الاردن ينضم بالتدريج للنادي المتأهب للإشتباك مع بشار الأسد
2012-07-25
الحدود الاردنية السورية
|
عمان
ـ "القدس العربي" ـ من بسام البدارين: سقوط شظايا لقذائف سورية في محيط
قرى مدينة الرمثا الأردنية الاثنين لا يشكل دليلا يتيما على إستنشاق غبار
المعارك التي يخوضها الرئيس بشار الاسد في عمان فعليا بعدما بدأ يزكم أنوف
الأردنيين فلا حديث يشغل الأردن قيادة وشعبا أكثر من الملف السوري ولا
مخاوف تتقدم تلك المتعلقة بتداعيات الأزمة السورية على الوضع الداخلي
الأردني.
والأمر لم يقتصر على الشظايا فدوي الإنفجارات في محافظة درعا
السورية يتردد صداه في نحو سبع قرى أردنية متاخمة للحدود، ومواطنون أردنيون
يسجلون عبر هواتفهم طلعات سلاح الجو السوري فوق الحدود وعدد الطائرات
العسكرية التي تحتجزها عمان حسب مصادر خاصة وصل لسبع طائرات هرب أصحابها
وتوقفت دمشق عمليا عن المطالبة بها.
الأجواء متلبدة بغيوم غير معهودة بين البلدين وفي الوقت الذي تتهم فيه
وسائل إعلام الرئيس بشار الأسد بفتح الحدود للجهاديين الأردنيين إرتفع
الانذار الأمني الأردني إلى المستوى الأحمر بعدما تضاعف الحديث في أوساط
وصالونات عمان عن ثلاثة مستجدات حدودية وسياسية عدائية من الجانب السوري.
المستجدات الثلاثة حسب أوساط في القرار الأردني تتمثل في ظهور ما يمكن وصفه
برسائل "أمنية" ومخابراتية سورية داخل الأراضي الأردنية، وتجاهل سوري
نظامي لبروتوكول الإشتباك العسكري المعتاد أو المفترض على الحدود، وأخيرا
برمجة حملات إعلامية إتهامية يقول الأردنيون أنهم يعرفونها تماما لإنها
تسبق بالعادة إرسال "خلايا" لعمليات تخريب داخل الأراضي الأردنية.
لذلك يمكن القول وببساطة شديدة بأن الأجواء بين عمان ودمشق في غاية التوتر
هذه الأيام بعد التقارير الإسرائيلية والأمريكية التي تتحدث عن إجراءات
طوارىء عسكرية قصوى من الجانب الأردني في الحدود الشمالية إضافة لإنذارات
دفعت المؤسسات الأمنية الأردنية لتركيز كل جهدها وطاقتها في مناطق الشمال
التي بدأت تضيق بتزايد ملحوظ في أعداد اللاجئين.
الإعلام السوري وتحديدا عبر فضائية "دنيا" يتحدث بتكرار منهجي عن رعاية
أردنية محتملة للجهاديين الذين يسعون للقتال ويدخلون عبر الحدود ويتعامل
الإعلام الرسمي الأردني بحذر شديد مع الموقف ويتجنب الرد، فيما دلل مستوى
التوتر على نفسه بإعلان وكالة الأنباء السورية سانا عن مقتل خمسة "إرهابيين
أردنيين" حاولوا التسلل وأطلقوا النار قرب محافظة درعا وبينهم ثلاثة من
عائلة واحدة هي الزريقات مع شاب من عشيرة بني حميده وأخر من عشائر الزعبي
المناصرة بقوة للثورة السورية.
هؤلاء بالنسبة للحكومة الأردنية ليسوا متسللين وليسوا مجاهدين ووفقا لمسؤول
حكومي بدأت فرق عسكرية سورية متأثرة بالحملة الإعلامية الكاذبة لقناة
"دنيا" تعدم مواطنين أردنيين أبرياء وتعلن عنهم كإرهابيين سقطوا في عمليات
إشتباك، الأمر الذي تصادق عليه عمليا رواية عشيرة الجازي التي إتهمت
الإعلام السوري بالكذب بخصوص ظروف مقتل إبنها فارس محمد الجازي.
