مقدمة :الوجودية
فكر فلسفي ظهر في بداية القرن السابع عشر كرد فعل للطوق الذي وضعته
فلسفات التقليدية والميتافيزيكية والاديان والقيم الاجتماعية على الانسان
وحرمانه من حريته الحقيقية التي ترافقه منذ لحظة ولادته في هذا العالم (حسب
اراء الوجوديين) ، حيث جعلت هذه الفلسفات من تطور الحياة و تتقدمها في
حركة بطيئة ومعقدة عبر محاولات لا نهاية لها من المحاولات الصح والخطأ.
في البداية نود ان ننوه الى نقطتين مهمتين يجهلها الكثيرون من قراؤنا الاعزاء هما:-النقطة الاولى :- ان مفكري الوجودية ينقسمون الى فئتين الملحدة والمؤمنة.(1)
والنقطة
: الثانية هي انه موضوع الوجودية اصبح موضوعا مها جدا في هذا العصر بسبب
ملائمته مع عقلية العصرية التي تشجع على التهرب من المسؤولية الاخلاقية .
ماهي الوجوديةلعل اول شيء يواجهنا في طرح هذا الموضوع ماذا نقصد بكلمة الوجود من الناحية اللغوية؟
على
الرغم من استخدامنا البديهي لمعنى كلمة وجود كمثل استخدامنا لعملية جدول
الضرب للعدد اثنين يوميا،الا اننا لا نتعمق في مفهومها الاصلي. فاذا
حاولنا فهما بصيغة المطلوبة سنواجه مشكلة كبيرة في تفسير معنى كلمة
الوجودية.
يبدا الجدال هكذا ، هناك فرق كبير عندما نقول ان توم هو
جائع .. وان توم هو يوجد ؟ لاننا نستطيع وصف معنى الجوع عن طريق المقارنة
بالنقيض وهي الاشباع ، لكن يصعب علينا وصف معنى وجود توم، لان نقيض الوجود
هو العدم ونحن لا نعلم اي شيء عن العدم.
الوجود كما نفهمه هو حضور
الشيء مجسما في العالم المحسوس في لحظة او اكثر من الزمن. اي وجود الشيء
في عالم الواقعي الذي نعيش فيه ونحسه ولكن لدى بعض الفلاسفة الوجود لا
يساوي الواقع دائما.
ان الفكر الفلسفي الوجودي اصبح حقيقة لا يمكن
اخفائها حتى المجمع الفاتيكاني الثاني اشار اليه من خلال الاشارة الى القلق
المتولد لدى الانسان في نهاية الحياة والانتقال الى العالم الاخر
(
ان لغز الحياة البشرية يبلغ قمته حين يواجه الانسان الموت. والانسان لا
تزعجه الامه وانحلال جسده التدريجي بقدر ما يزعجه الخوف من فناء نهائي.) .
لعل سائل ما يسال : ما االفرق بين الفلسفة الوجودية وغيرها من الفلسفات؟ .
ان
جواب هذا السؤال يكمن في طروحات ومؤلفات وكتب اعلام الفلسفة الوجودية
بصورة مفصلة. ولكن نستطيع ان نقول بصورة مختصرة ان الوجودية هي تلك
النزعة الفكرية التي تفضل الاهتمام بالوجود الحاضر او الكيان الواقعي على
الماهيات او جوهر الاشياء . ولد هذا الفكر كنتيجة لنزوح الفكر الفلسفي في
القرون الاخيرة الى المثالية المجردة والتصورات العامة التي الغت الاهتمام
بالواقع ومشاكل الانسان في الحياة اليومية كما اسلفنا ، فهو مذهب لاهوتي
وفلسفي معا، حاول ايجاد اجوبة اخرى لحيرة وقلق الانسان امام ماهيات التي
وضعها افلاطون وتجريد ارسطو والعقلانية المطلقة لهيجل.
ولهذا يعتبر البعض كل من القديس اوغسطينوس وتوما الاكويني والعالم باسكال من مؤيدي هذا الفكر على الرغم سبقهم تاريخ ظهوره .
لهذا
الوجودية اعتبرت ثورة على فكر السلطات الخارجية والقيم الاخلاقية
المستبدة التي حرمت الانسان من الحرية وملئت حياته من الضجر بسبب الشعور
بالعبودية الملقاة على عاتقه فاصبح سجين لهذه القيم والمبادئ والتي كانت
مملوءة من الغموض والضبابية . فالوجودية تريد من الانسان ان يعيش واقعه
الحاضر دون الشعور بالقلق من المستقبل او القلق بسبب الماضي ، فالانسان
الفرد هو مركز موضوع الفلسفية الوجودية وعليه تقع مسؤولية وضع القيم
الخاصة به حسب واقعه دون الخضوع الى السلطات الاستبدادية المتوارثة من
الفكر الفلسفي التقليدي او الديني (2).
جذور الفكر الوجودي لدى الفلاسفة عبر التاريخ :كانت
المشكلة لدى فلاسفة الاغريق الذين هم بناة اللبنات الاولى للفلسفة حول
طبيعة الكون، وكان السؤال التالي هو محور معظم فلسفاتهم ، هل ان الكون
مستقر ام متغير؟. بالتأكيد ان الفكر الوجودي لدى الاغريق لم يكن علي نفس
الدرجة من التركيز او المعرفة كما هو الحال لدى فلاسفة القرن العشرين.
من
ناحية التاريخية يرجع الجدال حول فكرة الوجود، الى الجدال الذي كان وقع
بين مؤيدي هيرقليطس وبارمنداس. حيث ظن الفيلسوف هيرقليطس ( 600 – 540؟
ق.م.) ان العالم في تغير مستمر دائمي فهو صاحب القول المشهور
( لا تستطيع ان تضع رجلك في نفس النهر مرتين)
هيرقليطس
لان
بمجرد ان تدخل رجلك النهر و تخرجها ثم تعيد العملية فيكون هناك استغراق
وقت، فيتغير وضع النهر هذا يعني ان العالم في ديمومة مستمرة من التغير بدون
استقرار (يتفق هذا القول مع مباديء علم الثرموداينميك- انتقال الحرارة ).
كان
هذا القول ضد اراء الفيلسوف بارمنداس (510 – 440 ؟ ق. م.) الذي حاول ان
يفسر وجود العالم كوحدة واحدة غير متجزئة ومستقرة وغير متغير.(3)
بارمنداس
ثم
جاء افلاطون (427 – 347 ق. م. ) بنظرية المُثل محاولا ايجاد حل توفيقي بين
فكرة الاستقرار لدى بارمنداس والتغير لعالم هيرقليطس ، فقسم الوجود الى
حالتين هما العالم المحسوس المرئي الناقص المملوء من الاخطاء. وعالم اخر
عالم مقدس مثالي، خالي من الاخطاء، غيرمتغير، وهوعالم الخلود والمبدع او
المصصم.
افلاطون
اما
ارسطو (384 – 322 ق.م) فسر الوجود حسب العلة الغائية التي هي احدى العلات
الاربعة حسب رائيه لوجود الكون ، ففسر وجود الشيء حسب اهميته او الغاية
من وجوده والتي تمثل جوهره، ثم وضع تصنيف للموجودات في العالم بداءا من
الجماد والاحياء حسب درجة الترقي لها ، صاعدا من الاسفل الى الاعلى. وان
اله ارسطو هو اله الفكر المحض الذي لا يتدخل العالم، بل ان الموجودات في
العالم ترغب او تعشق الى التخلص من حالة التركيب كي تصل حالة البسيطة او
الصورة المحضة الخالية من المادة الذي هو الجوهر الحقيقي اي الله بذاته .
ارسطو
اما
افلوطين ( 205 – 270 م) حاول تجديد افكار افلاطون لكن مع البحث لصيغة
التوفيق بين الفلسفة الافلاطونية واللاهوت المسيحي مع اخذ بنظر الاعتبار
لبعض اراء من الفلسفات الاخرى.
