رينيه فيفيان...
شاعرة سحاقية حديثة
شاكر لعيبي
شاعرة فرنسية من أصل أنكلوسكسوني. وُلدت في لندن بتاريخ 11 حزيران 1877 من أب اسكتلندي وأم أميركية، باسم «بولين تارن». كانت طفولتها موزّعة بين لندن وباريس. توفي والدها عام 1886 تاركاً لها ميراثاً كبيراً جعلها في بحبوحة من العيش بقية حياتها. أقامت رينيه فيفيان منذ العام 1899 في باريس بينما عادت عائلتها إلى لندن، وكانت تسافر كثيراً أثناء ذلك. صديقتها الحميمة فيوليت شيليتو قدَّمتْ لها في العام نفسه ناتالي بارني التي أثارت الوسط الثقافي بسبب علاقتها العشقية مع الراقصة والمحظية ليليان دي بوجي المعروفة بازدواجية ميولها الجنسية.
صدرت مجموعة رينيه فيفيان الشعرية الأولى «بحوث وممهدات» عام 1901 باسم مستعار يتضمَّن الحرف الأول للاسم الأول والاسم الكامل الثاني: R. Vivien. ماتت في ذلك العام فيوليت ميتة تراجيدية، ووقعت القطيعة الأولى مع ناتالي بارني، وبعد أشهر التقت فيفيان بالبارونة هيلين زويلين دي تايليت. عام 1902 أصدرت مجموعتها الثانية «رماد وغبار» بالترافق مع مجلد من النثر الشعري بعنوان «ضباب الخلجان الضيّقة» حيث حيّاها النقد الأدبي بصفتها «شاعرة العام الكبيرة». سنة 1903 نشرت مجموعتها «استحضارات»، وكذلك ترجمة حديثة لنصوص سافو، ومجلداً آخر من النثر بعنوان «من الأخضر إلى البنفسجي» بتوقيع: Renée Vivien.
عام 1904 ظهرت سيرتها الذاتية على شكل رواية: «امرأةٌ بدتْ لي»، وأصدرت قصصها القصيرة تحت عنوان «السيّدة بهيئة الذئبة»، تلتها ترجمات حديثة لثماني شاعرات يونانيات، ومجموعة من القصائد المعنونة «فينوس العميان». في العام نفسه بدأت مراسلاتها مع كريمة. والأخيرة هي كريمة طرخان باشا، زوجة دبلوماسي تركي صار وزيراً للشؤون الخارجية، ثم رئيساً للحكومة الألبانية الموقَّتة سنة 1918. ولا نعرف شيئاً أكيداً عن طبيعة علاقة الشاعرة بهذه المرأة الشرقية التي كانت تتقن الفرنسية.
عام 1905 أنجزت فيفيان نسخة جديدة من روايتها «امرأةٌ بدتْ لي»، وصارت تتعاون مع مجلات أدبية فرنسية عدّة. عام 1906 نشرت مجموعتها الشعرية «في لحظة الأيدي المضمومة». أصبحت الصحافة أكثر فضولاً بشأنها، والنقد الأدبي أكثر ميلاً عنها، وبدا الجمهور وكأنه يسخر منها. بدأت صحتها تتدهور. في عام 1907 نشرتْ مجموعتها «مشاعل منطفئة»، ومختارات شعرية لها بعنوان «أغنيات من أجل ظلي»، وأعمالاً نثرية ساخرة عدَّة. في عام 1908 أصدرتْ مجلداً حَكَمياً عنوانه «ألبوم سيلفستر»، ومجموعتها الشعرية «مُخُوْر» و«قصائد نثر». أيضاً قطعت كل مراسلة مع صديقتها البعيدة كريمة. وفي عام 1909 أصدرت «السيرة الذاتية لآن بولين». تدهورت صحتها بشكل كبير هذه الأثناء. نقَّحتْ أعمالها بشكل كامل، ونشرت مختارات أخرى من قصائد نثرها.
توفيت رينيه فيفيان في 18 نوفمبر 1909، في سن الثانية والثلاثين، ودُفنت في مقبرة باسي. وبعد وفاتها صدرت لها مجموعات شعرية عديدة منها «رياح المراكب» و«الخِرَق» و«قصائد مستعادة». وكانت قد كتبت أكثر من عشرة كتب باسم مستعار آخر هو «بول ريفيرسدال» أو بالتعاون مع هيلين زايلين.
الترجمة الحالية تسعى إلى التقيُّد قدر الممكن بالنص الأصلي. والهوامش الأربعة الاستثنائية هي محض أمثلة على إجابات استباقية عن خلل القراءات الحرفيَّة للنصوص.
إلى المرأة المعشوقة
عندما أتيتِ، بخطوةٍ متمهِّلة، في الضباب
كانت السماء تخلط الكريستال والفولاذ بالذهب
جسدكِ كان يَحْزِر نفسه بتثنٍّ غامض
أكثر ليونة من الموجة وأكثر طراوة من الرغوة
كان المساء الصيفيّ يبدو حلماً شرقياً
من زهر ومن صندل.
كنتُ أرتعشُ. كانت الزنابقُ الطويلة المتديّنة والشاحبة
تموت بين يدَيكِ كما لو أنها شموع باردة.
