الحبّ والزّواج
يعتبر الحبّ مقدّمة للزّواج لدى السّواد الأعظم من النّاس، وعليه فهناك
علاقة وثيقة بين الحبّ والزّواج لا تخفى على أحد. إنّ معرفة سبب الزّاوج
والإقتران، من البديهيات، فالتّكاثر وإنتاج الذريّة، أو تمرير الجينات
بتعبير تطوّري، هو السّبب الأساسي لهذه العمليّة.
لكن للحبّ ووجوده تفسيرات كثيرة، وبما أنّ الحبّ منتشر في كلّ الثّقافات،
فقد اعتنى علم النّفس التطوّري بالبحث عن جذوره أو الأسباب التي دعت إلى
وجوده لدى أسلافنا في بيئتهم السّابقة.
الحبّ والاستثمار الوالدي
ينطلق علم النّفس التطوّري من نقطة مهمّة، وهي مشكلة التكيّف، التي تتعلّق
باختيار النّساء للقرين في سالف الأزمان، فالنّساء يحتجن إلى رجال
للاعتناء بهن ّوبأطفالهنّ، أي للانفاق من جهدهم ومن مواردهم عليهن وعلى
أطفالهنّ، وليست الغاية البحث عن علاقات عابرة، أو قصيرة المدى.
صحيح أنّ وفرة الموارد لدى الرّجل تزيد من فرص حصوله على القرين، ولكن
الموارد وحدها دون وجود مؤشّرات على الالتزام بالعلاقة التي ستحصل مع
المرأة تقلل من فرص حصوله على قرينة بشكل عام. وتنبع المشكلة الأساسيّة في
سرعة ملاحظة وجود الموارد ولكن الالتزام يكون أكثر خفاءً. وقد يكون الحبّ
دلالة قويّة تثبت وجود الالتزام في المستقبل.
الالتزام والوفاء نافذة للحبّ
في إحدى الدّراسات التي وضعت لتحديد أفعال الحبّ، وتحديد ماهية الحبّ
وعلاقته بالالتزام وجد أنّ أفعال الحبّ تتصدّر قوائم الرّجال والنّساء
فيما يطلبونه في الشّريك، وتتضمّن هذه الأفعال: الدّخول في علاقة
رومانسيّة، التحدّث عن الزّواج والحياة الزّوجيّة المستقبليّة والتّعبير
عن الرّغبة في إنجاب الأطفال من الحبيب.
حين تصدر هذه الأفعال من الرّجل فإنّها تدلّ على نيّة قويّة في تكريس
الجهد والموارد التي يملكها في امرأة واحدة وأطفالها المقبلين. وهذا يلقي
الضوء على سبب تفضيل المرأة للحبّ.
توحيد القرين
إنّ الالتزام اتجاه القرين، يعني وجود الحبّ والوفاء، واحدى مسلّمات
الالتزام هي عدم تعدّد الاقران، فالالتزام يتجسّد في فعل استمرار الإخلاص
للقرين حتّى عند عدم تواجدهما معاً جنسيّاً.
النيّة الجادّة في الالتزام بعلاقة طويلة المدى تترجم إلى الواقع على شكل
تكريس الموارد لصالح شريك جنسي واحد مثل شراء هديّة باهضة الثّمن في عصرنا
الحديث أو وجود الدّعم العاطفي المتجلّي في سلوكيات عديدة مثل التوفّر في
أوقات الشدّة أو الاستماع إلى مشاكل القرين.
بشكل عام يحتوي الالتزام على تكريس الموارد الجنسيّة، الاقتصاديّة والعاطفيّة لقرين واحد فقط.
دراسات وتجارب
توجد العديد من الدّراسات والتّجارب المتعلّقة بالحبّ، وهذه الدّراسات عمّقت من فهمنا للحبّ بشكل كبير.
أكّدت إحدى الدّراسات الدّوليّة حول اختيار القرين، على أهميّة وجود علاقة
الحبّ بين الرّجل والمرأة في كلّ الثّقافات، ففي مدى يتراوح ما بين قبائل
جنوب افريقيا المعزولة وبين شوارع مدن البرازيل المكتظة، أعطى كل الرّجال
والنّساء تقريباً التّقدير الأعلى للحبّ من ضمن ثمانية عشر خاصية ممكنة
للارتباط، ممّا يعني أنّ الحبّ جزء أساسيّ في الزّواج ولا غنى عنه.
كما حقّق باحثون مختصّون تقدّماً في تحديد الآليات الدّماغيّة التي ترتبط
بالحبّ، فقد قام هؤلاء الباحثين بمسح أدمغة أفراد كانوا في حالة حبّ حين
التّفكير بمحبوبهم بواسطة أجهزة الرّنين المغناطيسي، وقد أظهر هذا المسح
نشاط مناطق معيّنة وازدياد تدفّق الدم إليها، الجدير بالذّكر أنّ هذه
المناطق التي تمّ تنشيطها تعتبر مناطق خاصّة بالمتعة في الدّماغ.