فقسم الموجودات الى ثلاثة اصناف هم
اولا الله الذي هو المصدر الاول (الموجود الاول) ، الواحد الذي منه يصدر
العقل الكلي (الموجود الثاني) ومن العقلي الكلي تنبعث النفس الكلية
(الموجود الثالث) ومن ثم النفوس المتجزئة في عالم المحسوس.
فيقول لا يمكن ان تكون الصورة موجودة قبل وجود الشيء امام المراة، ولا يمكن ان يكون هناك ضوء بدون اشعاع.
افلوطين
القديس انسليم (1033-1109م)
القديس
انسليم صاحب القول المشهور (اعقل كي تؤمن)، عكس مقولة القديس اوغسطينوس
(امن كي تفهم). فهو حاول اعطاء العقل نوع الاولوية في الكشف عن الحقيقة،
لكن اعترف بان اول ما يحتاجه العقل هو الايمان بالله ، لكي تفيض عليه النعم
والفضائل الروحية التي تخلق حالة من اليقين لدى المؤمن بالله. هنا يشبه
موقف القديس انسليم موقف سورين كيركغارد مؤسس الفلسفة الوجودية على الرغم
من الاخير يرفض دور العقل بصورة قاطعة في المعرفة اليقينية ، حيث يفضل
كيركغارد المواجهة المباشرة مع الله ليستمد منه الحقيقة اليقينية مباشرة
دون اعتماد على اي من وساطات مثل العقل او الوحي.
القديس توما الاكويني (1225 – 1270م)
القديس
توما الاكويني رجع الى خط اوغسطينوس لكن اعتمد على فلسفة ارسطو عوضا عن
فلسفة افلاطون. فالوجود والماهيات هما من البديهيات المسلمة بهم ، وهم اول
شيء يدركه العقل.
توما الاكويني يضع الاشياء في عددة ادوار، فالادوار
الاولى هي مركبة لانها من مادة وصورة كما قال (ارسطو). في الدور الثاني
تاتي الملائكة والنفوس التي هي جواهر روحية لكن يشوبها تأثير المادة. وفي
الدور الاخير ياتي الله الذي هو جوهر بسيط ، علة الاولى للوجود ، وصورة
محضة .
فيرى القديس توما الاكويني الوجود وجودين، وجود واقعي هو
وجود الجوهر، ووجود مثالي هو وجود فكري الذي يعبر عنه بفعل الكينونة
الفردية، حيث يربط بين كلا الطرفين الموضوع والمحمول في القضية.
ديكارت ( 1596- 1650م)
ديكارت
لم يبدأ من مواضيع ما ورائية كما فعل سابقيه ، بل انطلق من نقطة من عالم
الواقعي، وهي كيفية ايجاد مصدر مؤكد للمعرفة ، فرفع لواء الشك في البداية،
فوجد كثير من المعلومات التي نمتلكها هي غير صحيحة. لكن في النهاية استقر
على فقال : ( ان الشيء الاكيد لي ، انا افكر، فاذن انا موجود.) ، وكانت
هذه هي البديهية الاولى في فلسفته ثم انتقل الى علم الرياضيات والمنطق
ليميز بين عالم الحقيقي وعالم الخيال او الوهم .
فاستمر في قوله: اذا
مادام انا موجدود ، فإذن هناك عالم محيط بي ، احس به . وهكذا وضع فلسفته
التي تدعى بالاثنينية (المادية والروحية). كان هدفها الاول اثبات وجود الله
، لكن قبل ذلك لا بد من اثبات طريقة تفكير صحيحة لاختيار وغربلة الافكار
الصحيحة التي في النهاية تصل الى معرفة الله.
ديكارت
هيجل(1770 – 1831م)
يصف المؤرخون القرن السابع والثامن والتاسع عشر بقرون الفلسفة العقلية واكتشافات العلمية.
