قصة درامية عن :
آثار تطبيق اتفاقيات
مـنـظـمـة الـتـجـارة العـالـمـيـة
على اقتصاد الدول العربية ( النامية )
دراسة تحليلية اقتصادية استراتيجية افتراضية (تخيلية)
[center]
[center]إعـــــــداد
الباحث والخبير الاستراتيجي المعتمد
[/center][/center]
[center]
المـدرب والمسـتـشـار د. عـدنـان سـعـد صـغـيـر
رئـيـس مـشــــروع مـكـة الـعـــالــمــي لــلــــجـــــــودة
[/center]
إخوتي وإخواتي الأعزاء .. أسعد الله أوقاتكم
تمر منطقتنا العربية " بخلاف كثير من مناطق العالم " بتغييرات جذرية كبرى
لعل آخرها هو الربيع العربي ، وقد لاحظت أن كثيرا من المجتمعات العربية لا
تعي الدرس ولا تفهمه إلا في وقت متأخر .. ولقد قدمت هذه الدراسة
الاقتصادية الاستراتيجية المهمة قبل سنوات إلى إحدى الجامعات .. ولم أكن
أنوي نشرها .. ولكن وبعد عدة سنوات على التوقيع على اتفاقيات منظمة
التجارة العالمية .. لاحظت من خلال عملي وعلاقاتي الاستشارية والتدريبية ..
أن كثيرا من المنظمات العربية وأحيانا الدول لم تفهم بعد خطورة الوضع
الاقتصادي القائم والقادم .. فأحببت نشر هذه الدراسة التحليلية التي نفذتها
على شكل قصة درامية ليسهل فهما واستيعابها .. وهي تتحدث عن جوانب يسيرة
عن المستقبل الذي ينتظرنا وما الذي يجب علينا فعله ..
وآمل من الجميع نشر هذه الدراسة حتى تتم الاستفادة منها بشكل أكبر وأشمل
الشركة العربية المتقدمة
لــلأدويــة والـصـــناعـــات الـطــبــيــــة
نبذة
الشركة العربية المتقدمة
لــلأدويــة والـصـــناعـــات الـطــبــيــــة
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
الشركة العربية المتقدمة للأدوية والصناعات الطبية إحدى الشركات العربية
العريقة في هذا المجال مارست نشاطها التجاري في المملكة العربية السعودية
في مجالين لهما ارتباط وثيق بالطب ، وهما الصيدلة , وصناعة الأدوات الطبية
تأسست الشركة في مدينة جدة على يد أحد كبار الأثرياء في مدينة جدة عام
1980م وكانت آنذاك متخصصة في صناعة الأدوية التقليدية مثل بعض المسكنات
والمهدئات والمضادات الحيوية ، ثم توسعت مجالات الإنتاج فشملت عدداً غير
قليل من الأدوية المتنوعة الحديثة والمتطورة .
حققت الشركة خلال العشر سنوات الأولى عائدات أرباح أكثر مما كان متوقعاً ،
وأصبحت عائداتها الربحية الضخمة عبارة عن ودائع في البنوك المحلية ، وهنا
اتخذ مجلس إدارة الشركة قرارا جريئاً مدفوعاً بحاجة السوق إلى جانب وجود
الخبرة الكافية والتجربة الإيجابية والفرص الواعدة في السوق المحلية وشجع
على ذلك وجود السيولة اللازمة لتنفيذ ذلك القرار .. كان ذلك القرار الجريء
هو افتتاح ثلاثة مصانع جديدة خلال خمس سنوات أي قبل انتهاء عام 1995 في كل
من المنطقة الوسطى ثم المنطقة الشرقية ثم الجنوبية ، ورأت الشركة أن
مصانعها الأربعة قادرة على تغطية احتياجات كامل السوق السعودية ، أما
المناطق التي لم تفتتح فيها مصانع فيعود السبب في ذلك إلى عدم وجود الكثافة
السكانية المشجعة في تلك المناطق ,واكتفت الشركة بالتوزيع على الوكلاء أو
البيع المباشر في تلك المناطق .
