ريتا باروتا لـ "تحولات": الكتابة عن الجسد لم تحررني
أسماء وهبة
جلست أراقب صمت الأشياء
فابتسمت لي
يقين عارف باستحالة البكاء
جمعت ما سيكون من جمر أخفاه صدري
نثرته عنبرا على سرير رطب
لم أعد لأنني لم أكن
لم أبك لأنني منه وإليه أعود
عدم يشبه ضلع أمي
إنها قصيدة "الأشياء" للشاعرة والصحافية ريتا باروتا التي اختارت
تفاصيلها الخاصة والأكثر حميمية لتقدمها للقارىء وليمة دسمة. شرعت له
سريرها وجسدها و"هرطقتها" كما تقول، ليتأمل ويسبر أغوار حياواتها الداخلية.
اختارت ريتا "السرير" مكانا لقصيدتها، وجعلت منه عنوانا لديوانها الشعري
"هرطقة بلون سرير" الصادر عن دار أبعاد. إنه المكان الذي تقضي فيه الجزء
الأكبر من حياتها. ولعله الأجمل والأتعس كما تقول! وفيه تستطع أن تعبر عن
جسدها دون مواربة أو خوف، ليولد من رحمه قصائد وصفت ب "الجريئة".
ماذا قصدت بعنوان ديوانك "هرطقة بلون سرير"؟
لا
أستطيع ترجمة العنوان، لأنني عندما أكتب لقصيدة أتخيل صورة معينة فأحاول
قدر استطاعتي نقلها إلى القارىء بالكلمة والخيال. وأعتقد أن العنوان يحمل
صورة كونتها عن حياتي، وهو أحد أشكال "الهرطقة" التي أعيشها.
ماذا يعني "السرير" بالنسبة لك؟
هو المكان الذي أصب فيه كل شيء أعيشه
من حب وفرح وحزن. وهو المكان الأكثر حميمية بالنسبة لي، وهنا لا أقصد
الحميمية الجنسية فقط بل حميميتي الحياتية.
ولكن العنوان يحمل إيحاءا جنسيا!
بالطبع.
ولكن ربما أردت أن ألتف حول العنوان قليلا ليحمل المعنى الجنسي الذي لا
أستبعده والمعنى النفسي الذي يكشف أحد جوانب هرطقتي الشخصية من دون المساس
بالمحرمات الإجتماعية، خصوصا أن السرير لا يشكل بالنسبة لي "تابو"، بل هو
المكان الذي يختصر حياتي! أما الإيحاءات الجنسية فهي ترجمة لإنتشائي عند
الكتابة، لأنني أشعر بسعادة بالغة عندما أمسك ورقة وقلما وأكتب نصا شعريا.
هل يساوي السرير الجسد؟
بكل تأكيد. وكل شيء في حياتنا يمر بالسرير. فلا يمكن أن نفهم الحياة دون
أن نمر بجسدنا وأجساد الآخرين، لأننا لا نستطيع العيش خارج أجسادنا!
هل الجسد قصيدة؟
الجسد
في القصيدة هو مكان مباح وفي الوقت نفسه شديد الخصوصية. وهو المكان الذي
أعطي فيه كل شيء وآخذ كل شيء. وبالمناسبة الجسد ليس شيئا، بل هو مكان مقدس
أمارس فيه طقوسي الخاصة حتى أطوعه كما أريد. وفيه أقدم أقصى درجات التضحية
من دون أن أمتلكه. لهذا أعد نفسي زائرة مستمرة لجسدي.
تواجه العديد من الكاتبات والشاعرات معضلة الكتابة عن الجسد: ماذا عنك؟
لا أواجه هذه المعضلة. وعندما اتهمني أحدهم بكتابة نصوص جريئة لم
أهتم بالرد عليه لأني لم أتحرر عند كتابتي عن الجسد! في حين أن العديد من
الكاتبات يواجهن معضلة الكتابة عن الجسد، لأن المرأة في الشرق تخاف من
جسدها الذي يعتبر رهينة للآخر، حتى أنها تشعر باستمرار أنها تحمل خطيئة
تنتظر القصاص. فمن المعيب بالنسبة للمرأة الشرقية أن تحب وأن تبوح لحبيبها
أو زوجها بنشوتها رغم أن هذا حقها الطبيعي، الأمر الذي ينسحب على كل
سلوكها. وهنا تنشأ حرب بين المرأة وذاتها، لأنها لم تتعلم أن تحب نفسها.
لهذا تأتي بعض الكتابات النسوية عن الجسد فيها الكثير من المبالغة من دون
أن يقدمن صورة حقيقة عن علاقتهن بأجسادهن، فتخبرنا مثلا احدى الكاتبات بما
تتمنى أن تعيشه من خلال جسدها، فتأتي أحلامها مفتعلة وتقع في شرك الخيال ما
ينعكس على مصداقية النص. وهناك كاتبات يظهرن كبتهن الإجتماعي بين السطور
عند تناول الجسد، وهذا أمر لا يتقبله القارىء!
لماذا لم نجد حضورا لجسد الرجل في قصائد كتابك؟
أردت أن أرسم علاقتي بجسدي، وكيف أحتفي به. أما الرجل فهو طيف يمر في قصائدي، يشاهدني وأنا أنتشي من دون أن يكون هو السبب في ذلك.
كيف ترين جسد الرجل؟
أعيش من خلاله حالات معينة، لذلك هو ممر نحو شيء آخر قد يكون نشوة جنسية أو روحية. ولكن معه أشعر بسعادة أشبه بألوان قوس قزح!
هل يمكن أن يكون الرجل قصيدة؟
الرجل قصيدة إفتراضية أترجمها عبر جسده.
أليست خطوة جريئة جدا منك أن تشرعي الباب أمام القارىء ليكشف بعضا من حياتك الجنسية؟
إنها
رد فعل على "التابو" الذي عشته. وأنا لا أقدم حياتي الجنسية للقارىء، بل
إن هذه الحميمية بكافة تفاصيلها لا يمكن أن تتحول إلى قصيدة. لكني أقدم له
نصا إيروتيكيا وليس بورنوغرافيا. وأعتقد أن الخيط الرفيع بينهما هو حرفية
الشاعر الفنية في رسم مشهد جنسي، لأنه ليس من السهل تصوير التصاق رجل
بإمرأة عبر القراءة غير المباشرة!