انقسم
الفلاسفة بين انفسهم على الفلسفة الاثنينية التي وضعها ديكارت. فقسم منهم
لا يرى في هذه العالم سوى وجودي مادة فقط كما فعل الفيلسوف الانكليزي
توماس هوب، وقسم اخر حاول البرهان على العكس، فيقولون ان العالم المادي هو
حالة من حالات الروحية الخاصة كما ظن الفيلسوف والمطران جورج بيركلي . ثم
جاء هيجل الذي كان اشد المتطرفين في مثاليته النظرية، فاصبح منذ ذلك صاحب
الفلسفة المثالية الخالصة.
هيجل
اسباب ظهور الفكر الوجودي في القرن الثامن التاسع عشرفي
الحقيقة ان شرارة الفكر الالحادي الحديث ولدت لدى الانسان بعد الخيبة
والضياع التي جلبتها فلسفة هيجل المثالية (مبدأ ديالكتيكيه ) مسألة
الموضوع ونقيضه وحالة الصراع المستمرة بينهما في عدد لا متناهي من حالات
الخلق (هويات جديدة او كيانات جديدة ) اوالاندماج و من ثم اكتشاف
الاختلاف او التناقضات بينهما الى ان يصلا الى نقطة الاتحاد (حالة خالية
من اي تناقض) معا في وحدة خاصة حرة واعية لذاتها بصورة مطلقة. وشعر وكأنه
مسير غير مخير في وجوده في هذا العالم وكأن كتب قدره عليه الشعور بالتاسعة
نتيجة الفقر وفقدان حرية التفكي وتغير المصير.
هنا حاول الوجوديون
قلب الاوليات في فكر الانسان، مثلما قلب اينشتاين مبادئ علم الفيزياء
الكلاسيكية في نظريته النسبية. هكذا حاولوا اعطاء الاولية لوجود الذات على
الماهية او الجوهر التي تمتلكه تلك الذات حسب فلسفة ارسطو او الذات
الواعية الكاملة حسب فلسفة هيجل، فاعطوا اهمية القصوى لامتلاك الانسان
الحرية المطلقة في التفكير والتطبيق، فخلعوا الافكار الطوباوية المتوارثة
من الحضارات القديمة والديانات الانسانية وقيم الاخلاقية المتحجرة التي لم
تعيق حرية التفكير والشعور والتصرف .
حقيقة ان الفكر الالحادي انبثق
من المازق الفكري الذي كان يعيشه الانسان انذاك. حيث كان هذا الفكر بعيدا
من متطلبات و متغيرات التي بدات تشمل كل مرافق الحياة. فالاكتشافات
العلمية والثورة الصناعية والثورات السياسية والاقتصادية كلها دفعت
الانسان الى ان يشك في القيم والمبادئ التي ورثها الانسان من المدارس
والديانات والعقائد الفكرية .
يبدو ان وقود هذا الفكر او هذه الحركة جاء
من استثمار الناس فرصة امتلاكهم الحرية كي يفكروا بصورة واقعية وموضوعية
غير متأثرين بأي شيء .
هذا الالحاد الصاعد في القرن السابع عشر ادى الى نشوء ثلاثة مدارس فكرية إلحادية جديدة وهي:
الفلسفة الواقعية التي وضعت على يد هربرت جون فريدرك Johann Friedrich, Herbart
فلسفة النظام الاشتراكي التي وضعت على يد كارل ماركس Karel, Marx
والفلسفة الوجودية الذي وضعت على يد سورين كيركجارد Kierkegaard, soren.
سوف
تغزو هذه الفلسفات الفكر الانساني وتجعله يتقبلها ويتبناها المجتمع ، لا
حبا بها وانما هروبا من قوالب القديمة التي لم تجد الحل المناسب لمشاكلهم
ولاستمرار الحياة ، فيقع الانسان تحت تاثيرها بدون وعي لمدة قرنين من
الزمن لحين مجئء عصر العولمة الجديد الذي جعل من العالم قرية صغيرة متحررة
من ناحية الاقتصادية من مظهرها الخارجي، لكن مخيفة من ناحية نتائجها ،
فالطبقة الوسطى والمسحوقة تخاف من ارجاع زمن العبودية (نظام التابع
والمتبوع ) في القرون الوسطى، اي الخضوع للبنوك والشركات العملاقة
الكبيرة .
