سوسية " ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
عدد الرسائل : 315
الموقع : ساحة الحرية تعاليق : احب الحياة لانها حرة ومستعدة ان استشهد من اجلها لانها الحرية تاريخ التسجيل : 05/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6
| | الاساطير المؤسسة للاصولية الاسلامية | |
[email=]قلم بهجت المصري [/email] |
الاساطير المؤسسة للاصولية الاسلامية
لأصولية الإسلامية هي حركة ثقافية و سياسية مضادة للحداثة و تسعى للمحافظة على الهوية الإسلامية كما تراها ،و تتخذ الأصولية موقفا عدائيا و كثيرا ما يكون تكفيريا من القيادات العلمانية التقليدية ، كذلك من الأفكار و القيم الواردة من الغرب ، و الأسلوب القياسي للأصولية هو الاستيلاء على السلطة في الدول الإسلامية و توظيف مؤسسات الدولة لتحقيق أهدافها . لم تظهر الأصولية الإسلامية فجأة ، فمن الناحية الاجتماعية قد لا تكون الأسباب مختلفة عن تلك التي حركت الفاشية الأوربية في وقت مبكر من القرن الـ 20 ، فقد شهد العالم الإسلامي اجتثاث أعداد كبيرة من السكان من قراها التقليدية أو حياتها القبلية خلال الجيل الماضي ، كانت النتيجة زيادة وتائر التمدين و نمو المدن العربية الفقيرة ، والنزوح المستمر من القرى إلى الريف ، مما خلق طبقة جديدة من المتعلمين المطحونين اقتصاديا و المضطربين ثقافيا ، تلك الشرائح أصبحت المخزون البشري للأصولية الإسلامية حيث تتعرض باستمرار لدعوات عاطفية تطالبها بالعودة إلى شكل آخر أكثر نقاء من الدين ، ولهذا الشكل الجديد من الأصولية الإسلامية جاذبية هائلة لأنه يزعم أنه يشرح فحوى خسارة القيم ، والارتباك الحضاري اللذين ولدتهما عملية التحديث ذاتها . ويتعلق السبب الأهم لانطلاق الأصولية الإسلامية في السنوات ال 30 الأخيرة إلى مسائل جذرية كالفقر والركود الاقتصادي والسياسات السلطوية في الشرق الأوسط ، فبدلا من التنمية أصبحت المجتمعات العربية كلها تقريبا مجتمعات تقوم على أصحاب الدخول الفاسدين الذين تحولوا مع مرور الوقت إلى متعصبين إسلاميين ، هذا الفشل في التنمية هو السبب الجذري في ركود العالم الإسلامي ، و يمكن النظر إلي الأصولية اجتماعيا كنوع محدد من الاستجابة للتحديات التي يفرضها الانتقال العنيف من المجتمع الريفي التقليدي إلى المجتمع المدني بأبنيته الاجتماعية و الاقتصادية الحديثة . هناك عوامل أخرى ساهمت في دعم الأصولية مثل السياسات الأمريكية المنحازة لإسرائيل و دعمها للحكام الطغاة و هزيمة يونيو/ حزيران 1967 و الغزو الأمريكي للعراق و نجاح الثورة الإيرانية . بالإضافة إلى الخصائص الجامعة للأصوليات ، هناك مجموعة من الخصائص البارزة للأصولية الإسلامية ، هي : خلط الشريعة و الفقه ، و القرآن بالسنة - الدمج الشامل للدولة بالدين و اعتبار الكيان السياسي تجسيدا للمعتقد الديني - اتخاذ موقف العداء للآخر خاصة الغرب العلماني . حتى خارج المجال السياسي يمكننا أن نرصد المؤشرات العديدة على نمو نفوذ الأصولية في العالمين العربي و الإسلامي خلال التنازلات التي حدثت في القانون و التعليم ليتمشى مع وجهات نظرهم - الملابس ( السروال و الحجاب و النقاب و الخمار ) – العلاقة بين الجنسين – حقوق المرأة - المظهر الخارجي ( اللحية – الجلباب - ... ) . تاريخيا نشأت الأصولية الإسلامية أساسا من الحركة السلفية التي تنادي بتنقية و إصلاح الإسلام بالعودة إلى الأصول أو الجذور ، و أشهر ممثلي هذه الحركة هم جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الشيخ حسن البنا في عام 1928 . شهدت فترة الحرب العالمية الثانية توسعا كبيرا في الحركة ، و نتيجة القوة المتنامية للحركة ازداد طموحها السياسي و بدأت تسعى للوصول للسلطة مهددة النظام السياسي التقليدي برمته ، كما أخذت الجماعة تؤسس فروعا لها في الدول الإسلامية الأخرى كحركة سياسية عالمية ، توترت العلاقات بعد ذلك بين الدولة و الإخوان مما أدى إلى حركة الاغتيالات المتبادلة التي أودت بحياة اثنين من رؤساء الوزارات في مصر ( أحمد ماهر و النقراشي ) ،و أيضا حياة مرشد الإخوان و مؤسس الحركة الشيخ حسن البنا نفسه ( 12/2/1949 ) . شهد عام 1954 بداية الصراع الدموي بين الإخوان و حكومة الضباط في مصر ، و الذي انتهي بملاحقة الجماعة و كبحها لمدة 20عاما متصلة ، كما اتخذت الدول العربية الأخرى مثل حكومات البعث نفس الموقف الإقصائي من الحركة . اتجهت أفكار الأصوليين بعد ذلك إلى مزيد من التطرف ، وإلى حد رفض المجتمعات الإسلامية القائمة ووصمها بالكفر ، كما جاء ذلك في كتابات سيد قطب و عبد السلام فرج و أيمن الظواهري و غيرهم كثير . تحت حكم أنور السادات حظيت حركة الإخوان في مصر بقدر كبير من السماح و بما يشبه الشرعية ،و بدلآ من أن يؤدي ذلك إلى تغلب الاعتدال على الحركة الأصولية ، حدث العكس تماما فتحولت الحركة الأصولية إلى التطرف العنيف و توطن الإرهاب الديني مصر ( بالإضافة و لأسباب متعددة توطن أيضا في غيرها مثل السعودية و العراق و الجزائر و .... ) ، و تجلى ذلك في اغتيال السادات نفسه بأيد هو الذي أطلقها !. في سوريا قامت جماعة الإخوان بتمرد مسلح ضد النظام البعثي الطائفي خلال الفترة من 1980-1982 ،و لكنه قمع بعنف في حماه عام 1982 ، و في السودان استولت الجبهة الإسلامية الوطنية على السلطة عام 1989 ، و بدأت في تطبيق نظاما أصوليا يستند على أحكام الشريعة الإسلامية .أما في الجزائر فقد شنت جبهة الخلاص الوطني الإسلامية حربا شعواء ضد الدولة بدءا من عام 1992 ، وهي الحرب التي بلغت خسائرها حوالي 150ألف قتيل !. في أفغانستان شكل الأصوليون العمود الفقري في معارضة الحكم الشيوعي الموالي للسوفيت ،و منذ خروج السوفيت نجح تنظيم أصولي متطرف ( طالبان ) في الاستيلاء على الحكم ،و تحويل أفغانستان إلى قاعدة أصولية إرهابية ،و البقية معروفة . في الأردن حقق الأصوليون نجاحا مرموقا في الانتخابات العامة ،و يمثلون جناحا هاما في البرلمانات الأردنية المتعاقبة منذ السبعينيات . أما في فلسطين فقد ظهر تنظيم إخواني مناهض للقيادات التقليدية هو ( حماس ) التي ترفض الحلول السلمية تحت شعار تحرير كل الأرض الإسلامية في فلسطين ، و قد وصلت الحركة إلى الحكم أخيرا . كان الأصوليون الشيعة هم العمود الفقري للثورة الإسلامية الإيرانية ( 1978-1979 ) و قد لعبوا دورا محوريا في صياغة نظام الجمهورية الإسلامية ، و لكن السلطة داخل الجمهورية يتقاسمها معهم أيضا القادة الشيعة التقليديون . تعتبر الحركة الوهابية التي قامت على دعائمها المملكة العربية السعودية النموذج الأهم للأصولية الإسلامية ، وتتميز الأصولية السعودية بعدة خصائص أهمها أنها بدأت حركة محافظة مستأنسة و موالية للغرب و أيضا بكونها تركز على الشكليات ،و لكن هذه الحركة تحولت للعنف منذ حقبة التسعينات ، مشكلة مع حركة الإخوان ما يعرف بالمركب الإخواني – الوهابي الذي يمكن تصنيفه بسهوله على أنه أصولية فاشية . يعود صعود الأصولية الإسلامية أساسا إلى المملكة العربية