حققت الشركة جميع شروط وتعليمات هيئة المواصفات والمقاييس السعودية في ذلك
الوقت ، فحصلت على شهادة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس كما حصلت على
عدد من شهادات المطابقة الدوليـة العالمــية
مما شجعها على التقدم بعرض للحكومة تصبح بموجبه الشركة العربية المتقدمة
الممول الحصري لكافة القطاعات الصحية السعودية ( المدنية والعسكرية ) بحيث
تؤمن الشركة جميع احتياجات وزارة الصحة من الأدوية التي تنتجها ، وأما
الأدوية التي لا تدخل في مجال اختصاصها فيحق للحكومة تأمينها عن طريق
اتفاقيات أخرى مع شركات أخرى . ونظراً للسمعة الجيدة للشركة فقد وافقت
الحكومة على هذا القرار التاريخي بالنسبة للشركة والذي جعل من الشركة مفخرة
لكل من ملاكها وإدارتها والعاملين فيها ، وكانت فترة تطبيق هذا العقد عشر
سنوات تبدأ من 1/ يناير/1998م وتنتهي في 31/ ديسمبر2008م .
أصبحت أحرف الشركة تنقش بماء الذهب ، ومنتجاتها مثل العلم المعروف في السوق
المحلية تراها في كل صيدلية وكل مستشفى ، ولا تخلو منها روشتة ( وصفة )
علاجية .
خلال فترة العقد الحكومي الحصري مرت الشركة بعصرها الذهبي ، حيث أصبحت
مصانعها الأربعة تعمل بكامل الطاقة الإنتاجية ، وكانت منتجاتها لا تكاد
تغادر باحات المصانع حتى تتلقفها القطاعات الصحية الحكومية في كافة أرجاء
البلاد ، إلى جانب العميل الخاص الذي هو مستشفيات ومستوصفات القطاع الخاص
وكثير من الصيدليات حيث كانت الشركة تقدم منتجات ذات سمعة جيدة وصيت ذائع
بأسعار أقل من المنافسين المحليين والدوليين .
ومع تداعيات الحروب في منطقة الخليج إضافة إلى حدوث بعض الكوارث الطبيعية
في مناطق مختلفة من العالم ( كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات
وخاصة التسونامي .. الخ ) .
وحيث إن الحكومة السعودية من الدول التي تقدم المساعدات للدول المنكوبة في
مثل هذه الظروف بدافع العطاء الإسلامي والإنساني وبغض النظر عن
الانتماءات العرقية أو الإيديولوجية للدول المنكوبة ، فقد زاد الطلب على
منتجات الشركة العربية المتقدمة حيث تقدم الحكومة السعودية هذه المنتجات
على شكل معونات .
أنفقت الشركة مبالغ طائلة بهدف تجديد وتطوير كثير من آلات التصنيع ، كما
أمنت لكل مصنع عددا لا بأس به من الآلات الحديثة فائقة الجودة ، وضاعفت من
طاقاتها الإنتاجية ومن أعداد العاملين بما يتناسب والحاجة السوقية ، وفعلاً
أوفت الشركة بكل التزاماتها ، وحصدت أرباحاً فاقت كل التوقعات ، ومن جديد
تراكمت ودائع الشركة بمئات الملايين في البنوك المحلية .
بعد دراسات مستفيضة ومتأنية أصدر مجلس إدارة الشركة قرارا خطيراً نهاية عام
2004م ينص على فتح خط إنتاج جديد للشركة ألا وهو صناعة الأدوات والتجهيزات
الطبية ، كان السبب وراء ذلك القرار الخطير هو ندرة هذا المنتج في العالم
العربي ، مع الحاجة الماسة له في كافة الأسواق العربية مع ملحوظة أن لمثل
هذا المنتج عوائد مالية مغرية ، تحفظ على هذا القرار عدد من قيادات الشركة
ولكن الأغلبية الساحقة دعمت الفكرة فكان القرار افتتاح أول مصنع للتجهيزات
الطبية في المنطقة الشرقية قبل نهاية عام 2005م .
تمتلك الشركة فريقاً استراتيجياً على مستوى عالٍ من الخبرة ولذلك رأى هذا
الفريق أن مستقبلاً واعداً ينتظر الشركة ، وأن عهداً زاهرا تبدو ملامحه
وقسماته سوف يسيطر على جميع خطوط الإنتاج في الشركة .