رسائل دمشق العدائية تجاوزت برأي المؤسسات الأردنية مثل هذه التصرفات فقط
أسقط الجيش السوري المرابط على طول الحدود قواعد البروتوكول المعتادة في
الحالات المماثلة حيث يطلق النار عشوائيا بقصد القتل على طول الشيك الفاصل
وبعض الذخائر تطلق فورا وراء الخط الدولي بإتجاه الأردن حسب الناشط معاد
رواشده الذي يراقب ما يجري بسبب إهتمامه بإيواء اللاجئين.
وقبل أسبوعين تم فعلا إطلاق النار على حافلة صغيرة تضم لاجئين سوريين بعد
تجاوزها الحاجز السوري بإتجاه الأردن وأصيب خمسة من ركاب الحافلة.
والأمر لذلك تطلب ردا إحتياطيا، الأمر الذي يفسر ترتيبات الطوارىء العسكرية
النظامية التي إتخذتها القوات المسلحة الأردنية لحماية الحدود وتأمين
مصالح المملكة الأردنية في إطار تواجد عسكري من المرجح أن له أهدافا سياسية
بإمتياز على رأسها محاولة منع تصدير الأزمات بسبب الإنفلات والتصدي لأي
محاولة لتهجير الفلسطينين في سورية جماعيا بإتجاه الأردن وإجراءات الوقاية
المعتادة بعد إنفجار عدة ذخائر ووصول عدة شظايا للأرض الأردنية بعد الحدود
الدولية.
وفي منطقة أعمق من الواضح ان الاردن أمنيا وحدوديا دخل في ترتيبات الخطة
المتفق عليها سابقا والتي شكلت مضمون رسالة مناورات الأسد المتأهب قبل عدة
أشهر وهي مناورات قالت "القدس العربي" في تقرير سابق لها أنها تدربت حصريا
على حماية وتأمين مخازن السلاح الكيمائي السوري إذا ما إنفلت الأمر وبدأ
نظام بشار الأسد يتهاوى.
ليس سرا أن الاردن مهتم جدا بهذا الموضوع مع واشنطن وتل أبيب وأنقره، وليس
سرا ان الأردن دخل فعلا في ترتيبات أمنية وعسكرية تحتاط على إحتمالات تسرب
غازات سامه إلى مواطنيه عبر الحدود مع سورية فقد عبر الملك عبدلله الثاني
شخصيا عن مخاوف علنية من هذا الموضوع والطراونه قال علنا بأن بلاده دخلت في
الإعتبارات الإستثنائية بسبب سورية.
لكن مخاوف الاردن تتعدى تجاوزات السوريين على صعيد بروتوكول الحدود البرية
فالخوف الأعظم يتعلق بإنتهاكات المجال الجوي أثناء ملاحقة مطلوبين أو فارين
من سورية حيث يتحدث الأردنيون عن منطقة إشتباك جوي حساسة ومعقدة بين
الأردن وسورية وإسرائيل.
وليس سرا أيضا أن عمان إكتشفت متأخرة فيما يبدو بأن التغاضي قبل ستة أشهر
عن محاولات فردية لنشطاء جهاديين من التيار السلفي تسللوا فعلا إلى سورية
إنتهى بوجود عشرات الاردنيين الجهاديين الذين يعززون تنظيم القاعدة أو نسخة
قتالية منه في الخاصرة الشمالية للمملكة.
وفقا لقائد التيار السلفي الجهادي في الأردن الشيخ أبو محمد الطحاوي تداعى
شباب الجهاد لنصرة الشعب السوري ووفقا لوكيله القانوني المحامي موسى
العبدللات فبين العاملين مع تنظيم لواء أهل الشام اليوم 60 أردنيا قرروا
القتال ضد الطاغية بشار الأسد.
تنامي قوة تنظيم القاعدة دفع السلطات الأردنية لإعادة النظر في سياسة
التخلص من بعض الجهاديين عبر السماح لهم بدخول الجنة عبر القتال في سورية.
لذلك حصلت مراجعة ـ يشرح العبدللات لـ"القدس العربي" ـ فكل من يخطط للجهاد
في سورية اليوم يلقى القبض عليه ويخضع لمحكمة أمن الدولة حتى وصل عدد
الموقوفين تحت هذا العنوان لـ 22 شخصا يقول العبدللات انهم موقوفون الآن
وبينهم مواطنين أمريكيين تتابع السفارة الأمريكية في عمان التحقيق معهم.