السعودية فثروات الدولة السعودية اختلطت بالحركة السلفية الوهابية منذ سنوات عديدة عندما سعت الأولى للحصول على الشرعية من رجال الدين عن طريق ترويج الوهابية ، قدمت السعودية استثمارات جديدة هائلة لترويج الفكر الوهابي في الثمانينات والتسعينات ، ولم يروج الوهابيون عقائدهم في الشرق الأوسط فحسب بل في الولايات المتحدة و أوروبا أيضا حيث أنفقوا مئات ملايين الدولارات على بناء المدارس والمساجد لنشر نموذجهم الخاص عن الإسلام، وقد سمحت كل هذه الأموال القادمة من الخليج لأسامة بن لادن وأتباعه فعليا بشراء بلد هو أفغانستان لأنفسهم ، واستخدامه كقاعدة لتدريب جيل كامل من الإرهابيين العرب
من أعمق ما قرأت عن آليات تزييف الوعي عبارة باولو فرير " إن تضليل عقول البشر هو نوع من القهر" ، فهذا التضليل بالفعل هو الأداة الرئيسية التي تلجأ إليها المذاهب الشمولية لتطويع الجماهير من أجل خدمة أهدافها ،و لتحقيق تلك الغاية الشريرة تلجأ الشموليات على اختلافها من دينية و قومية و ماركسية إلى صنع الأساطير و تسويقها و الإلحاح بها على الجماهير لتفسير حقائق العالم من وجهة نظر أحادية و من ثم تبرير الطغيان و تغييب الحريات الثقافية و السياسية كضرورة للحفاظ على نقاء العقيدة و منع المرجفين من العبث بها ، إن التلاعب بعقول الجماهير ليس بالضرورة فنا كئيبا كما نعتقد بل كثيرا ما يجري في جو احتفالي خلاب مفعم بالعواطف الجياشة ! ، الأهم في كل الحالات أنه عندما يؤدي التضليل الإعلامي دوره بنجاح تنتفي الحاجة إلى استخدام أدوات القهر المادي ،إن هذا التضليل يدفع الجماهير التي تصبح مسلوبة الإرادة إلى العمل ضد مصالحها المؤكدة ،و إلى التدافع أمام صناديق الانتخابات والتصويت لصالح بائعي الوهم و مزيفي الوعي . كغيرهم من الشموليين و كمتلازمة تاريخية يقوم منتجو النموذج الإسلامي الأصولي بوضع أسس محكمة لتداول الصور و المعلومات كما يشرفون على معالجتها و تطويرها ، تلك الصور و المعلومات هي التي تحدد معتقدات و مواقف الجماهير المستهدفة ،و في النهاية تحدد سلوكها السياسي و الاجتماعي . إن هؤلاء المضللون و مقاولو الضمائر يعمدون إلى طرح أفكار و توجهات تتعارض مع حقائق الوجود المادي ، وهم في ذلك ينتجون وعيا زائفا خلال الأفكار المخادعة و المموهة التي لا تستطيع أن تستوعب معطيات الحياة الاجتماعية بل تتعمد تزيفها و إنكارها من أجل خدمة رؤاهم الحفرية و مصالحهم الشخصية . إن التضليل الإعلامي هو الأداة الأساسية للهيمنة الأصولية ، هذه الأصولية تجيد التمويه و الخداع و تمتلك خبرة تاريخية عريضة ، إن خيوط السيطرة العقائدية دقيقة للغاية حتى أنها كثيرا ما تكون غير مرئية خاصة لعيون الطبقة المتوسطة الصغرى المصابة بقصر النظر المزمن ،و لا تبدوا خطورة تلك الخيوط سوى في فترات التصادم الدموية مع معطيات الواقع المحلي و الدولي . هذه الحقيقة ستبدو أكثر وضوحا إذا تأملنا ملكية مجموعة من المؤسسات الخليجية التي تدين بالفكر الوهابي الأصولي لأهم مكونات الجهاز الإعلامي العربي ، وهذا يتيح للفكر الأصولي إدارة و توجيه المعلومات بما يلائم أهدافه الخاصة ،و النتيجة الطبيعية أن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض ،و تشكل الوعي العام بما هو قائم ، أصبحت في الوقت الحالي منتجا يتم تصنيعه في الفضائيات و المواقع الإليكترونية و شرائط الكاسيت و خطب المنابر المرتجلة و الندوات العصبية بينما يمول ذلك كله أكثر العقليات جهلا و نفاقا و مفارقة