المشروع الوحدوي.. ثمــرة الربيـــع العربي
ا.د. ابراهيم ابو جابر
2012-02-26
انفجر البركان العربي فجأة، وبقدر، بعد صمت الشعوب العربية
طويلاً على الظلم السياسي للأنظمة، والفقر والبطالة، والفساد الإداري
والمالي، ونظام التوريث وحكم العائلات، ثم لتخاذل الأنظمة وتواطؤها مع
أعداء الأمة والتسليم بضياع فلسطين.
هذا البركان الذي عرف بين العامة ب " الربيع العربي" بدأ
من تونس الغرب ثم انتشر كالنار في الهشيم في بعض الأقطار العربية مثل : مصر
واليمن وليبيا والبحرين وسوريا، والحبل على الجرار؛ وسيدخل كل قطر عربي،
إن شاء الله تعالى.
الحراك الثوري هذا نجح في غالبية الأقطار التي أعلنت الثورة وقريبًا في
أخرى، وهو يواجه تحديات كبيرة، لا بل وأعداء ومثبطين ومشككين كثرا في قدرة
الأنظمة الجديدة على مواجهة عظم المرحلة وما تحمل من تحديات جسام.
الحراك الثوري هذا نجح بداية في اقتلاع رموز الطغيان من الجذور، تقريبًا،
وخطى خطوة في بعض الأقطار تُعد مؤشرًا واقعيًا لحال مجتمعاتها وانعكاسًا
طبيعيًا فطريًا لتطلعات الشعوب، وذلك بعدما أفرزت الانتخابات فوز دعاة
المشروع الإسلامي في الحملات الانتخابية بغالبية مقاعد البرلمانات.
فوز دعاة المشروع الإسلامي هذا لم يفاجئ المراقبين، إذ أن القاصي والداني
كان يتوقعه بعدما جرّبت الشعوب العربية الحلول الاشتراكية ففشلت ثم الغربية
الليبرالية ففشلت أيضًا, ناهيك عن فشل المشروع القومي العربي؛ هذه الحلول
المستوردة التي لم تجن منها الشعوب العربية الاّ الهزائم والنكسات والإفلاس
الاستراتيجي وتأخر مشروع الوحدة لا بل فشله وحالة الصراع والتناحر بين
الأقطار العربية .
دول الحراك الثوري هذه تحتاج لتثبيت ثوراتها وانجازاتها، لا بل لمواجهة
التحديات الجسام التي تنتظرها لمجموعة من الأمور على المستوى القطري المحلي
والإقليمي والعالمي.
المستوى القطري المحلي:الواجب على القوى السياسية التي استلمت زمام السلطة في دول الربيع العربي
بداية، الاهتمام بالشأن الداخلي، أي بقضايا شعوبها؛ الذين حملوا, بل دفعوا
بدمائهم وعرقهم ثمن النصر، ثم بعدها يأتي الدور الإقليمي والدور العالمي.
فالأنظمة الجديدة هذه تقع على كاهلها مسؤوليات عظيمة تجاه شعوبها كالتالي:
1- موضوع التنمية والإصلاح الاقتصادي.
2- الرفاه الاجتماعي وخفض نسبتي الفقر والبطالة.
3- استتباب الأمن وفرض سيادة القانون.
4- الإصلاح السياسي والإداري والقضاء على الفساد بأنواعه.
5- اجتثاث بقايا الأنظمة السابقة الفاسدة وفلولها.
6- الإصلاح الدستوري.
7- معالجة قضية الأقليات الدينية والعرقية بكل عدل وحكمة.
8- توفير أجواء الحرية بأنواعها وفقما يسمح به الشرع.
9- تعويض الأفراد والجماعات والشرائح المتضررة من جراء الأنظمة السابقة أو الثورات.
10- الاحتكاك المباشر مع الجماهير من قبل المسؤولين وسماع شكاويهم مباشرة.
هذه النقاط، وغيرها طبعًا، إن توفرت فإنها ستمهّد الطريق للقوى السياسية
الحالية ذات الأغلبية في البرلمانات وخاصة الإسلامية منها للبقاء
والاستمرارية, وستحظى بقبول الجماهير ورضاهم، لا بل ستؤسس للمستقبل أيضًا.
فالشعوب العربية التي حصل فيها الحراك الثوري أحوج ما تكون حاليًا
للاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، بعدما عصفت رياح الثورات بها مدة من
الزمن, ودفعت الشعوب ثمنها الدم والمال وانعدام الأمن والأمان والسلم
الاجتماعي.
المستوى الاقليمي:
مسؤوليات جسام تقع على كاهل دول الربيع العربي، بعدما تخلّصت من الحكام
الطغاة، الذين كانوا أشبه بموظفين في السفارات الأجنبية في أقطارهم
وتحديدًا السفارة الأمريكية؛ فالأقطار العربية هذه التي قسّمها الاستعمار
الأجنبي لدويلات متناحرة , كانت عامل هدم لا بناء على مدار قرن من الزمان،
انعدمت فيها التنمية، لا بل وأفلست على كل المستويات وعلى رأسها المستوى
الاستراتيجي.
