الدور الغربي في إجهاض النهضة الإسلامية!!
الأستاذ مجدي طه
2011-08-22
أدى انهيار الخلافة العثمانية عام 1922 نتيجة للحرب
العالمية الأولى والجدل الذي سبقه فيما يتعلق في جوهر وماهية المسألة
الشرقية حول مستقبل أملاك وأراضي دولة الخلافة العثمانية إلى انفصام وحدة
العالم الإسلامي وتفكك نسيجه الاجتماعي والسياسي، فقد سعت الدول الأوروبية
العظمة جاهدة إلى تمزيق أواصر ما تبقى من نفوذ للدولة العثمانية بالإضافة
إلى بث قيم ومبادئ بديلة للمنظومة العقائدية والتربوية الفكرية التي نشأت
وترعرعت عليها الأجيال الإسلامية في العهد الذهبي للدولة العثمانية.
دأبت الدول الأوروبية مستغلة نفوذها وما أوتيت من قوة
لإيجاد صيغة جيوسياسية جديدة للعالم بعد أن أحدثت الفتوحات الإسلامية
للدولة العثمانية تغيير سياسي وثقافي ساهمت في رسم معالم جغرافية وحياتية
مخالفة للعادات اللاتينية والأوروبية الغربية، وفرضت الدولة العثمانية
ثقافة القوة والحداثة من خلال الجيوش الانكشارية الإسلامية واستطاعت بناء
منظومة سياسية واجتماعية مرجعيتها الكتاب والسنة. أثارت مرجعية الدولة
العثمانية حفيظة الغرب، فسعت هذه الدول تبحث عن طرق تشبع غرائزها
الاستعمارية والتوسعية، فكما هي سياسة النفاق السياسي، وقف قسم من هذه
الدول في صف العثمانيين في مرحلة القوة، ولكن سرعان ما تحولت هذه الصداقة
إلى عداوة وطعنا استجابة لرغبات كولونيالية طمعا في نفوذ معين في منطقة
البحر الأحمر أو في مضائق الدردنيل والبوسفور أو في ممرات بحر أيجا والمياه
الدافئة في البحر الأبيض وحوض البحر الأسود.
أدرك العثمانيون مدى عجزهم وقلة حيلتهم أمام أزمات داخلية وخارجية وديون
متراكمة عصفت بكل المناطق العثمانية، وكشفت الدول العظمى (بريطانيا، فرنسا،
وروسيا) عن أنيابها بغية تقسيم مناطق نفوذ الدولة العثمانية من خلال حملة
إعلامية استباقية عرفت عبر التاريخ بأزمة "الرجل المريض" أو "الرجل العجوز
على البوسفور"، ساعدت الأزمة في تحديد هوية ومسار هذه المناطق وتقسيمها بين
دول الحلفاء؛ الأمر الذي أدى إلى تقطيع أوصال العالم الإسلامي من خلال
الامتيازات السياسية والاقتصادية التي منحت من قبل العثمانيين للدول
الأوروبية الأجنبية في محاولة بائسة لتدارك الأمر مما أدى إلى تغلغل غربي
أضافي زاد من سرعة وتيرة انهيار الخلافة العثمانية.
أدى هذا التغلغل في اختراق الشرائح الاجتماعية داخل الدولة العثمانية
واستطاعت الدول الأوروبية بمساندة الحركات الماسونية من الوصول إلى مراكز
القوى داخل المؤسسات العثمانية، وقد ظهرت التيارات العلمانية المتمثلة
بحركة تركيا الفتاة أو العثمانيين الجدد ومن ثم انبثقت منها الجمعيات
والحركات السرية التي ضمت حركة الاتحاد والترقي وغيرها من الجمعيات
والحركات السرية الأخرى مثل؛ (الماسونية)، (يهود الدونمة) ، (تركيا
الطورانية)، التي استفادت من خلال إثارة النعرات القومية وبالتالي مساهمة
مباشرة في تفكيك ما تبقى من كرامة الخلافة العثمانية والانقلاب على الخليفة
العثماني عبد الحميد الثاني عام 1908 ونفيه إلى مدينة سالونيك اليونانية.
نجحت دول الغرب الأوروبية في تفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية ومن ثم
حرف الوحدة السياسية من خلال الانفصام الثنائي وإثارة النعرات الطائفية
وإشهار سلاح القومية العربية الذي ظهر بشكل بارز ومعلن نتيجة لتغلغل
الماسونية والصهيونية العالمية في جميع مناطق ونفوذ الدولة العثمانية والتي
سعت جاهدة للقضاء على مؤسسة الخلافة العثمانية التي بسطت نفوذها على ثلاث
قارات كبرى (آسيا، أوروبا، أفريقيا) بعد رفض السلطان عبد الحميد الثاني
رحمه الله (1918-1842) للعروض الصهيونية بالتنازل عن فلسطين كوطن قومي
لليهود وبالمقابل تسديد ديون وعجز الدولة العثمانية.