لم تكن المملكة العربية السعودية قد انضمت إلى منظمة التجارة العالمية ،
وكان الفريق الاستراتيجي يدرك أن انضمامها بات وشيكاً ، ولكن حجم المتغيرات
وتسارعها لم يسعف الفريق لإدراك واستيعاب جميع المتغيرات ، وكانت المفاجأة
المنتظرة وانضمت المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وأصبحت عضواً في
المنظمة لها ما لها وعليها ما عليها ، بموجب اتفاقيات ملزمة لا مناص من
تطبيقها والتعايش معها .
ومع أن التغيرات التي أحدثها هذا الانضمام تغيرات مرحلية وليست فجائية إلى
أن عددا من المخاوف ألقت بظلالها على الشركة العربية المتقدمة ، حيث بدأ
الحديث عن استعداد عدد كبير من الشركات العالمية المتخصصة في كل من
الصناعات الطبية والأدوية إلى اقتحام السوق السعودية يحفزها على ذلك انخفاض
الرسوم الجمركية بموجب الاتفاقية العالمية ، كما يدفعها إلى التقدم الجودة
العالمية لمنتجاتها في كلا المجالين ( صناعة الأدوات والتجهيزات الطبية ) .
تعددت اجتماعات مجلس الإدارة مع الفريق الاستراتيجي في الشركة العربية
لدراسة الوضع القادم بدقة وعناية ، وكان أهم هذه الاجتماعات هو الاجتماع
الذي تم انعقاده في 25/ ديسمبر / 2007م حيث كان هذا الاجتماع خلاصة لكل
اللقاءات والاجتماعات السابقة حيث اتضح فيه الموقف الاستراتيجي للشركة بعد
دراسة الوضع الجديد بكل متغيراته إلى جانب المنافسين المحليين والعالميين
وتمثلت أهم المشكلات التي تواجه الشركة العربية وموقفها الاستراتيجي في ما
يلي :
1. وصول خطاب إلى الشركة من وزارة الصحة السعودية تشكرها فيه على تعاونها
ووفائها بكل التزاماتها خلال الفترة السابقة ، وتحيطها علماً بقرارها
النهائي وهو عدم رغبة الوزارة في تجديد العقد الحصري للأدوية الطبية مع
الشركة ، ومع أن هذا القرار كان يجب أن يكون متوقعا إلا أنه نزل كالصاعقة
على مجلس الإدارة ، الذي توقع أن الأمور تسير بكل مؤشراتها إلى تجديد العقد
.
2. انتظار كثير من المنافسين المحليين لهذه الفرصة بفارغ الصبر ، ومن يدري فقد يفوز أحدهم بالعقد القادم للحكومة .
3. استطلاعات الرأي أكدت أن عددا كبيراً من الشركات الدولية تستعد فعلاً
لاقتحام السوق السعودية ومن أهمها شركة G.H.M الألمانية والتي تعد من أقوى
الشركات العالمية في صناعة الأدوية والأدوات الطبية ، وتكمن المشكلة في أن
منتجات هذه الشركة غاية في الجودة ولكنها تمتلك ميزة تنافسية عالية ، وهي
التكلفة المنخفضة لأدويتها وذلك لأن الشركة افتتحت منذ سنوات طوال عددا من
المصانع في بعض الدول ذات العمالة رخيصة الثمن إلى جانب توفر المواد الخام
الضرورية للصناعة لديها حيث أنها لا تستوردها من الخارج مثل الشركة العربية
المتقدمة ، ومع التخفيض الكبير في الجمارك يتوقع أن تصل هذه الأدوية إلى
المستهلك السعودي بسعر أقل بكثير من أدوية الشركات المنافسة ، بل وربما
بسعر يقل عن منتجات الشركة العربية المتقدمة ، خاصة أن شركة G.H.M عقدت
اتفاقاً ثنائياً حصرياً مع إحدى شركات الشحن العالمية تحصل بموجبه على خصم
في تكاليف الشحن قدره 50% لمدة عشرين عاماً .