للحضارة ، لذلك ينتشر حولنا الوعي الزائف و التضليل الوقح في كل مكان ، و هناك تقدير معتدل يشير أن 10-15 % من المسلمين أصوليون متعصبون ، هذه النسبة ستبدو كارثية لو علمنا أنها مركزة في المجموعات النشطة سياسيا . إن الهيكل الثابت للمجتمع الأصولي يتفرع إلى قسمين محددين هما النخب السياسية و الاقتصادية المتحالفة مع رجال الدين و هو القسم الذي يصدر الأوامر و ينعم بالخيرات و يشكل الحياة الاجتماعية ، و القسم الثاني هي الجماهير الممتثلة الفقيرة و التي تقتات بالأساطير و تتغذى على الوهم انتظارا للنعيم في عالم آخر ، لهذا فمن الطبيعي أن يتمحور الأداء الوظيفي الطبيعي للأصولية الإسلامية حول صناعة الأساطير و تقديسها ، هذه الجهود تؤدي إلى القبول العام بالأصولية كنموذج وحيد صحيح للإسلام و اعتبار كل ما عداها مجرد مروق من العقيدة و بهتان و إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة ، و هذا الإنكار هو جريمة أصولية تعادل الكفر بالله و عقابها هو القتل و استلاب الأموال و انتهاك الأعراض باسم الله و صحيح الدين !. إن وسائل الخداع و التضليل متنوعة و لكنها تتركز حول الأساطير ،و هناك مجموعة متنوعة من الأساطير التي تم إنتاجها خلال عملية تزييف و خداع تاريخية ملحة بهدف تغذية الفكر الأصولي ، إن هذه الأساطير هي دائمة التوالد لأساطير فرعية متعددة بلا نهاية ، و أهم هذه الأساطير من وجهة نظري هي :
1- أسطورة الحقيقة : الحقيقة المطلقة و التفسير المركزي . 2- أسطورة الدولة : الدولة الدينية . 3- أسطورة الشريعة : العدالة و مرجعية الشريعة الإسلامية . 4- أسطورة الأميرة : حقوق المرأة في الإسلام . 5- أسطورة الإجماع : المرجعية و صحيح الدين . 6- أسطورة اليوتوبيا : اليوتوبيا و تهميش التاريخ . 7- أسطورة الأزل : الطبيعة الإنسانية الثابتة و غياب الصراع الاجتماعي . 8- أسطورة الإعجاز : الإعجاز العلمي للقرآن . 9- أسطورة المؤامرة : المؤامرة العالمية ضد الإسلام .
الأصولية بالتعريف هي تراث في مواجهة الحداثة ، و جمودية في مواجهة العقلانية ، أي أن الأصولية هي نقيض العلمانية ، إن المكونات الأساسية للأصولية ( أي أصولية ) هي العودة للماضي و الانتساب للتراث و المحافظة عليه ، معارضة التطور و النمو ، الانغلاق و التصلب ، و التحجر المذهبي . تفترض الأصولية وجود حقيقة مطلقة سرمدية إلهية المصدر و أنها تفسر كل شيء ، كما يعتقد الأصوليون أنهم يحتكرون تلك الحقيقية المطلقة ، هكذا فمن الطبيعي أن تكون علاقة الأصولية بالنص هي علاقة تقديسية محورها اعتماد النص كمرجعية وحيدة و تلك العلاقة هي علاقة تعريفية ، أما كون الأصولي يتعامل مع هذا النص بآلية تجرد النص من مضمونه التاريخي ، و تحيله إلى صياغات مطلقة ، ثم توظفه لمصلحة المؤسسة الدينية السياسية ، فذلك أيضا حتمي لأن النص المقدس لا يتحدث بنفسه ،و لكن خلال مؤسسة رجال الدين الذين يحتكرون التعبير عن النص المقدس و يجيرونه لخطابهم العام الذي يتحول بدوره إلى دين . طبقا للأصولية الدينية كما نراها ماثلة أمامنا فإن ادِّعاء امتلاك الحقيقة هو ادِّعاء كلِّي، فرؤيتهم للمطلق مهما كان فجا و سطحيا هو الحق المطلق و رؤية غيرهم مهما كان ساميا مجرد ضلال ، هذا المفهوم ذو نتائج إقصائية. ومن شأنه أن تفرض الأصولية تصورها بوسائل العنف السياسي ، فالتشريعات الدينية لا تستوعب أصحاب العقائد الأخرى أو المخالفين ولا تمنحهم نفس الحقوق ، كما أنه لو كانت السياسة ترتكز على شيء