من هم اعلام الفكر الوجودي ؟سورين
كيركغارد( 1813-1855) فيلسوف دينماركي، ولد في كوبنهاكين في 15 مايو سنة
1813، يعتبرالاب الحقيقي للفلسفة الوجودية، يقال كان تلميذا لهيجل في مراحل
الاولى من عمره، لكن ثار فيما بعد على فلسفته النظرية. كان اخا لسبعة
اطفال الذين مات خمسة منهم مع والدته قبل ان يصل الحادي والعشرين من العمر.
كانت كتاباته في البداية في السخرية التي وجهت اشد نقد لفلسفة هيجل.
سوري كيركغارد كان ديكارتيا الى العظم .
سورين كيركغارد
اعماله
القصصية الاولى اوصلته الى القناعة الاكيدة، بان العاطفة اوالانفعال هو
الشيء الوحيد الصحيح (او المعرفة الاكيدة له كما قال ديكارت ) الذي يمكن
الاعتماد عليها.
فقال : (ما ينقص عصرنا ليس الانعكاس وانما العاطفة
والانفعال.و ان حركة الفكر الانسانية منذ الاغريق و لحد الان كانت تسير في
اتجاه خاطئ باعتمادها كليا على الفكر الميتافيزيقي لافلاطون ، لسبب بسيط لم
تاخذ هذه الفلسفات شيئا في حسبانها من الوضعية وظروف الانسان نفسه في نظر
الاعتبار.)
قال ايضا :( ما الذي حقا احتاجه ان يصبح واضحا في فكري،
هو ما الذي يجب افعله ، ولا اهمية لما اعرفه. فالاشياء التي اشعر بها انها
صحيحة بالفعل، علي ان اجد السبب الذي من اجله ولدت ومن اجله اموت.)
اصبحت
هذه الفكرة هي الحجر الاساس للفلسفة الوجودية فيما بعد، الفكر الذي هو
اقوى الفلسفات واكثر تاثيرا على الانسان خلال قرن العشرين. ولهذا يعتبر
سورين كيركغارد هو اول وجودي مؤمن وليس ملحد.
كان يؤمن بان الايمان الصحيح يجب ان يكون ايمانيا مبنيا على العاطفة وليس على الفكر كما قال القديس انسليم .
الفكر
او العقل دائما تقود الانسان الى الابتعاد عن الايمان على الرغم من اثباته
احيانا عمل عكس هذا القول (كما هو لدى لاهوت توما الاكويني او القديس
انسليم) الا ان الايمان الصحيح يجب ان يكون مبني على العاطفة الشخصية وليس
الفكر.
فهو يرفض تماما الايمان بالله على الطريقة العقلية او الحسية. من هنا نجد تاثير بذور الفلسفة الكانطية على فلسفته.
انتقد كير كغارد الكنيسة ومراكز دوائرها التي ادعى انها عملت على نقيض المسيحية الحقيقية.
فقال:( لا تفيد التعاليم ما لم تعمل على زيادة الحياة الايمانية لدى الشخص عن طريق او المواجهة والتحدث المباشر مع الله.)
من الفلاسفة الوجوديين المؤمنين الذين اتوا بعد كيركغارد الدينماركي هم:-
الفيلسوف
الروسي برديائيف (1874-1948 ) الذي أولى اهمية كبيرة الى الفردية ايضا،
الذي يحقق مصيره ووجدوه بارادته ، ويصر على انها من الواجبات الفرد
المقدسة ليكتشف كنه ذاته و يوظف طاقاته لكي يرفع ذاته الى فردا فوق
البشرية.