4. هناك مشكلة أخرى وهي أنه خلال العامين الماضيين لم تحدث أية كوارث
عالمية بمستوى الكوارث السابقة ، كما أن الحرب في منطقة الخليج قد خفت
حدتها ، ومالت إلى الاستقرار ، وكان لهذين الأمرين تأثير سلبي على إيرادات
الشركة العربية المتقدمة خلال هذه الفترة .
5. أما كبرى المشكلات فهي تقدم عدد من الشركات أصحاب براءات الاختراع
الطبية بشكوى إلى منظمة العدل الدولية تتهم فيها كثيراً من شركات الدول
النامية بالتعدي على حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها , وذلك استناداً إلى
بند حماية حقوق الملكية الفكرية ، وبما أن الأدوية المصنعة في الشركة
العربية المتقدمة كانت منذ الأساس مستقاة من تركيبات دوائية مملوكة لشركات
دولية ، فإن كثيرا من هذا الأدوية سوف تضطر لدفع مقابل مادي للشركات
الدولية مما يزيد من كلفة الإنتاج ويساهم في رفع ثمن المنتج ، وإما أن
يتوقف إنتاج هذا المنتج حفاظاً على سمعة الشركة ومكانتها ، ولكي لا تتعرض
لعقوبة دولية يمكن أن تكون باهظة .
6. أمر آخر مهم وهو أن خط الإنتاج الجديد في الشركة وهو ( صناعة الأدوات
والتجهيزات الطبية ) قد كلف الشركة الكثير والكثير من المال والوقت والجهد
ولم يكد المصنع يبدأ الإنتاج حتى ظهرت هذه المشكلات المعقدة ، هذا إلى جانب
بعض المشكلات الفرعية .
الخيارات والبدائل الاستراتيجية
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
لم يحدث من قبل أن مرت الشركة
بمثل هذه المشكلات المتداخلة والمعقدة ، إلى جانب الغموض الذي يكتنف
المرحلة المستقبلية وكثرة المتغيرات على الصعيد المحلي والعالمي ، مما جعل
مجلس الإدارة والفريق الاستراتيجي يشعر بخطورة المرحلة القادمة ، وأنها
مرحلة تحمل من جوانب الخطورة الكثير والكثير ، ولكنها أيضاً تحمل من الفرص
الثمينة ما لو تمكنت الشركة من استغلاله لتجاوزت هذه المرحلة ، بل وربما
حققت ما هو أبعد بكثير مما كانت تحلم به ، ومن يدري فربما تنطلق إلى هذه
المرحلة الجديدة المشرقة , ولكن الأمر يحتاج إلى رؤية مستقبلية ثاقبة تعتمد
على دراسة المعطيات المستقبلية أكثر من اعتمادها على الحدس والتجريب
والمخاطرة .
الوضع الجديد وضع الشركة أمام عدد كبير من السيناريوهات المعقدة ،
والخيارات الصعبة التي يحتاج كل منها إلى دراسة شاملة ، وتمثلت هذه
السيناريوهات فيما يلي :
1. هل تستمر الشركة في أدائها بنفس الأسلوب السابق وتدير ظهرها لكل هذه
المتغيرات باحثة عن مستهلك جديد في السوق المحلية بنفس قوة المستهلك السابق
( الحكومة) ولكن هل ذلك ممكن ؟
2. هل تواصل الشركة نموها الطبيعي على خطي الإنتاج ( الأدوية / التجهيزات الطبية ) أم تنكمش وتوقف أحد الخطين أو تتخلص منه ؟
3. هل تتفاوض الشركة مع الشركات المعنية بحقوق الملكية الفكرية ؟ وتتوصل
معها إلى اتفاقيات معينة أم تلجأ للتعاقد مع شركات متخصصة في المحاماة
والمرافعات في القضايا الدولية ؟
4. هل تعزز من قدراتها التنافسية ؟ أم تلجأ إلى الاندماجات الاستراتيجية ؟
وهل يتم ذلك مع المنافس الضعيف المحلي الذي ينظر إليها كشريك قوي ؟ أم مع
بعض المنافسين الدوليين الذين ربما ينظرون إليها كشريك ضعيف ؟
5. هل للشركة قدرة تنافسية عالمية ؟ أم أنها تحتاج إلى تغييرات جوهرية وإعادة صياغة ؟
6. هل تتوجه الشركة بصادراتها إلى الأسواق الخارجية ؟ وهل ذلك ممكن ؟ وكيف لمنتجاتها أن تحصل على حصة سوقية في أسواق جديدة ؟
انهمك أعضاء مجلس الإدارة والفريق الاستراتيجي في دراسة دقيقة وحذرة لدراسة
البدائل المتاحة , وتتبع كل منها والإبحار معه إلى المستقبل محاولين
استشراف المستقبل من خلال عمليات عصف ذهني متكررة تمت الاستعانة فيها
بموظفين من الشركة من جميع مستويات الشركة ، إلى جانب الاستعانة ببعض
الخبراء الاستراتيجيين من خارج الشركة ، كما حصلت الشركة على أحدث القرارات
الصادرة عن منظمة التجارة العالمية ، كما تم الاطلاع على جميع البنود التي
لا زالت تحت الدراسة ولم يبت فيها حتى تأريخه ، كما أمعنت الشركة التدقيق
في الطلبات المقدمة للانضمام والاعتراضات المرفوعات والتعديلات المتوقعة ،
مما أكسب فريق الشركة قدرة كبيرة على توقع المعطيات العالمية القادمة .