روائحها الفوّاحة كانت تهرب من بين أصابعكِ
في الهبة المُغمى عليها للقلق الأعظم.
كان يفوح من ثيابكِ الشفافة الاحتضارُ والحبُّ على التناوب.
أحسستُ على شفتيَّ الخرساوين
ارتجافَ عذوبةِ وذعرِ قبلتكِ الأولى.
تحت خطواتكِ سمعتُ القيثارات تتحطم
مُطْلقة نحو السماء سأمَ الشعراء المزهوّ
(و) بين تدفُّقات أصوات تنْقص بفتور
ظهرتِ لي شقراء.
و(بـ)الروح العطشى للأبدية، للمستحيل،
للانهائي، أريدُ أن أُنغِّم على نطاق واسع
نشيدَ السحر والانبهار.
لكن المقطع الشعري صعد متعتعاً وشاقاً،
انعكاساً ساذجاً، صدىً صبيانياً، طيراناً معاقاً،
نحو إلوهيتك.
أغنية
كيف (لي) نسيان الطيَّة الثقيلة
لأكمامك الجميلة الرائقة،
عاج الجسد الذي تجري فيه
الرجفة الزرقاء للعروق؟
ألمْ تشعري للحظةٍ
بروحي التي كانت تذهب ولْهانة
ثمِلةً بقلقها العبثيّ،
نحو شفتَيكِ العزيزتَين البعيدتَين؟
وكيف لم تلتقِ أبداً
بـ(ذاك) الانخطاف العاتي (عينه)،
(كيف) نسيانكِ (له)، معاودتكِ له وحلمكِ (به)
مثلما حلمتُ على فمكِ؟
أغنية
المساء يصبّ نصف الصبغات
ويُفضِّل أناشيدَ
زهور الفيرونيكا والياقوتيات،
زهور السوسن وبخور مريم.
فتَّانة جاذبياتي (الأرضية) المجروحة
من قبلاتكِ الخفيفة الباردة
أنت تخلطين بأحلام يقظتي
الملامَسةَ البيضاءَ لأصابعكِ
أغنية
من فستانكِ ذي الطيّات الطويلة الطافية
تفيض كل الأوهام،
وأنت تُحْضِرين لي الربيع
بين يدَيكِ الشقراوين الخفيفتَين.
أخشى من الرعشة الصُّدفيّة
لثديَيكِ الناحلَين، لا أتلمَّسُ
إلا مرتجفة جسدكِ المقدّس،
(و) أخشى من فتنة فمكِ.
أشعر بنفسي كبيرة حدّ الأرباب
عندما، في عناق عنيد،
تختفي الكدمتان الزرقاوان لعينَيكِ
في عذوبة هامدة.
ولكن عندما يُغمى على (صرختي)ـ صرخة الحب،
وأنتِ بين ذراعيَّ جدّ بيضاء،
تبتسمين ولا تجيبينني،
عيناكِ المغلقتان تُجمِّدان روحي...
أخشى - ها هو الندم الطيفيّ
الذي لن يُسْكته الانخطاف -
أن أؤذيكِ
بمداعبةٍ غير مقصودة.
متهتّكة حزينة(1)
النهار لن يخترق بعدُ الذرى(2) المتغطرسة
الغابات المبهورة بجمال الليالي،
وها هي الساعة المضطربة التي ترقص فيها الباخوسيات
بين إرهاق الإيقاعات الفاترة.
شعورهنَّ المتشابكة تبكي دمَ الكروم
أقدامهنَّ الحيوية خفيفة مثل جناح الريح،
وردة الشهوة، ومرونة الخطوط
قد ملأت غابة الابتسامات القلقة(3).
الأكثر شباباً غناؤها يُذكِّر بالحشرجة:
حنجرتها، (حنجرة) العاشقة، مُثقلة بالنشيج.
ليست البتَّة شبيهة بالأخريات، فهي شاحبة،
لجبهتها مرارةُ الفيضان(4) وعصفه.
النبيذ (الذي) تُمْعِنُ شمسُ العناقيد (فيه)
لم يَقُدْها إلى النسيان السخيّ،
نصف ثملة هي، لكن سكْرتها حزينة،
والأوراق السود تُزنِّر جبهتها الشاحبة.
كل شيء ترك فيها جذلاً زائفاً.
ومن ثمَّ الشعور بالبرد وبالصباحات القاسية
الآتي ليُفسد اللهبَ وعسل المداعبات.
إنها تحلم وسط زهور الولائم.
تلك تتذكر القبلات المنسيّة...
سوف لن تتعلَّم اللذة من دون آلام،
تلك التي تَرى دائماً، مع الكآبة
في عمق أمسيات العربدة، احتضارَ الورود.
1- في النص الأصلي «باخوسية» (من باخوس).
2- في النص الأصلي سيكون من الحماقة ترجمة المفردة بمعنى «سهم».
3- في النص الأصلي يمكن قراءة المعنى الأول للمفردة أيضاً «المتحركة»، لكن النص يريد المتحركة بقلق بالأحرى.
4- من الممكن إيجاد بدائل أخرى لما اخترناه هنا.
الأحد يوليو 19, 2015 11:25 am من طرف دوحة