" Trouble jeu" أو صورة بنكيران التمساح
رشيد البلغيتي
الثلاثاء 23 يوليوز 2013 - 00:07
يوم 20 فبراير 2005 أخرج المخرج الاسترالي John Polson فيلمه الرائع Trouble jeu الذي يحكي قصة طبيب نفساني يدعى David Callaway و الذي يحاول بكل السبل الممكنة إعادة ربط وشائج المودة مع ابنته ذات التسع سنوات "إيميلي" بعد وفاة والدتها في حادث تراجيدي مريب.
قضت الطفلة "إيملي" أشهرا عديدة من العلاج النفسي، تحت رقابة طبيبة من معارف العائلة و عندما أظهرت البنت اليتيمة قدرة على التعايش مع الصدمة سافر بها والدها بعيدا عن "نيو يورك" نحو مدينة صغيرة حيث استقر بهم المقام في بيت كبير وسط إحدى الغابات.
بدا الأب عطوفا، حنونا وباحثا عن كل الحلول التي قد تخرج الطفلة من أزمتها و تنسيها حادث موت والدتها لكن "إيميلي"، للأسف، طورت مع الايام شخصية "شارلي" الخيالية. "شارلي" المروع الذي لا يُرى و لكن تُرى نتائج أعماله الخبيثة على نفسية و جسد الطفلة و حتى جدران البيت أحيانا. "شارلي" التمساح او العفريت، بلغة السيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، منع روبير دينيرو (الأب) من كل محاولات الإصلاح.
تتوالى الأحداث في الفيلم فيتبين أن الطبيب النفسي و الوالد الحنون الباحث لفلذة كبده عن كل سبل الاستقرار هو في الواقع من يتحول إلى "شارلي" دون أن يعلم ذلك. أي أن الوالد المصلح هو العفريت الذي لا يُرى أو التمساح الذي ترى أعماله السيئة على جسد البنت و جدران البيت.
في زمننا السياسي الراهن يلبس السيد عبد الإله بنكيران، رويدا رويدا، جبة الطبيب David Callaway بطل الفيلم الذي جعلنا من قصته توطئة لهذا المقال، كيف ذلك؟
ظاهريا، و من خلال خُطب السيد رئيس الحكومة سواء في جلسات الأسئلة الشهرية تحت قبتي البرلمان أو أمام ميكروفون الحزب في كل نشاط داخلي، يبدو السيد بنكيران حريصا على مصلحة الشعب الذي يمكن أن نشبهه بـ "إيميلي" كما يذكرنا بمصاحبته للمغرب في سفره القصير من جغرافيا هزات الحراك الاجتماعي أو نيو يورك (في الفيلم) الى جغرافيا "الإصلاح في ظل الاستقرار" الذي يمكن تشبيهه بالبيت الكبير وسط الغابة.
استمرت مشاكل الشعب المغربي المزمنة تماما كما استمرت مآسي "إيميلي" و في وقت كان يسمع فيه روبر دينيرو (بطل الفيلم) عن شخصية "شارلي" من خلال حكايات ابنته كان بنكيران يرسم لأبناء و بنات الشعب ملامح فاعلين سياسيين غير مرئيين يسميهم "التماسيح" و "العفاريت" محملا إياهم مسؤولية الجروح البادية على الأبدان و الشقوق المفتوة في جدران الوطن.
لكن ومع القليل من التدقيق نجد أن السيد عبد الإله بنكيران، في واقع الأمر، هو التمساح الأكبر دون قصد منه أو سابق معرفة بوضعيته المزدوجة تماما كمن يعانون من إضطراب الشخصية المتعدد.
أمين عام حزب العدالة و التنمية الذي قال لشباب 20 فبراير "من أنتم؟" ليس هو رئيس الحكومة الذي يستدعي في كلامه بطولاتهم كطوق نجاة أيام "الازمات" وبنكيران الذي يستجدي أصوات المغراويين ليس هو بنكيران الذي يغلق دورهم بشمع موظفي الإدارة الترابية الخاضعين لسلطته (نظريا) و بنكيران الأسد داخل البرلمان ليس هو الحمل الوديع داخل أسوار التواركَة في المشور السعيد كما أن بنكيران الذي يرى في الفساد خطرا وجب إسقاطه ليس هو عبد الإله الذي يتحالف مع الفساد لإسقاط الفساد !
يستطيع السيد سعد الدين العثماني أن يؤكد، متى ارتدى وزرة الطبيب، أن صديقه اللدود يعاني من انفصام الشخصية المتمثل في فوضى تعدد الشخصية خاصة مع أعراض فقد الذَّاكِرَة أو نسيان ما قطعه على نفسه من وعود أيام حملته الانتخابية و تَبَدُّد شخصيته الواضح أمام شخصية عبد الله باها مع الغُرْبَة عن الواقِع حين يصرح أن الشعب في صفه وكأن الملايين حملته على الأكتاف الى مقر رئاسة الحكومة بالإضافة الى اضْطِراب الهُوِيَّة الذي لم نعد نحس فيه بميزة تميز شخصية الرجل عمن سبقوه من خدام الأعتاب الشريفة!
بهذا المعنى يتحول السيد عبد الاله بنكيران الى كبير التماسيح الذي يوجه أصبعه نحو الجهة الأخرى من البركة الآسنة التي يسبح فيها مشوشا بذلك على كل محاولة إكلينيكية تحاول النظر الى المشهد في شموليته أو اكتشاف Le trouble du jeu الذي يعيشه البلد في ليله الحالك بعد سقوط المصباح من يد السيد عبد الإله بنكيران عند أقدام الفساد والاستبداد.