كارل
ياسبرز ( 1883-1969) الماني الجنسية ، في البداية رفض لقب فيلسوف وجودي ،
كان طبيبا في سنة 1933 اصدر كتابه في ثلاث مجلدات بعنوان (الفلسفة) كتب
الكثير في موضوع الوجودية لا بلغة الالحاد وانما بطريقة كيركجارد. يعتقد
ياسبرز ان كيركجارد ونيتشه هما من اعظم فيلسوفين ظهرا في التاريخ بعد هيجل
على الرغم من عدم اتفاقه معهما. شدد بدوره على الحرية كشرط للوصول الى
الله فيكتب: ( ان الانسان الذي يشعر حقا بتجربته، ويكتسب في نفس الوقت
اليقين بالله ، فالحرية والله شيئان مرتبطان لا ينفصلان وعنده هوطريق
التسامي الى العلو ، هو موضوع الله بحد ذاته.)
غبريل مارسيل ( 1889-1969) فرنسي الجنسية، يعتقد ان تسامي الفرد على ذاته هو اساس وجوده وبخاصة اذا كان التسامي نحو الله.
اما
المدرسة الملحدة في الفلسفة الوجودية فهي تتضمن عدد كبير من الفلاسفة هم :
كل من سيمون دي فوار ومارتن هيدغر و جان بول سارتر (5) وموريس ميلر بونتي
والبير كامو . كلهم ينكرون وجود الله وكل القيم والماهيات التي تسبق
الانسان، فالانسان حر فيما يفكر او يفعل ، كالنار التي تحرق المفيد وغير
المفيد على الرغم البعض منهم اعطى اهمية للنظام والقانون بدرجات هزيلة غير
يقينة.
ما هي مباديء الفكرية للفلسفة الوجودية بصورة عامة ؟1 تقديس الحرية ، بدون الحرية يفقد الوجود معناه الحقيقي .
2 التخلص من قوالب القديمة مهما كانت مصادرها مثل الدين والاخلاق والقيم الاجتماعية.
3
حماية رغبة الانسان للاستمتاع بالوجود والقضاء على الشعور بالخيبة
والقلق في هذا العالم والاستمرار بالحياة وتشجيعه الشعور بالسعادة
والاستمتاع بفرصة امتلاك الحياة والحرية لتحقيقها .
4 تسخير كل الطاقات و الامكانيات لصالح تحقيق الذات الفردية دون اعطاء اهمية للماهيات او الجواهر او الكليات او المجتمع كما اسلفنا.
نقد لفكر الفلسفة الوجودية:-*
ربما كان هناك مبررات لظهور فكر الفلسفة للوجودية، و ربما كانت الحل
الانسب في ذلك الوقت لتخليص الانسان من قيود العبودية المتوارثة، كي تفتح
له المجال ان يكشف العالم على حقيقته والتخلص من حالة الكابة والتشاؤم
وشرود الذهن. الا ان القلق والخوف بدا يراود المفكرون من جديد في هذا
العصر حول مفاهيم الوجودية نفسها لانها اصبحت عائق وخطير كبير على مصير
الانسانية، وان مفاهيمها اصبحت مثل افيون الشعوب بعد ان حلت محل الدين في
المجتمعات الغربية بعدما كانت هي تصف القيم وتعاليم الدينية بأفيون الشعوب.
فاصحبت كالسرطان تنخر في المجتمعات الغربية من خلال الانحلال الخلقي الذي
اصابمجتمعهم بسبب فقدان المعيار او المقياس .
* سؤال يطرح نفسه،
هل من المعقول نجحت الفلسفة الرواقية المدفونة منذ اكثر من عشرين قرنا من
بين كل الفلسفات والاديان القديمة والحديثة في ارضاء الانسان كي يتبنى
مفاهيمها، وعادت الى الوجود مرتدية ثوب الوجودية.
ذلك سؤال لابد من
اجابة له من قبل الفلاسفة وعلماء الاجتماع بعد ان يتم دراسة وتقيم دور
الحرية حسب المفهو م الحديث الذي شرع كل شيء بالاخص ان الانسان لم يعد
ملزما بمسؤولية الاخلاقية اتجاه اخيه الانسان الاخر و المجتمع والبيئة
المحيطة به .