سيناريوهات ومفاجآت
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
أبدى بعض أعضاء مجلس الإدارة ارتياحهم الكبير لفكرة التوجه بالمنتج إلى بعض
الأسواق العربية ، وعند دراسة أسواق هذه الدول تم التوصل إلى أن الأسواق
العربية تنقسم إلى قسمين :
1. دول عربية غنية ومغرية ولكنها لا تمثل أي فرصة سوقية لأن بعض الشركات قد
استحوذت على هذه الدول وهذه الشركات إما أنها تابعة لتلك الدول أو لشركات
دولية أو لشركات جديدة ناتجة عن اندماجات بين شركات متعددة .
2. أسواق عربية فقيرة وغير مغرية ، ولديها مصانع أدوية متدنية المستوى ولا يمكن منافستها بسبب انخفاض تكلفة الأدوية المتوفرة لديها.
وجاء الاقتراح الخطير من أحد أعضاء مجلس الإدارة بضرورة التركيز على إحدى
كبريات الدول في العالم واقتحام أسواقها بكل قوة والانتشار بها عن طريق
القنوات الإعلامية المختلفة وتنفيذ خطة تسويقية ترويجية تستهدف مواطني تلك
الدولة حيث تقدم لهم الأدوية بتكلفة أقل من الأدوية الأخرى المنافسة (
تخفيض السعر بهدف كسب شريحة كبيرة من المستهلكين الجدد ، ثم العودة به
تدريجياً بعد الاستحواذ على حصة سوقية مجدية ) خاصة أن لدى الشركة ودائع
مالية مرتفعة تساعدها على الصمود على المدى البعيد وخاصة أن منتجاتها ستكون
معفاة من الرسوم الجمركية في البلد المستهدف ، ولكن جاء جواب الفريق
الاستراتيجي مخيباً لآمال مجلس الإدارة إذا أن قوانين منظمة التجارة
العالمية تنص على أن هذا التصرف هو ما يسمى بسياسة الإغراق في السلع وهو
محرم دولياً حسب اتفاقيات المنظمة ، وعلى كل دولة أن تقدم منتجاتها إلى
العميل النهائي في البلد المستهدف بتكلفة لا تقل عن وصوله إلى العميل في
بلد الإنتاج ، كما بدا أن المنافسين في هذه الدول أكثر خبرة ومنتجاتهم أكثر
جودة وسمعة ، كما أن دولهم الصناعية قد خفضت الرسوم الجمركية للسلع
المستوردة لأنها غير مؤثرة على اقتصادها أصلاً وذلك لأن الرسوم الجمركية
لهذه الدول غير مرتفعة أصلاً ،كما أن وارداتها لا تكاد أن تذكر قياساً إلى
صادراتها ولكنها تفرض رسوماً ضريبية ( غير مشمولة باتفاقيات منظمة التجارة
العالمية ) على المستهلك النهائي للسلع المستوردة من الخارج مما يرفع سعر
المنتج الوافد على المستهلك النهائي ، وبذلك يصله المنتج أعلى كلفة من
المنتج المحلي الذي هو أفضل أصلاً من حيث الجودة ، إضافة إلى أن هذه الدول
تمارس أنواعاً شتى من الضغوط على منتجات العالم النامي لكي لا تغزوها في
عقر دارها مثل حقوق الملكية الفكرية ( التي هي مشكلة كبيرة للشركة العربية
المتقدمة ) ومثل خلو هذه السلع من الإشعاعات ، ومطابقتها للمواصفات
القياسية للدول المستوردة لا المصدرة .