لكن هذه المساهمة الأردنية الجزئية البسيطة في التغاظي لعدة أسابيع عن تسلل
عشرات المجاهدين كلفت عمان تهمة سورية من الوزن الثقيل رددها الإعلام
السوري عدة مرات هي دعم الإرهاب في سورية رغم أن الأردن ينفي ذلك جملة
وتفصيلا بعدما إستذكر مجددا بأن قواعد الإشتباك مع تنظيم القاعدة تمنعه من
"تذخير" التنظيم بالموارد البشرية أو السماح بالأمر.. لذلك يؤكد العبدللات
بدأت السلطات تراقب المجاهدين وتسجنهم.
بالنسبة للسلفي الجهادي الأبرز في الاردن الشيخ أبو محمد الطحاوي سورية
اليوم ساحة جهاد ونصرة الشعب السوري واجبة ولا تغيير على قواعد اللعبة في
الساحة الاردنية والمطلوب من الحكومة السماح بالجهاد في الأماكن التي يقرر
المشايخ أنها تصلح للفتوى وسورية بينها وفقا لمضمون رسالة تلقتها "القدس
العربي" من الطحاوي عبر أحد الوسطاء.
الأهم ان الطحاوي واحد من أربعة منظرين للتيار الجهادي دعموا بقوة تشكيل
جبهة سميت بجبهة "نصرة أهل الشام" وهي جبهة يعتقد العبدللات كخبير في
الجهاديين بأنها النواة الصلبة لتنظيم لواء أهل الشام الذي ظهر ان رجاله
يسيطرون على الحدود السورية التركية المغلقة مؤخرا.
وتنظيم لواء "أهل الشام" عمليا هو النسخة السورية الجديدة من تنظيم القاعدة
الذي تقول مصادر أردنية ان تعداد رجاله وصل لنحو ستة الاف مقاتل وبين
هؤلاء آسيويين وخليجيين وحتى بعض الأوروبيين والكثير من الباكتسانيين
والتونسيين والجزائريين وتحديدا سعوديين كما يوضح العبدللات.
المثير في المسألة ان مشاركة شيخ السلفية الأردنية الطحاوي في تأسيس جبهة
نصرة "أهل الشام" إنتهت بجثث لأبناء عشائر أردنية يعرضها تلفزيون الحكومة
السورية على أساس أنهم إرهابيون وينعاهم الطحاوي ورفاقه في مدينة إربد
شمالي المملكة بإعتبارهم مجاهدين في الوقت الذي خلطتهم فيه السلطات السورية
بأردنيين إبرياء يتم قتلهم حتى يصل الأمر برمته إلى مستويات غير مسبوقة من
التعقيد بين البلدين.
العبدللات يتحدث عن 60 أردنيا جهاديا يعملون بكفاءة ضد بشار الأسد في سورية
ومصادر مستقلة تتحدث عن أكثر من 200 من رفاق الشيخ الطحاوي الذين تسللوا
عبر الأسلاك حيث يمكن هذه الأيام تهريب أي شخص وأي شيء عبر خبراء من أبناء
المنطقة كما يفصح عضو ا لبرلمان المهتم باللاجئين صالح مرجان.
والمثير أكثر في المسألة إن سلطات عمان تتحدث عن أردنيين مطلوبين يقيمون
بسورية وإرتكبوا جرائم في الأردن وبين هؤلاء كوادر قيادية في التيار السلفي
الجهادي.
بعض المناطق الجبلية الوعرة جدا لا تسمح بمراقبة أمنية منتجة بالإتجاهين
وهذه المناطق يعرفها خبراء التهريب من بدو شمال الأردن وجنوب سورية وهؤلاء
يزيدون بدروهم في تعقيد الأمور عبر محاولات محمومة لإستثمار الحرب في
الإتجاهين أو تهريب البشر او السلاح أو المخدرات أو البضائع حسب معايير
السوق والطلب.
وتقول مصادر سورية ان بعض الدول مثل قطر والسعودية تمكنت من إرسال ذخائر
وأسلحة وتحديدا مناظير ليلية للداخل عبر عناصر نشطة جدا في التهريب في تلك
القرى الوعرة من بدو الأردن وسورية حيث تدفع مبالغ مغرية جدا لتمرير وتسليم
كميات محدودة من المعدات.