هل يستطيع اصحاب فكر الفلسفة الوجودية تصليح وترميم
اركان المجمتع الانسان الحالي بعد هذاالخراب و الانحطاط الذي اصابت به
البشرية من جراء الحرية غير ملزمة باي شيء سوى النظام العلماني ؟!
انقسم
العالم اليوم الى تيارين يسيران باتجاهيم متعاكسين هما ، تيار التخلف و
الرجعية في الشرق وافريقيا (دول فقيرة) وتيار التحرر الذي تجسد في عالم
الغرب ، فالشرق اصبح يحترق تحت وطأة الارهاب وعمليات قتل الذات من اجل نيل
سعادة وهمية في عالم الاخر منذ حرب العراقية الايرانية حينما كان ُتجهز
الجنود بمفاتيح الجنة حينما يرسلون الى جبهات القتال !، وعالم الغربي
المُنساق الى عالم الظلمة واليأس من خلال عدم الشعور باي معنى لوجود الحياة
في هذا العالم بعد ان تخلى عن اي مصدر قيم سواء كانت روحية او اخلاقية.
انه سؤال تحتاج المجتمعات والمنظمات المدنية والحكومات اجابته خلال العقدين القادمين قبل ان تفوت الاوان.
الخلاصة
ان
الفكر الوجودي بالتأكيد ولد نتيجة عصر النهضة ومشاكله، فمشاكل الانسان
بدات يوما بعد يوم تزداد، بسبب زيادة المتطلبات التي يحتاجها الانسان
واصبحت ضرورية لامتلاكها، كما ان الحياة في المدن سهلت التخلص من القيود
الاخلاقية او الدينية.
على الرغم من زيادة المعرفة الانسان بالطبيعة
والكون المحيط به، الا انه اهتز استقراره الداخلي بسبب اهتزاز القيم
والقواعد والبديهيات الفكرية والدينية التي كان الانسان يظن انها ابدية غير
قابلة للجدال او التغير.
فنظرية التطور هزت العالم على الرغم من
قلة مؤيديها في ذلك الوقت، الا انه يوما بعد يوم بدأت الناس تشك في
النظريات القديمة وتفاسيرها . هكذا ازداد الثقل والاجهاد النفسي على
الانسان ، فبدأ يشعر انه ضاع بسبب معارك الطاحنة بين الفلسفات والثورات
السياسية والدينية، فلم يكن هناك امامه الا ايجاد او اتخاذ وضع التكيف
لازالة خطر اختناقه ، هكذا ولد الفكر الوجودي كمخرج من حالة الياس والكابة
والقلق الذي يساور الانسان في عصر الحديث.
بعد الحربين الكونيتين
اصبح الناس يفتقر الى شيء يشده الى الحياة، يفتقر الى معنى الوجود بسبب
اعمال الانسان الشريرة الكبيرة ، وبدا الناس يعيشون حياتهم في لامبالات،
بعيدين عن الالتزام الخلقي الذي ورثوه من ابائهم واجدادهم ، بعيدين عن
القيم الدينية والاخلاقية ، نعم بدات افكار وثنية جديدة تهب على فكر
البشرية منذ بدايات القرن التاسع عشر .
لكن اليوم يعيش عدد كبير من
سكان المدن الكبيرة المملوءة من صخب والمسيرة حسب نظام العولمة في وضع قلق
من جراء زيادة نفوذ الشركات الصناعية والمؤسسات الاعلام الكبيرة على
الحكومات.
هذا القلق تراه على وجه جميع الاعمار، لانهم فقدوا
البوصلة او المعيار في هذه الحياة، فالانسانية بحاجة الى طفرة جديدة في
سموها كي تعيد الامل للانسان من خلال تحقيق فعلي للمبادئ الثلاثة (العدالة
والاخاء والمساوات) الشعار الذي رفعه ثوار الثورة الفرنسية قبل حوالي
قرنين.
الأحد أكتوبر 21, 2012 4:12 pm من طرف ماردة