سوريا: كانتون علوي في محور مذهبي … علي الأمين المندوب الاممي الاخضر الابراهيمي متشائم حيال انجاز تسوية في
سورية. انطباع يحرص على تظهيره في تجواله بين الدول متأبطا مهمته. واخيرا
قبل ايام، في سورية وتركيا، لم يجد الابراهيمي ما يقدمه الى السوريين غير
حقيقة الصراع الذي يكشف استحالة التوصل الى تسوية بين النظام السوري
والثائرين عليه. استحالة يرسخها تصاعد عمليات القتل والتدمير التي تزداد
وتيرتها في الاشهر الاخيرة مع انتقال الثورة على النظام الى قلب العاصمتين،
دمشق وحلب.
فسياسة التدمير التي يمارسها النظام، ضد المنشآت المدنية والعامة
والمرافق الاقتصادية، اظهرت بوضوح ان النظام السوري بات مقتنعا بأنّه لن
يحكم سورية مجددا وان التدمير والفوضى هي الوسيلة التي ستطيل مدة بقائه،
والفرصة المتاحة للانتقام من الثورة ومحتضنيها، والاهم هو التحضير المنهجي
والدموي للانكفاء الى الكانتون العلوي. ذاك الذي لا تزال جغرافيته المفترضة
بعيدة عن المواجهات، وسط عملية دؤوبة لينقل النظام إليها كل ما تبقى من
خزائن الدولة ووثائقها، وملكياتها المنقولة، فضلا عن المنشآت العسكرية من
سلاح الطيران وغيره من السلاح.
في موازاة هذه الاستعدادات السورية، لم يحمل وزير الخارجية الايراني علي
اكبر صالحي جديدا يطمئن الرئيس بشار الاسد الى مستقبله السياسي. فاللجنة
الرباعية التي تشكلت بشأن هذه الازمة، وعقدت اجتماعها في القاهرة، فشلت في
تقديم اي جرعة تفاؤل بقدرتها على تقديم مسار الحل، وبدت هذه اللجنة مرشحة
الى الزوال. ولعل زيارة صالحي تأتي في ظل هذا المسار المتعثر مع تراجع
الحركة الروسية، وانكفائها بعدما ادركت انها دفعت ثمنا لا يستهان به على
المستوى العربي والدولي. وكان عبّر الرئيس الروسي عن هذه التداعيات انطلاقا
من تأكيده على علاقاته العربية في مقابلته الاخيرة مطلع الشهر مع
التلفزيون الروسي.
ايران تملأ الفراغ الروسي، وتتقدم بمزيد من اطلاق رسائل الدعم للنظام،
وبمزيد من التخفف من الاعباء الاخلاقية حيال ارتكابات النظام السوري.
فالمواقف الاخيرة التي اطلقها قادة الحرس الثوري، بشأن وجود له في سورية
ولبنان، اظهرت ان ايران باتت تتصرف على ان المعركة في سورية لم تعد انتفاضة
شعبية ضد نظام، بل ادرجتها ايران في سياق مترابط مع التهديدات الاسرائيلية
لضرب برنامجها النووي.
وفي سياق هذه المواجهة يأتي اعلان الرئيس بشار الاسد خلال استقباله
صالحي ان المعركة في سورية تستهدف “منظومة المقاومة بأكملها”، وهي منظومة
تستقر على صفاء مذهبي. فبعدما نأت حماس بنفسها عن هذا المشروع، صارت منظومة
المقاومة هي منظومة اللون المذهبي الواحد. وهو ما يطرح تساؤلا حول هل يمكن
ان يكون محور المقاومة في المنطقة العربية والاسلامية، ذات الغالبية
السنية، محورا شيعيا بامتياز، بعدما صار العلويون، عمليا، ضمن المذهب
الشيعي في حساب هذه المنظومة وفي نظر خصومها. ولعل هذا السؤال الاشكالي هو
ما يدفع، انطلاقا من قاعدة عدم تخوين الشعوب، الى القول ان جزءا كبيرا من
الشعوب العربية، والشعب السوري عموما، لم يعد مقتنعا ان هذه المنظومة هي
منظومة مقاومة، بقدر ما هي منظومة مصالح اقليمية لا تتصل بمشروع مقاومة لا
يمكن ان تقوم على صفاء ديني او مذهبي في المنطقة العربية.
من هنا بات مشروع الكانتون العلوي اكثر تقبلا مع تسليم ما يسمى “محور
المقاومة” بهويته المذهبية. وباتت الارضية السياسية والدينية والميدانية
لهذا الكانتون تتشكل بشكل متنام بقدر تسليمه بالتخلي عن المكونات الاخرى،
سواء كانت عربية او اسلامية.
الكانتون العلوي هو البديل عن سورية وعن مشروع المقاومة. وهو ما يتحدث عنه
الاسد ويظنه قابلا للحياة والاستمرارية الى جانب نهر من دماء يجعله محاصرا
من الشعوب ومهددا منها، وبالطبع ليس من اسرائيل.