تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | عوالم الفضاء الغريبة ... خرافة تداني الحقيقة | |
أتذكر أول مرة دخلت مخيلتي فكرة وجود عالم آخر. كان ذلك أثناء تجوالي مع والدي في حديقة دارنا في سريلانكا، عندما أشار الى القمر وقال لي أن أناسا مشوا على سطحه. أصبت حينها بالدهشة، فقد تحول ذلك الضياء البراق إلى مكان يستطيع الناس زيارته.
وربما كان أطفال المدارس يشعرون هم أيضاً بنفس الإحساس بالغرابة حين يرون صوراً لمناظر من المريخ او حلقات كوكب زحل، وقد لا يمر زمن طويل حتى تكون مفاهيمهم عن العوالم الغريبة قد تجاوزت كواكب نظامنا الشمسي.فبعد آلاف السنين من التأملات، وقرن من المحاولات الفاشلة، اكتشف علماء الفلك في عام 1995 لأول مرة كوكباً يقع خارج مجموعتنا الشمسية، وهو كوكب يدور حول شمس أخرى غير شمسنا. أما الآن فإنهم يكتشفون مئات من هذه العوالم في كل عام، وفي شهر شباط الماضي أعلنت وكالة ناسا بأن 1235 كوكباً محتملاً قد تم رصدها من قبل كيبلر، وهو التلسكوب المركب في قمر اصطناعي يدور في الفضاء. ستة من الكواكب التي اكتشفها كيبلر تدور حول نجم واحد، ومدارات خمسة منها يمكن أن تتطابق مع مدار كوكب عطارد، وهو الكوكب الأقرب الى شمسنا.
من خلال تثبيت أوقات مرور هذه الكواكب الخمسة عبر وجه شمسهم – والتي تعطي تاكيداً على طبيعتها الكوكبية – يمكننا أن نتابع رقص هذه الكواكب الرشيقة مع بعضها البعض وفق إيقاعات تضبطها لهم الجاذبية. كل هذه الاكتشافات تذكرنا بأن الطبيعة غالباً ما تكون أغنى وأكثر روعة حتى من مخيلتنا، ومدى تنوّع العوالم الغريبة أصابنا بالذهول وفاق تصوراتنا المسبقة بأضعاف مضاعفة.
انه حقاً لتغير هائل ذلك الذي وقع خلال 20 سنة لا أكثر، عندما لم نكن نوقن يومها إلا من وجود نظام كوكبي واحد فقط هو نظامنا الشمسي. السرعة التي توالت بها الاكتشافات بمساعدة الأجهزة والبعثات الاستكشافية والستراتيجيات المبتكرة من قبل الساعين للعثور على كواكب جديدة، كانت مذهلة.
اكثر من ذلك أننا من خلال قياس كتل وحجوم تلك الكواكب أمكننا الاستدلال على ماهية مكوناتها: غازات أم جليد أم صخور. بل أن علماء الفلك تمكنوا حتى من احتساب حرارة كواكب تدور حول نجوم أخرى، في البداية باستعمال تلكسوبات موضوعة في الفضاء، ومؤخراً بواسطة أجهزة في القواعد الأرضية، كما نفعل أنا وزملائي.
منذ سنتين ونصف تمكنت انا وزملائي من التقاط أول صور مباشرة للعوالم الغريبة. ثمة شيء في صورة أي كوكب غريب – حتى لو بدا مجرد نقطة شاحبة مجاورة لنجم فائق السطوع – يشعرك بأن هذا الشيء "حقيقي". وإذا ما علمنا بأن النجوم تشع مثل الأضواء الكاشفة مقارنة بتلك الجمرات الكوكبية الصغيرة المجاورة لها والمنضمة حولها، فسوف ندرك كم يستلزم النجاح من الجهود المضنية والابتكارات الذكية. إحدى الأدوات الأساسية التي تمت الاستعانة بها هي تقنية البصريات التكيفية، التي تعمل على إزالة التوهج الخارجي عن النجوم، فتنتهي بإكساب صور التلسكوبات الأرضية حدّة أعلى من تلك التي يمكن الحصول عليها بأية وسيلة أخرى.
في قلب هذا المسعى الكبير يكمن سؤال جوهري: هل ان عالمنا الحجري الدافئ الرطب المائج بالحياة يمثل الاستثناء أم القاعدة؟ هذا السؤال مهم ويعني كل واحد منا لا العلماء فقط. إذ يبدو أن من المنافي للعقل، ان لم نقل أنه العنجهية ذاتها، أن نتصور بأن عالمنا هو الوحيد في المجرة الذي تدب فيه الحياة مع وجود كل تلك المئات من المليارات من الشموس الأخرى، وشيوع وجود الكواكب في كل مكان من المجرة والوفرة الكونية لمكونات الحياة الأساسية. الاحتمال الأرجح هو أن الحياة تكاد تكون شيئاً شائعاً، ولكن الحياة "الذكية" قد تكون نادرة.
بطبيعة الحال أن الأغلبية الواسعة من العوالم الخارجة عن نظامنا الشمسي التي تم اكتشافها حتى الآن لا تشبه عالمنا، فكثير منها مجرد عمالقة غازية وبعضها تغلي وتضطرم بسخونة شديدة في حين ترقد أخرى تحت برودة أزلية مريعة دائمة.