كالدين ، فلن يكون هناك سلام اجتماعي لأن الناس لا يستطيعون الاتفاق على القيم الدينية الأساسية و لكنهم إذا تخطوا الدين يمكنهم الاتفاق و تبادل المصالح ، فالخلافات الدينية مقياسها الإيمان والكفر ،و تلك مقاييس نصية مصمتة لا تتغير ، بينما الخلافات السياسية مقياسها الصواب و الخطأ و تلك مقاييس وضعية مرنة و مساومة . في عالم اليوم لا يمكن لأحد أن يمارس الوجود الإنساني في معزل عن إطار المجتمع العالمي الذي يجب فيه على الجميع أن يتفقوا- شاءوا أم أبوا- على معايير العيش المشترك، بصرف النظر عن موروثاتهم الحضارية المختلفة، بل لا يمكن تفادي التعددية أيضا فيما يختص بالنظرة إلى العالم حتى في داخل المجتمعات التي ما زالت تهيمن عليها موروثات ثقافية قوية مثل المجتمعات الإسلامية ، ليس هذا فقط فحتى في المجتمعات المنسجمة حضارياً انسجاماً نسبياً لم يعد ثمة مفرٌّ من إعادة قراءة الموروثات العقائدية السائدة التي تنادي بإقصاء الآخر في ضوء ثقافة معاصرة ترى استحالة هذا الإقصاء . لم يعد العالم يقبل بمثل الأصوليات الإسلامية المنغلقة ، فحتى بين عقلاء الأصوليين يجب أن ينمو وعي متزايد بضرورة أن تتوافق "الحقائق" الدينية الخاصة مع العلم غير الديني المعترف به من الجميع . الآن أصبح واضحا لكافة العقلاء أن الرؤيا الليبرالية للتاريخ هي التي صنعت الحضارة وليست الرؤيا الأصولية التي تنظر باستمرار إلى الوراء لا إلى الأمام، أن قيم العلمانية الغربية ليست نتاجا حضاريا مترفا للمسيحية الغربية ، لكنها تجسد مسارا عالميا أشمل و حلا عبقريا للحروب الدينية ، إن الليبرالية صنعت الحضارة التي ننعم بها جميعا - بما في ذلك الأصوليين - من خلال الصراع الدامي والشرس مع الرؤيا الأصولية التي كانت تعرقلها وتضع العصي في دواليبها في كل مرحلة بل و في كل خطوة. لذلك نقول بأن كل تاريخ الحداثة، يلخصه هذا الصراع بين الرؤيا الأصولية والرؤيا الليبرالية أو العقلانية التنويرية للتاريخ. ( الإسلام هو الحل .. الإسلام دين ودولة .. مصحف و سيف ) مقال محوري في الخطاب الأصولي ، بما يوحي لا شعوريا بوجود نظام سياسي مقدس موحى به من السماء ، و لست أعرف خرافة أشد زيفا أو تدميرا للوعي . رغم ذلك فهذه الأسطورة شديدة البريق و الشيوع ومن النادر أن يوجد إسلامي لا يعتقد في صحتها ، حتى بين أكثرهم انفتاحا مثل خالد محمد خالد الذي ألف في صدر حياته كتابا بعنوان ( الديمقراطية .. أبدا ) نجده يتراجع عن أفكاره في خريف عمره داعيا إلى دولة إسلامية مؤكدا أنها لن تكون الدولة الدينية التي عانى منها الجميع ، كأنما الإسلام ليس دينا و لكنه مذهب سياسي !.* حسنا.. هناك سؤال محوري يتوقف عليه الأمر كله ، و هو : إذا كان الإسلام هو الحل السياسي لمشاكلنا المعاصرة فهل هناك بالفعل نظام إسلامي للحكم محدد و متفق عليه ، وهل طبق هذا النظام من قبل كي نرى نجاحه فنكرر تطبيقه. ثم إن طبق فلماذا انتهت دولته؟ ، وإن لم يطبق فلماذا لم يطبق إلى الآن وقد مرت عليه 1400 عام؟ وفي حال كان جوابنا بنعم على هذا السؤال ، فهل يمكن لما لم يطبق خلال كل هذه المدة أن يطبق في المستقبل؟ . الإجابة هي لا كبيرة بحجم التاريخ البشري كله ، إن الإسلام في جوهره هو دين كتابي يتشابه في نسقه الأخلاقي مع اليهودية و المسيحية ،وهو مثلهما يتسع لتعددية سياسية بقدر اتساع و تنوع التجربة البشرية ، و لا يمكن بالتالي حصره داخل نظام سياسي واحد ،و إلا لانتهى الدين بانتهاء هذا النظام السياسي ، وهو النظام الذي لا بد أن يمر بمراحل النشوء والنمو و السقوط ، مثل أي نظام سياسي آخر ، و لا أعتقد أن أحدا يتصور تجميد التاريخ أو تعليبه إلى الأبد ، بل هذا التصور الجامد للتاريخ يناقض سنة التطور وهي قانون الكون الأول . إن نظام الحكم بمفهومه و إطاره المعاصر لم يُعرف في التاريخ الإسلامي كله ، فنظام الحكم في صدر الإسلام كان بسيطا و بدائيا ولا يتصوره عاقل غير ذلك ، فلم يعرف النبي ولا الصحابة شيئا مثل التمثيل النيابي أو التصويت أو انتخابات دستورية أو قواعد منظمة أو مؤسسات وظيفية ، فهل نظم الحكم الحديثة تخلو من كل ذلك ؟ .حتى الشورى و هي أقرب ما في التراث للنظم السياسية الحديثة كانت غير ملزمة و محصورة في أهل الحل و العقد - أي الأرستقراطية الدينية ثم القبلية و الأسرية بعد ذلك - وهي في أفضل الحالات مجرد تذاكر و استئناس بالرأي ، كما كان يحدث في مجالس العمد في القرى ، لم يحكم النبي المدينة إذا خلال أدوات الحكم المعتادة ،و لكنه سيطر على اتباعه بهيبته و جاذبيته الشخصية الآسرة و نفوذه الديني و المعنوي وأيضا بحنكته السياسية و خلقه القويم و محبة أتباعه له ،و تلك كلها سمات شخصية يمكن أن يتعلم منها الحاكم و المحكوم على السواء ،و لكنها ليست نظاما للحكم بالمعنى العلمي . يطلق فقهيا على ولاية الحكم ( الخلافة ) الإمامة الكبرى تميزا لها عن إمامة الصلاة و التي هي الإمامة الصغرى ، و لكن ما يثير التعجب أن ينظم الفقه إمامة الصلاة لأدق التفاصيل بينما يترك تداول السلطة بلا تنظيم ، تولى أبو بكر الخلافة عن طريق مساومة سياسية و الرواية التي خلفها الصحابة لاجتماع السقيفة تتحدث عن اجتماع سياسي دون أي بعد ديني !، ولو كان نظام الحكم جزءا من الدين أما كان الطبيعي و المنطقي أن يحتج المسلمون بنصوص دينية عندما يتناقشون يوم السقيفة فيمن يؤول له الحكم ، و أن الحجة ستكون قرأنا و حديثا مثل باقي عناصر الدين ، هل من الطبيعي أن يناقش المسلمون دينا على أساس الرأي فقط ؟.لقد فهم المسلمون يومها ما نعرفه الآن أن الإسلام دين لا علاقة له بالحكم ، و أنهم مارسوا الحكم كما كانوا يمارسونه قبل النبي خلال الملأ من قريش ، الذي انضم إليهم الملأ من بني قيلة . تولى عمر بوصية أبي بكر ، و تولى عثمان الحكم بالاختيار بين الصفوة الدينية التي حددها عمر ( أولجاريكية ) ،أما علي فتولى الحكم بالبيعة المباشرة من أهل المدينة فقط ، و تحت تهديد سيوف المتمردين قتلة عثمان . و أخيرا جاء معاوية بحد السيف عقب حرب أهلية شاملة ، ليقيم ملكا كسرويا عضودا ، و كان هذا التنوع لآلية الخلافة طبيعيا تماما لكون الإسلام دينا ،و ليس نظاما سياسيا .و هذا أيضا يفسر خلو الفقه الإسلامي من أمور الحكم إلا في أقل القليل . أما عن نظام الحكم في عهد الصحابة فهو بالمقاييس السياسية نوع من الفوضى . فماذا تقول في نظام سياسي لم يصمد سوى سويعات قليلة بعد وفاة مؤسسه النبي عام 632 م ثم بدأ في التفكك فأعلن العرب منعهم للزكاة و أظهروا الكفر و النفاق حتى أن غطفان أزمعت الإغارة على المدينة و نهبها و شرعت القبائل البعيدة في قتل من بقى على إسلامه فأقسم أبو بكر ليثأرن للمسلمين و ليبلغن في الثأر ، و هكذا لجأ الخليفة الأول -منفردا برأيه رغم معارضة كبار الصحابة - إلى إعادة وحدة المسلمين و لكن هذه المرة بقوة السلاح ، ولم يلجمه في ذلك حرج من إراقة دماء المسلمين لأهداف سياسية مطعون في حجيتها الشرعية ، و كانت النتيجة أنه استبدل القهر العسكري بالرابطة الروحية و