وعبر قنوات سرية تماما طلبت عمان من دمشق التدخل لمنع المال القطري
والسعودي من التسلل والحركة عبر تلك المناطق الوعرة، فيما كان رد عمان على
الشكل التالي: إمنعوهم من جهتكم لو إستطعتم.
ويبلغ احد أبناء تلك المنطقة "القدس العربي" بأن التصدي للمهربين تحديدا في
تلك المنطقة مكلف جدا خصوصا من الناحية البشرية وينطوي على مجازفات وقد
يؤدي لصدامات مع عشائر وعائلات مسلحة في البلدين ترتزق منذ عقود على طرق
التهريب الوعرة المخصصة بالعادة للماشية.
لذلك قال رئيس الوزراء فايز الطراونة في أحد الإجتماعات الداخلية بعد
الإستماع لإيجازات أمنية: الوضع معقد جدا فعلا على حدودنا الشمالية.
مقربون من الطراونه قالوا بأن سورية جريحة وفي وضع لا يمكنها معه تفهم
الإعتبارات المعقدة حدوديا التي كانت تتفهمها في الماضي ولذلك لا بد من
الإحتياطات الاستثنائية أمنيا وعسكريا وسياسيا خصوصا بعدما تعاظمت قناعة
الأردنيين بأن بعض خلايا المخابرات السورية يشتم الناس رائحتها في شمالي
البلاد سواء عندما تعلق الأمر بمحاولة إغتيال رجل أعمال شهير يأوي اللاجئين
أو بمحاولة تسميم خزانات المياه أو قبل ذلك بمحاولة إرسال معدات طبية
مسممة وفاسدة عبر جهات غامضة على إعتبار أنها مساعدات للاجئين وفقا
لمعلومات حصلت عليها القدس العربي من إدارة مراقبة الغذاء والدواء.
وعليه بدأت فرق الإستخبارات الأمنية الأردنية تدقق حتى في شحنات المساعدات
بصرف النظر عن مصدرها خصوصا بعد الإشتباه بأن النظام السوري قد ينجح في
إرسال شحنات ضارة عبر عنوان اللاجئين من الخارج إذا ما توترت الأوضاع أمنيا
ولوجتسيا بين البلدين.
ومع إصرار السعودية حصريا على أن تتولى مباشرة توزيع مساعداتها للاجئين
السوريين في شمال الأردن تضاعف الإحساس السوري بأن السعودية تستغل الأمر
للتواجد والتغلغل بقوة في أوساط أكثر من 150 الف سوري لاجيء هربوا من جحيم
دمشق خلال عان ونصف فقط.
سياسيا لا يقل الموقف تعقيدا فبوضوح تعهد الرئيس الطراونه بإعادة إنتاج
القناعات السابقة عن موقف بلاده من تفاصيل الأزمة السورية وبدأ خلافا
للمعهود بالتحدث عن مجلس الأمن وحثه على التدخل ثم إنتقل لسيناريو إعلان
طواريء يحتفظ فيه ورقيا في جيبه ويطبقه عمليا على الأرض.
بعد ذلك أكثر الطراونه من إطلاق التصريحات التي تتحدث عن وضع إستثنائي
شمالي المملكة وعن تركيز حكومته الشديد على ما يجري في سورية وتأثيراته على
الأردن وهو تركيز إعلامي يمهد واقعيا لإي إستراتيجية "عدائية" يمكن أن
تتطور أردنيا مستقبلا لصالح الإلتحاق بنادي الإشتباك مع نظام الرئيس
السوري.
عمان لم تعد حيادية اليوم إعلاميا وسياسيا وحدوديا وإلى حدما مخابراتيا وهي
تمهد لشيء ما وتغادر ببطء وترقب وحذر منطقة "التوازن" في الموقف تجاه
الحكاية السورية.. بمعنى آخر تتزايد الدلائل والقرائن على أن عمان لم تعد
بموقفها وموقعها المألوف وهي "تنضم" بالتدريج ولديها أسباب قد تبدو مقنعة
ووجاهية للنادي المعادي لنظام الأسد والأهم الذي يخطط للإشتباك معه.