ليست هناك حتى الآن سوى حفنة صغيرة جداً من الكواكب المقاربة في الحجم لكوكبنا، ونسبة قليلة من هذا العدد القليل قد يكون صخري التكوين مثل كوكبنا بدلاً من أن يكون غازياً (مثل كوكب المشتري) أو جليدياً (مثل كوكب نبتون). ولكن في ظرف السنوات القليلة القادمة يتوقع علماء الفلك أن يتم اكتشاف عشرات الكواكب التي يمكن تسميتها "الأرض الغريبة" المكافئة في الحجم لكوكبنا. ومن المرجح أن يقع بعض هذه الكواكب ضمن ما يطلق عليه "المنطقة الصالحة للسكن" وهي المنطقة التي تكون درجات الحراة فيها ملائمة لوجود الماء بحالته السائلة. واكتشاف "توائم أرضية" تتوفر فيها ظروف مشابهة لما نجده في كوكبنا سوف يبرز إلى الواجهة مجدداً اسئلة بشأن وجود الحياة الغريبة.
العثور على علامات دالة على حياة في مكان آخر من الكون لن يكون سهلاً، ولكن من المحتمل جداً أن يقع ذلك خلال فترة حياتي، ان لم نقل في العقد القادم. ونظراً للمسافات الهائلة التي تفصل ما بين النجوم فإن نسخة الحياة الحقيقية التي قد نعثر عليها سيكون بالتأكيد أقل إثارة مما تصوره الأفلام السينمائية التي تعرض لنا غزوات تشنها عوالم أخرى او سفن فضاء تتحطم وهي تحاول الهبوط عندنا.
قد يكون الدليل ظرفياً في بادئ الامر – مثلاً شفرات تعريف طيفية تنم عن وجود جزيئات مثيرة للاهتمام كالأوكسجين والأوزون والميثان والماء – ولكن الباب سيبقى مفتوحاً على مصراعيه لطرح تفسيرات بديلة. وقد يتطلب الأمر سنوات إضافية من جمع المعلومات، وربما بناء تلسكوبات جديدة، قبل أن نتمكن من إسكات شكوكنا. إضافة الى هذا أننا لن نستطيع الجزم ما إذا كانت هذه "البصمات الحياتية" دلالة على حياة من مستوى الطحالب أم بمستوى حضارة. لذا سيتحول معظم الناس باهتمامهم غالباً إلى شؤون أكثر إلحاحاً تتعلق بالحياة على كوكب الأرض.
ولكن إذا ما قدر ذات يوم أن تلتقط إشارة راديوية غريبة فإن تلك ستكون لحظة مثيرة فاصلة لا لبس فيها ولا خلط. وحتى لو بقيت محتويات الرسالة لغزاً مغلقاً لعقود من الزمن فإننا سنكون قد علمنا أن هناك شيئاً "ذو ذكاء" في الطرف الآخر. البحث عن الذكاء القادم من خارج الارض بواسطة المراقب الراديوية قد بلغ مرحلة النضج مؤخراً بعد مرور 50 عاماً على أول محاولة متواضعة. وبناء "منظومة تلسكوب ألن" في المناطق القاحلة شمال كاليفورنيا سيوسع بدرجة كبيرة عدد الأنظمة النجمية التي يستطيع من خلالها علماء الفلك تحري الإشارات.
وأياً تكن الوسيلة التي وصلتنا بها تلك الإشارة فإن هذا الدليل الأول المؤكد على أن ثمة حياة في أماكن أخرى سيمثل نقطة تحوّل في تاريخنا الفكري، تحول لا ينافسه شيء إلا ربما نظرية مركزية الشمس لكوبيرنيكوس أو نظرية النشوء لداروين. وإذا ما أمكن للحياة ان تنبثق في كوكبين منفصلين، فما الذي يمنع أن يكون نفس الأمر حاصلاً في ألف، أو مليار، كوكب آخر؟ تبعات اكتشافنا بالقطع واليقين أن عالمنا ليس العالم الوحيد المسكون سيمكن تحسسها غالباً مع مرور الزمن في جوانب كثيرة من تفكير الإنسان ونشاطاته – من علم الأحياء والفلسفة الى الدين والفنون.
يساور القلق بعض الناس من أن اكتشاف وجود الحياة في أماكن أخرى، وخصوصاً إذا ما تبين أنها تمتلك تقنيات خارقة، سوف يجعلنا نشعر بالضآلة والتفاهة، ويبدو أن هؤلاء قلقون في الواقع من أن يسدد ذلك ضربة مزلزلة لغرورنا الجماعي.
يشاء لي قدري أن أكون من المتفائلين، ومع هذا أعتقد أن الأمر ربما سيتطلب عقوداً من بعد تلقي أول إشارات تشهد على وجود حياة غريبة وتمكن العلماء من جمع أدلة كافية للتحقق منها أو فك شيفرتها والقطع بأنها آتية من مصدر غير طبيعي. أما الأبعاد والآثار الكاملة لمثل هذا الاكتشاف، فقد لا تستشعر بالفعل إلا بعد أجيال، وهذا يعطينا فسحة كافية من الوقت لأن نتقبل فكرة وجود جيران لنا في نفس مجرتنا. أضف إلى ذلك أن علمنا بأننا لسنا وحدنا قد يكون الصفعة التي نحتاج إليها لكي نصحو وننضج كنوع في سلم الخليقة. *راي جايا وارضانا أستاذ في علم الفلك والفيزياء الفلكية من جامعة تورنتو، وهو مؤلف كتاب" العوالم الجديدة الغريبة: البحث عن كواكب خارجية غريبة والحياة خارج نطاق نظامنا الشمسي." | |
|