ومرة أخرى عادت الأمور إلى حيثما بدأت وبدا كأن النقاش يدور في حلقة مفرغة ويسير في طريق مجهول المعالم وكثير الأخطار .
( الخيار الاستراتيجي )
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
أو ما يسمى بالخيار المفضل جاءت
فكرته من أحد أعضاء الفريق الاستراتيجي وهي فكرة جديدة وجيدة حيث اقترح
أن تقوم الشركة بعقد اتفاقية ثنائية تبادلية مع إحدى كبرى الشركات المتخصصة
في المجال الصحي في إحدى الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة بحيث تكون
منتجات هذه الشركة مختلفة عن منتجات الشركة العربية المتقدمة ولا يهم إن
كانت هذه المنتجات تابعة أو مكملة أو مستقلة ، بل المهم أن تكون الشركة ذات
سمعة عريقة في بلدها وذات إمكانات مادية مغرية وصناعة متميزة مطلوبة في
السوق السعودية بحيث ينص هذا الاتفاق على إحداث نوع من الاندماج والشراكة
الشكلية وهي في حقيقتها اتفاقية تسويق بحيث يعلن عن هذا الاندماج في وسائل
الإعلام المختلفة وتصدر له المستندات الرسمية اللازمة في كلا البلدين وبعد
ذلك تتولى كل شركة مهمة فتح أسواق بلدها لمنتج الشركة الأخرى وتسوق كل شركة
منتجات الشركة الأخرى في موطنها على أنه أحد منتجاتها مقابل نسبة مجزية من
صافي الأرباح المحققة ، وبهذا تجد هذه المنتجات سوقاً جديدة واعدة وتسلم
في نفس الوقت من الضرائب ومن الرسوم الجمركية حتى ولو كانت مخفضة .
أبدى عدد كبير من أعضاء الفريق الاستراتيجي ومن أعضاء مجلس الإدارة
ارتياحهم العميق لهذا الخيار ، وأكمل رئيس مجلس الإدارة هذه الفكرة بقوله :
ولعلنا إذا وفقنا في التعاون مع شركة مناسبة تماماً لأهدافنا بحيث نكون
مكملين لبعضنا البعض أن نتحد في شركة واحدة عملاقة ونحقق العالمية لشركتنا
خاصة أن بلادنا منضمة إلى منظمة التجارة العالمية ويحق لنا الاندماج مع أي
شركة بدولة أخرى ذات عضوية مادام هذا التعاون أو الاندماج في إطار بنود
المنظمة .
الزمن القادم زمن التكتل من أجل التنافس
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
من خلال الوصول إلى هذه الفكرة أظهرت الشركة العربية المتقدمة أنها فعلاً
تمتلك المرونة اللازمة للتأقلم مع متغيرات السوق العالمية الجديدة ، وسواء
أتم الاندماج مع الشركة التي تم الاتفاق على مواصفاتها الأساسية أم لم يتم
فلا خوف على الشركة العربية المتقدمة لأنها أظهرت قدراً كبيراً من المرونة
ودراسة واعية للحاضر والمستقبل بكل تغيراته المتسارعة ، فقد أبدت الشركة
استعدادها وقدرتها على تبني كثير من السيناريوهات الواقعية من انكماش وتوسع
واندماج كلي أو جزئي ، المهم أن هذه الشركة أدركت المتغيرات وأبدت قدرة
كبيرة على التعايش معها ، وهذا ما سوف يعزز مكانة هذه الشركة ويجعلها تقتحم
بعض الأسواق العالمية بكل ثقة وتطور منتجاتها ، وخاصة أنها منذ البداية
حرصت على تبني قيم الجودة والإنتاجية والوفاء بالالتزام والتحسين المستمر
والتطوير الدائم وهذه هي مقتضيات البقاء في الزمن القادم الذي هو زمن
التكتل من أجل المنافسة الأقوى وليس التشرذم أو التقوقع لأنها الخيارات
الأضعف .