إذن، وما دامت الظروف قد تغيرت وزالت الأنظمة الطاغية المعطلّة في مجموعها
عامل الوحدة، على الأقل على المستوى الإقليمي لا العربي العام؛ يمكن الشروع
في تشكيل اتحاد ما، كونفدرالي أو فدرالي في أقاليم الربيع العربي، مثل
تونس وليبيا ومصر أولاً، بحيث تشكّل هذه الدول أو هذا الاتحاد الإقليمي
نواة للمشروع الإسلامي أو العربي الوحدوي، بحيث ينضم إليه كل دولة تتخلص من
نظامها الرجعي الظالم، ليكبر هذا الاتحاد ويزداد أعضاؤه سيرًا على طريق
وحدة عربية - إسلامية عامة، بغض النظر عن الاسم.
الاتحادات الإقليمية هذه، ايجابياتها كثر ومتعددة تعود بالنفع على شعوب الدول والأقطار المشاركة فيها مثل:
1- فرض الأمن والسلم الإقليمي.
2- تبادل الخبرات.
3- قطع الطريق على كل القوى المحلية والخارجية المعنية في إثارة الفتن الداخلية.
4- المساهمة في التنمية والإصلاح الاقتصادي.
5- وضع خطط واستراتيجيات ورؤى قادرة على مواجهة التحديات بأنواعها.
6- التأسيس لمشروع إسلامي كبير أو "كتلة إسلامية عالمية".
هذه الرؤية إن تمت، ولو على مستوى الدول الثلاث (تونس، مصر، ليبيا) فهي
بحاجة أولاً لتوافق بين قادة هذه الدول، ويفضل حصولها بعدما تستتب الأوضاع
الداخلية في الأقطار المذكورة، ليسهل طرحها على الجماهير، أو الشعوب،
بأسلوب الاستفتاء العام لأخذ رأيهم في مثل اتحاد كهذا قبل الشروع في
التطبيق، أو التوقيع.
المستوى الدولي:الأمة العربية، مقسّمة الأقطار سابقًا، ترحّم عليها القريب قبل البعيد،
ونعاها المفكرون والمثقفون، بعدما أعلنت إفلاسها، بل ظهر إفلاسها علنًا،
وغدت في ذيل الأمم.
هذه الأمة، وقد صحت اليوم من غفوتها، وتحرّكت شعوبها بعدما كسرت حاجز الخوف
من الأنظمة، يفترض أن يواكب هذه المتغيرات أيضًا دراسة مستقبل هذه الأمة
ووضع مشاريع وخطط قادرة على تلافي الوقوع في نفس المطبات التي وقعت فيها أو
أوقعت فيها الأنظمة السابقة.
إن الواجب يستدعي توظيف إمكاناتها، ومنظومة الاتحادات الإقليمية المذكورة
إن حصلت، لصالح مشروع عربي/إسلامي وحدوي , فدراليا كان أم كونفدرالي، على
شكل كتلة عربية أو اتحاد عربي ذي حكومة مركزية أو غير مركزية، خاصة وأن
القواسم المشتركة بين كل الدول العربية بداية"عدا الإسلامية" كثيرة مثل:
الدين, اللغة، والتاريخ، والجغرافية، والدم، والآمال والطموحات ، إذا
استثنينا بعض المذاهب الدينية الأخرى والإثنيات غير العربية الذين هم أصلاً
مواطنون عرب.
إن هذه الشعوب التي غالبية سكانها مسلمون ,إن لم يكن كل دول الحراك الثوري؛
هذه الشعوب تجمعها الهوية الإسلامية وبالتالي فالمشروع الوحدوي سيأخذ
طابعًا إسلاميًا لا محالة، يحترم الأقليات الدينية والعرقية الأخرى ويقوم
على أساس العدل والمساواة والحرية.
وأخيراً:إن في الجماعة قوة، وفي الوحدة قوة، ولهذا يمكن أيضًا توظيف جامعة الدول
العربية ورابطة العالم الإسلامي لصالح هذا المشروع والدفع نحو إنجاحه ,
وتسخير الإمكانات المتوفرة عربيًا ليأخذ مكانه على الساحة الدولية، مثله
كباقي التكتلات الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي أو اتحاد الدول الإفريقية
وغيرهما.
ولكن.. فمشروع كهذا لن يتأتى بالسرعة التي يتوقعها الكثيرون, ولكنه يحتاج
وقتا , لا بل على دول الربيع العربي أولا أن تتخطى التحديات التي تواجهها ,
وبالذات التحديات الداخلية والإقليمية والدولية؛ وانه من الخطأ الحكم على
أنظمة الربيع العربي بالفشل وهي لا تزال تصارع الم الولادة بعد, إنها بحاجة
لعقد من الزمان إن لم يكن أكثر للحكم عليها بالنجاح أو بالفشل ؛ لكنه ليس
عيبا أبدا البدء في التخطيط ووضع الاستراتيجيات لمشروع عربي – إسلامي عالمي
, ليكون على شكل اتحاد أو رابطة أو كتلة؛ وانه لمن الحكمة بعدما تتشكل
مشاريع الوحدة الإقليمية دراسة تشكيل نواة للمشروع العام تشارك فيه حصريا
مصر وتركيا وربما دراسة إمكانية ضم إيران لهما, إن توفرت الظروف الملائمة
لذلك أو المتغيرات الدولية.