هذه نفس الأداة السياسية التي توجه للعالم العربي في عصرنا الحاضر، فنجحت
بريطانيا والحركات السرية من أثارة القوميين العرب واستمالتهم لمحاربة
الدولة العثمانية مقابل وعود خيالية لم تحقق حتى يومنا هذا، واستعملت
بريطانيا أوراق ضغط مختلفة وبالتالي استفادت الوكالات اليهودية والصهيونية
من ذلك لتحقيق حلم "ثيودور هرتسل" الذي عبر عنه في مؤتمر بازل في سويسرا
عام 1897 وبالتالي إقامة وطن قومي لليهود، وما نتج عن اتفاقيات تقسيم
(تفكيك) العالم العربي في مؤتمر لندن عام 1840 وسايكس- بيكو عام 1916
وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات بين الاستعمار البريطاني والفرنسي، وما
كان نفي الشريف حسين وأبنائه لهو خير دليل على نوايا الدول الغربية التي ما
زالت ترى مصالحها بضمان بقاء نظام الأزلام وحجارة النرد الموجودة في معظم
الدول العربية.
إذا، هذه الأنظمة وليدة حقبة تاريخية سعت دول الاستعمار في استثمارها
وتوظيفها للقيام بمهام الحفاظ على مصالحها في المناطق الحيوية الهامة،
ويظهر ذلك جليا في سياسات تلك العائلات الحاكمة مستغلة القبضة الحديدة في
إذلال وإرهاب شعوبها لإشباع غرائزها وللحفاظ على عروشها في قرن اختلفت فيه
الموازين وتبدلت خلاله المعايير نتيجة لما أحدثته سياسة العولمة والثورات
العلمية والمعلوماتية والإعلامية التي حصلت في العالم ولم تستطع هذه
الأنظمة من استيعابها وفهمها، وفي زمن تلاشت معظم الأنظمة الديكتاتورية من
العالم المعاصر واستبدلت بنوع من الحريات والديموقرطيات، إلا أن الأنظمة
العربية ما زالت تعيش حالة من الغيبوبة السياسية وتحاول إيقاف عجلة الزمن
وتتمسك بعقلية متخلفة تجاوزها التاريخ وطوي صفحاتها السوداء منذ زمن لصالح
الحداثة والعصرنة، والغريب بأن بعض هذه الأنظمة ما زالت تتمسك بثوابت فكرية
قديمة استوحتها من الغرب أثبتت فشلها وعجزها على مر التاريخ، بل وكانت
سببا في نكبات وتخلف المجتمعات العربية وضياع القضايا الجوهرية في قرون
سابقة.
لذلك، نجح الاستعمار في تحقيق ثلاثة انجازات رئيسية في الدول العربية؛
أولا: نشر الفساد والفوضى عن طريق الغزو الثقافي وبث الأفكار والقيم المخالفة للعادات والتقاليد العربية والإسلامية.
ثانيا: العمل وفق قاعدة "فرق تسد" وتفكيك المبنى الاجتماعي والسياسي وضمان عدم بنائه من خلال تدخلات خارجية.
ثالثا: زرع خلاية سياسية رسمية وأخرى غير رسمية متمثلة بالأنظمة والعائلات
الحاكمة، وبديل ينوب عنها في حالة فشل أو عدم نجاعة الخلية الأخرى.
ومن اجل النهوض بالأمة الإسلامية والعربية لا بد من فهم ودراسة عميقة في
مركبات التاريخ وتصويب الأخطاء من أجل تغيير الواقع الحالي، فالثورات
العربية ضد الأنظمة والعائلات الفاسدة تبشر بخير وبأن البوصلة تتجه في
الطريق الصحيح نحو استقلال فكري وسياسي حقيقي وفقا للقاعدة القدرية وللوعود
الربانية، فالدول العربية تملك من المقدرات الطبيعية والثروات الحيوانية
وتملك من القدرات الذهنية والبشرية ما لا تملكه دول أوروبا الشرقية ولا
الغربية ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي بحاجة إلى جرأة وشجاعة
والعودة إلى الفطرة السليمة التي تناسب السنة البشرية، وتسليط القوة
والمنعة على الأعداء وليس على الشعوب، ومن الطبيعي أن تدفع الشعوب ضريبة
التحرر والكرامة، ولكنها منتصرة بأذن الله في نهاية المطاف، ولكن يجب
التنبه إلى مجموعة من الصعوبات والتحديات التي تنتظر الثورات العربية ولا
بد من أخذها بالحسبان ودراستها:
• بطش العائلات والعصابات الحاكمة التي لن تتورع من إزهاق الأنفس وتنفيذ أبشع صور القمع للحفاظ على عروشها وتغطية عوراتها وفسادها.
• الدول الاستعمارية التي تقف وتدعم هذه الأنظمة مستغلة بذلك التضليل الإعلامي ونفاق سياسي لضمان ربح مصالحها.
• الخلاية التي تحاول أحداث ثورات مضادة والاستفادة من الانجازات للقضاء على الثورات الحاصلة واغتيالها في مهدها.