القرار الاستراتيجي
[color:06b8="rgb(0, 100, 0)"]
بعد دراسة واسعة للسوق العالمية ومتابعة كبرى الشركات الطبية فيها , وجدت
الشركة العربية المتقدمة ضالتها في شركة هندية تسمى نفسها ( شركة المستقبل
الواعد ) وكانت هذه الشركة متخصصة في صناعة الأطراف الصناعية ومستلزمات
التحاليل الطبية ، ولها رغبة قوية في دخول السوق السعودية بل والخليجية ،
ورأت أن الشركة العربية المتقدمة تعتبر ممراً رائعاً تلج من خلاله إلى هذه
السوق الواعدة وخاصة فيما يتعلق بمستلزمات التحاليل الطبية ، كما أنها تسعى
أيضاً إلى تكامل المنتجات وإلى السمعة والمكانة الدولية من خلال الشراكة
الإيجابية الفعالة ، كما أن للشركتين نفس الروح المتطلعة الوثابة التي ترنو
إلى أسواق جديدة واندماجات أكبر مع شركات في الدول الصناعية الكبرى في
مستقبل الأيام .
خاتمة
حققت الشركة العربية المتقدمة
للأدوية والصناعات الطبية بغيتها وحفظت مكانتها وجميع خطوط إنتاجها كما
حصلت على سوق عالمية كبيرة متمثلة في السوق الهندية ، وكذلك حققت شركة
المستقبل الواعد لصناعة الأطراف الصناعية ومستلزمات التحاليل الطبية
أهدافها في دخول السوق الخليجية وكانت كل واحدة من الشركتين تسعى إلى
علاقات أشمل وأكبر .. الخ
أثر هذا الاندماج على سمعة الشركة العربية المتقدمة إيجابياً وأعطاها قفزة
نوعية ومكانة أعلى مما كانت ، فما كان من وزارة الصحة إلا أن جددت عقدها مع
الشركة ولكن لفترة خمس سنوات حيث إن حجم المتغيرات ، لم يعد يسمح
بالاتفاقيات بعيدة المدى ، وهكذا أثر هذا الاندماج إيجابياً على الشركة
فكسبت حصة أخرى من السوق المحلية إلى جانب فرصة واعدة في السوق العالمية ،
ولو أنها لجئت إلى سيناريو واستراتيجية الانكماش أو الإنزواء والتقوقع
لخسرت السوق المحلية والعالمية على حد سواء ، ومع حدوث هذا التوفيق الجميل
الناتج عن حسن التخطيط للمستقبل والاستفادة من التغيرات العالمية إلا أن
هذا كله لا يمنعنا من القول أن الظروف الحسنة والدعم الحكومي قد لعب دوراً
مؤثراً في دعم الشركة العربية المتقدمة ، وكانت غلطتها الكبيرة أن صورة
المستقبل لديها كانت ضبابية وغير واضحة المعالم ، وأن رؤيتها واستشرافها
للمستقبل بعد تأثير اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لم تكن كما يجب .
ويبقى السؤال الكبير والمهم : كم من الشركات العربية سوف يسعفها التوفيق في
الحصول على حليف مناسب ومكمل؟ وكم من الشركات يمكن أن تجد دعماً حكوميا
كبيراً؟
كما يبقى السؤال المهم الذي لم تجد الشركة العربية له إجابة حتى هذا اللحظة وهو :
ما هي الحلول التي قدمتها إزاء مشكلة حقوق الملكية الفكرية ؟؟؟
نتمنى من الله أن يوفق كل الشركات العربية إلى المسارعة في دراسة الوضع
الحالي والمستقبلي بكل آماله وآلامه , وأن يوفق قيادات هذه الشركات للصمود
واختيار البدائل الاستراتيجية المناسبة لكل مرحلة بما يحقق آمال الشعوب
العربية التي ملت من كونها شعوباً للدول النامية ( وللأسف فإن بعضها من
الشعوب غير النامية ) وكلنا أمل أن تتقدم نحو الصدارة