بَغْلَةُ بنكيران !
رشيد البلغيتي
الثلاثاء 02 دجنبر 2014 - 12:20
ذابت القناطر وسط السيل الهادر كما تذوب قوالب السكر وسط كؤوس الشاي في الصحراء و تفتت الطرق المعبدة كقطع الشكولاطة السوداء فاكتشفنا، مرة أخرى، أننا في بلد خطابه حديد و بنيانه هش بفعل سياسات الساسة سواء كانوا حملة سبحة أو عشاق نبيذ.
سارع السياسويون الى تحميل عبد الاله بنكيران، رئيس الحكومة، مسؤولية الموت القادم من الجنوب و حمَّلوا الرجل ما لم تقترف يداه من فساد في بناء الجسور و حولوا سي عبد الاله، كما يحلوا لإخوته في الحزب أن يسموه، الى حفار قبور، غير أن الرجل بريء من الأرواح التي أزهقت براءة الذئب من دم يوسف.
لكن دعونا نتفق على أن أغرب الردود التي يسمعها المغاربة من كل المسؤولين الذين كلفوا بتدبير أمورهم هي أن "ما يحدث هو نتيجة السياسات الفاسدة للحكومات السابقة". هذا الإتهام، صحيح تمام الصحة، وقد رمت به حكومة بنكيران في وجه حكومة عباس الفاسي كما إجترت حكومة الفاسي نفس العبارة و رمت بالتهمة في مرمى حكومة ادريس جطو و هكذا دواليك. الأكيد أن الحكومة القادمة ستقف عاجزة في امتحان ما، في مستقبلنا القريب، و ستستدعي هذه الجملة السحرية و تقول للمغاربة إن ما يحدث من كوارث، لا قدر الله، هو بسبب غباء حكومة بنكيران و عجزها عن القيام باصلاحات !
من المسؤول إذن عما يتجرعه المغاربة من مُرٍّ بمناسبة كل عمارة تسقط فوق الرؤوس أو سيل يذهب بالمال و النفوس؟ لا أحد !
كل الحكومات بريئة و كل الوزراء أبرياء ! من حكومة مبارك بن الهبيل البكاي، نهاية خمسينيات القرن الماضي، الى عبد الاله بنكيران "البكاي"، بطريقته أيضا، فالبكاء و المظلومية استعملت وسيلة للتهرب من المسؤولية عند كل الحكومات.
وإذا كان الاتحاديون قد استعملوا عبارة "جيوب المقاومة"، إبان حكومة التناوب، لتبرير العجز و الركوع قصد الاستمرار في ثلاث حكومات بلا لون و لا طعم فإن عبارة "التماسيح و العفاريت" ماهي إلا إعادة صياغة لنفس الجملة الاتحادية قصد تبرير قلة الحيلة و إستدامة رائحة و راحة المؤخرات فوق كراسي "المسؤولية".
يوم الاثنين أكمل سكان سبع قرى يومهم السابع و هم محاصرون بلا أغذية و لا أدوية و لا ماء بواحات محاميد الغزلان، بإقليم زاكورة، و كذلك عدد من سكان القرى بأقاليم طاطا، تزنيت، تارودانت، سيدي إفني و غيرها من المناطق. لقد بات البعض منهم لياليه في العراء منصتا لغرغرة الأمعاء و بكاء اطفال بلا حفاضات أو حليب و أحيانا جنب مريض لم يجد من يحمل جسده المنهك الى مستوصف بئيس.
نعم إن بنكيران ليس مسؤولا عن تهور قلة قليلة ممن ماتوا جراء تهور سائق ناقلة أو جسر أو طريق بنيا قبل 2 يناير 2012، تاريخ تنصيبه رئيسا للحكومة بمدينة ميدلت، لكن سي عبد الاله مسؤول تمام المسؤولية عن إعفاء من تبث تقصيره و إطلاق يد النيابة العامة قصد التحقيق في فساد مهندس أو مقاول أو رئيس جماعة أو عامل أو وال إقترحه.
إن بنكيران مسؤول عن مآسي كل المحاصرين الذين لم يجدوا غذاء و لا غطاء و لم ترفرف فوق رؤوسهم حوامة تحمل عناصر جيش أو درك أو وقاية مدنية أو أطباء أو غيرهم من أصحاب المهنة القادرة على تضميد الجراح.
رئيس الحكومة مقصر لاعتكافه في حي الليمون، بالرباط، و صمته المستهجن عما يحدث من مآسي في جنوب كتب له أن يقاوم منذ عقود تحالفا غريبا يجمع ما بين الطبيعة القاسية و المخزن غير المبالي.
إن بنكيران ، و طيلة ثلاث سنوات من ولايته، مسؤول عن إهماله لبعض الوعود التي أطلقتها أحزاب إئتلافه إبان الانتخابات كغياب إنشاء بعض السدود الصغرى، التي كانت ستنقد البشر و تروي الشجر، كما أنه مسؤول عن عدم تجديد الجسور المعدودة التي يعلم وزيره في التجهيز أنها آيلة للإنهيار و كذلك عدم إنشاء أجهزة للإنذار المبكر و قلة إمكانيات بعض أجهزة التدخل التي حمل عناصرها المنكوبين على الأكتاف دون إغفال صندوق تعويض ضحايا الكوارث الذين يبدو أن تعويضهم سيكون في الدار الآخرة.
قد يقول المدافعون عن رئيس الحكومة أن الملك هو المسؤول، كما يفعل "مناضلو الصف الثالث" يوميا في الفايسبوك، في توزيع غبي للأدوار، و قد يكون هذا الأمر صحيحا لكن رأي "المناضلين"، إن صح، يقتضي وضوحا أكثر في الموقف من خلال "وضع المفاتيح" حتى ينجلي الضباب عن مشهد المسؤوليات، فلا شيء أخطر من الديكتاتورية سوى وهم الديمقراطية كما يعلم الجميع.
دعونا نُذَكُرُ السيد عبد الإله بنكيران بمرجعيته الاسلامية، التي يفخر بالانتماء اليها، و نذكره بقول عمر بن الخطاب، عندما كان يحكم المسلمين، إذ قال الفاروق "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟".
من حسن حظ بنكيران أن بغلة لم تتعثر في طريق المملكة ! و إن حدث فإن "البكاي" هو المسؤول.