المحلية قبل المصالح العالمية والبيئية، وعندما حدثت
الكوارث غير المتوقعة من بركان آيسلندا إلى زلزال هاييتي وطوفان باكستان،
عجزت العولمة عن الاستجابة لنداءات الإغاثة، حيث فشلت في تقدير حجم كل
كارثة حتى بعد وقوعها. وما زالت المشكلة قائمة؛ كلما زادت سرعة الإنترنت
وكثافة المعلومات، أقامت الدول مزيدًا من السدود وفرضت القيود، فتكون
النتيجة فوزًا محدودًا على المدى القصير، وخسارة فادحة على المدى الطويل،
فتلجأ الحكومات إلى الاستدانة وفرض المزيد من الضرائب لتعويض خسائرها
والوفاء بالتزاماتها. وهكذا صحت مقولة أن العولمة أجبرت الدول المتقدمة
على فرض ضرائب أوروبية وأمريكية (مرتفعة) وتقديم خدمات إفريقية (فقيرة
ومنخفضة)، فحققت عكس ما جاءت تبشر به؛ وهكذا خانت العولمة نفسها، وتخلت عن
عالمها.