الدولة السياسية بالجماعة الدينية ، لم تمر سوى سنوات معدودة منذ انتهاء الحرب الأهلية الأولى في الإسلام و التي عرفت بحروب الردة حتى تفجرت أحداث الفتنة كبرى التي شملت عهدي عثمان و علي ، و أدت تلك الفتنة إلى حروب أهلية واسعة كما أدت إلى مقتل عثمان في دار الخلافة عام 656 م بواسطة مسلمين متمردين ، اقتحم هؤلاء المتمردون المدينة عاصمة الدولة يروعون سكانها و فيهم من بقي من الصحابة ، ولم يكتفوا بقتل الخليفة و لكنهم منعوا دفنه فدفن في مقابر اليهود ،و أما علي فأمضى سنوات خلافته الخمس في قتال المسلمين الخارجين عليه ، فقاتل الناكثين من أهل البصرة بقيادة طلحة و الزبير و عائشة في موقعة الجمل و قاتل القاسطين من أهل الشام بقيادة معاوية في صفين بأعلى الفرات و قاتل الخوارج في أكثر من واقعة لعل أشهرها النهروان ، كما أن ثلاثة من الخلفاء الأربع قتلوا وهم في الحكم ، ومما يدعوا للتأمل أن الدولة الإسلامية كانت في طريقها للفناء المبكر لولا أن أعاد معاوية بن أبي سفيان تأسيسها من جديد خلال فترة حكمه الحاسمة من 661إلى 680 م على قواعد من الملكية الوراثية الاستبدادية الشبيهة بالدولة البيزنطية و الإمبراطورية الفارسية ، أي أنه أنقذ الدولة الإسلامية بتبني نظم الحكم في المجتمعات الأكثر رقيا و حضارة غير عابئ أنها لم تكن إسلامية بل وثنية المنشأ . رغم ما يأخذه الفقهاء و الشيعة خاصة أن الخلافة في البيت الأموي كانت لأهداف دنيوية تحكمها المصالح الشخصية و تنتقل بالوراثة مما يحيل البيعة إلى مجرد إجراء شكلي، كانت الدولة الأموية إنجازا سياسيا فريدا حافظت على وحدة المسلمين و أكملت توسع العالم الإسلامي ،ووصلت بحدوده من السند شرقا حتى جبال البرانس غربا .يمكننا اليوم أن نفهم تاريخ الدولة الإسلامية بشكل أفضل وفقا للمعايير السياسية و السوسيولوجية ،و لكن هذا التاريخ لا يصمد للمعايير الدينية حتى المتساهل الرخو منها . لو نظرنا إلى عالمنا المعاصر لوجدنا عدد قليل من الدول تُحكم بنظم تدعي أنها إسلامية ، و لكننا نجدها مختلفة و متنوعة للغاية ، و لا يربطها شيء سوى الانغلاق و عدم القدرة على التكيف مثل الديناصورات المنقرضة ، فهناك حكم طالبان الشهير ، وهو الذي كان يراه إخوان مصر و حلفاؤهم من الجماعات الإرهابية النموذج القدوة ، و كان هناك السودان برؤوسه المتعددة التي تؤكد كل منها أنها هي الإسلام الذي لا مراء فيه ،و الآخر خارج عن الحنيفة ، لدينا أيضا إيران بنظامها المضطرب و المتأرجح بين ديمقراطية القرن 21 و مرجعية القرن العاشر ، ثم السعودية بنظامها المذهبي الخاص ، حتى السادات أعلن نفسه خامس الخلفاء الراشدين. كل من هذه النظم المتنافرة ترى نفسها و يراها مريدوها ، النظام الإسلامي الأمثل و الأوحد رغم أنه لا يجمعها شيء سوى تكفير المخالف . أما على المستوى الفكري فلا يوجد حتى الآن مشروع إسلامي مكتمل للحكم من أي نوع . و جميع الأفكار المطروحة حاليا من أحزاب و مرجعيات دينية للحكم الإسلامي ( الوهابية أو الإخوان أو الحوزة العلمية في قم مثلا ) ، هي أفكار بدائية رجعية لا علاقة لها بهذا العصر و هي بالقطع أفكار كارثية لو طبقت . أما اجتهادات المودودي و الندوي و الألباني .... الخ فهي مجرد دروشة لا تلزمنا في شيء ، وعلى من يرى غير رأينا أن يعد منها برنامجا سياسيا محددا لو استطاع ، هذا البرنامج لابد أن يجيب عن الأسئلة التي تطرحه نظم الحكم المعاصرة و هي على سبيل المثال : السيادة لمن ؟- مصدر السلطات و ما هي - اختيار الحاكم و سلطاته – الحكومة و طبيعتها – العضوية في الجماعة الدولية العلمانية – الحرب و السلام – النظام الاقتصادي – المواطنة حتى في الدول العلمانية و واجباتها – العولمة- التعليم المدني –حقوق المرأة و مساواتها بالرجل - انتخاب وولاية المرأة - حقوق المواطنة لغير المسلمين – حرية الضمير –- الفائدة – القيمة المتناقصة للعملة – فائض القيمة - ... الخ . إن بعض ممن يتصدرون لقيادة الأصولية الإسلامية أمثال القرضاوي و محمد قطب و جمال البنا و محمد عمارة و فهمي هويدي ... يعيدون إنتاج القيم الليبرالية بخطاب إسلامي لا أكثر ،و عليهم أن يوضحوا لنا إذا كانا ما يقولونه هو الإسلام حقا فكيف لم يتوصل له الفقهاء بشكل مستقل خلال أكثر من 1400 عام ، و لماذا فقط لم يكتشف أحد هذا الإسلام المجهول من الجميع إلا بعد أن طور الغرب المنهج الديمقراطي الليبرالي في نظم الحكم ، إن ما يتحدث عنه الفقهاء المحدثون ليس نظاما للحكم إسلامي و لكن مجرد مجموعة من الاجتهادات الخلافية حول الشروط التي يجب أن يلبيها نظام الحكم كي يوافق المعايير الإسلامية ،و لكن هذه المعايير التي يذكرونها تناقض النظم السياسية المعاصرة في جوهرها .أي أنهم يقولون لنا اختاروا ما تشاءون من النظم شريطة ألا تكون نظما عصرية فعالة ، أمامكم الخيار واسع بين الخلافة العباسية و الإمارة الطالبانية !. بعض دعاة الدولة الدينية يحاجوننا بقصور الدول القومية و المدنية العلمانية و غيرهما ، و يرونها مشروعات فاشلة مثلها في ذلك مثل الدولة الدينية ( بالطبع هو فشل نسبي تماما ) !. و لكننا لم ندع أن هذه النظم إلهية غير قابلة للتبدل ولا يصيبها الباطل ، بل هي تجارب بشرية قابلة للتطوير بالضرورة ، أما إذا كانوا يرون نظام الحكم الإسلامي مجرد نظام بشري ليس توقيفيا و لكنه قابل للاجتهاد فهذا تحديدا ما نراه !، و بهذا يكون نظام الحكم الإسلامي لا علاقة له بالدين بل هو كل نظم الحكم للمسلمين . لا يحق لنا أن نفرض حظرا على أي فكر سياسي ذي مرجعية دينية و لكن هناك ضرورة لتحديد المعايير المرجعية التي تقودنا في تقييم أنظمة الحكم ، هل هي ما استقر عليه الفقه الإسلامي لمذهب معين أم هي ميثاق الأمم المتحدة و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المواثيق الدولية . هذا الأمر لا بد أن يحسم لصالح تفاضل القانون الدولي على القانون المحلي مهما كان درجة الاعتقاد في الأخير ، بمعنى لو استقر القانون الدولي على حظر العقوبات الجسدية ( الحدود ) يجب التوقف عن تلك العقوبات حتى لو وردت في نصوص دينية و هكذا . لا يمكن من جانب آخر أن نفرض عقيدة الأغلبية أو مفاهيمها الدينية على الأقليات الدينية ، و يجب أن نفهم و بلا أي تحفظات أن المواطنة هي أساس الانتماء في الدولة الحديثة و ليس العرق أو الدين أو الجنس أو اللون . * وقفة فرعية .. لا أريد أن أغادر هذه الواقعة دون أن أشير إلى أن الردة الأصولية هي متلازمة مصرية ، فأغلب الرموز التنويرية المسلمة ترتد في مرحلة متقدمة من عمرها إلى الفكر الديني المحافظ ، وهناك أمثلة كافية في علي عبد الرازق و طه حسين و زكي نجيب محمود و عباس العقاد و خالد محمد خالد و مصطفى محمود و سيد القمني أما سيد قطب فقد انقلب من التحرر الفكري مباشرة ليكون رمزا شامخا للفنون التكفيرية ، هذه الحقيقة تدفعنا لقراءة جديدة لفرج فوده ليس فقط كرمز تنويري يتشابه من غيره من الرموز و لكن كرمز يتفرد كونه مصري غير منتكس !. نادي الفكر العربي |
|
| |
|