حد السرقة، كنموذج على معضلة
الشريعة
حد
السرقة كنموذج لإحكام الشريعة / الفقه يتيح
لنا دراسة حالة محددة ( case study ) لنرى كيف يمكن
تطبيق حد هام و شائع .
1- هذا الحد ليس ابتكارا إسلاميا ، ولكنه
تطبيق لعرف بدائي مارسته الجزيرة منذ عهود
سحيقة ، تأكيدا على بدائية في فهم فلسفة
العقوبة ودورها ،و أيضا تعبيرا عن بيئة قفر
بائسة و شعب مهمل خامل ، يعيش حياة عقلية
متخلفة بقرون طويلة حتى عن المجتمعات
المعاصرة له ، وجاء الإسلام فوافق هذا العرف
كدأبه مع كل نظام اجتماعي آخر كان سائدا ،ولا
يتصادم مباشرة مع مبدأ التوحيد .
2- مع تغير البيئة و تطور الإنسان العربي
نتيجة الاتصال بالحضارة السائدة ، و عقب
وفاة الرسول مباشرة بدأت محاولة تجاوز النص
وتطويعه للحياة، فنجد الخلفاء يتحايلون عن
تطبيق الحد بتلقين السارق و دعوته للإنكار .
ثم بدأ الفقهاء في التماس سبل التهرب من
تطبيق حد السرقة بما يعرف بقيود و ضوابط
التطبيق ،و كلها منتج ثقافي بشري لا علاقة له
بنص ، رغم أن هذا المنتج يسوق حاليا كمعلوم
من الدين بالضرورة و منكره كافر !.ومع مضي
الوقت تعددت تلك الشروط و القيود ،ولا هدف
لها غير التهرب من تطبيق نص وجدوه في القرآن
مرسلا بلا قيد ،ولكنهم اقتنعوا بأنه لم يعد
صالحا لزمانهم فالتفوا حوله ، ومن هذه
القيود ( لاحظ أنها جميعا من إعمال الفكر لا
غير ) .
لا قطع في
ما سرق من حرز – في الاختلاس الظاهر – في
سرقة ثمرا معلقا – على خائن أؤتمن على وديعة
فنهبها –في سرقة المال العام لشبهة الملكية
– على من سرق من مغنم –من سرق من حمام أو
مسجد أو قبر – سارق الشجر و البقول – سارق
الموالح و التوابل - في الدجاج و الأوز و البط
وربما الديك الرومي ! – سارق خمرا أو خنزيرا
أو ميتة - سارق المزمار و العود و أدوات اللهو
– من سرق مصحفا ولو كان مذهبا –سارق الكتب
العلمية – سارق الصليب أو الوثن – سرق طفلا
حرا لأنه ليس بمال –سارق أواني الذهب و
الفضة لأنها حرام – لا قطع في الضرورة –
سارق ابنه أو أبيه – سارق المحارم – السارق
أول مرة – سارق التافه من المال و بما يقل عن
ربع دينار – سارق سيده أو سارق عبده – الضيف
من مضيفه – المقر بالسرقة ثم أنكر – التائب
قبل الإمساك به – وقت الحر الشديد أو البرد
الشديد –
3- اختلف الفقهاء في كل شيء من تعريف السرقة
ومقدارها الحدي وما الموقف من غلاء الأسعار (
التضخم ) ، و اختلفوا حول اليد إن قطعت فمن
أين و كيف ... الخ ،وهل يسقط الحد بالتوبة أو
لا يسقط !؟.كل ذلك يوحي بالرغبة في تجنب إعمال
الحد ، ولهذا نجد أنه سرعان ما امتنع الولاة
و القضاة في جل الأقطار الإسلامية عن الحكم
بقطع يد السارق و الاستعاضة عنها بالتعزير ،
كما لم يطبق هذا الحد على أحد من المشاهير و
السادة ،و اقتصر تطبيقه على من لا يعرف كيف
يصون كفه !.بل نجد أن عليا بن أبي طالب لم يسع
لتطبيق هذا الحد على عبد الله بن العباس
عندما اغتصب خراج البصرة و فر به إلى المدينة
، بل اقتصر على مطالبته بالمال فقط ، أيضا لم
يطبق أحد من الخلفاء هذا الحد على معارض له
سواء كان علويا أو أمويا أو عباسيا و اكتفى
بقطع رأس ذلك المعارض دون كفه !.
4- يحاول البعض من المجتهدين المعاصرين مثل
الفقيه الدستوري عبد العزيز فهمي باشا و
منتهجي سبيله من أمثال المهندس شحرور وغيره
، قراءة جديدة للنص ترى أن قطع يد السارق
كناية على توفير الحياة الكريمة له بما يجعل
السرقة لا ضرورة لها ، ومن جانب آخر يحاول
بعض الدعاة مثل القرضاوي و غيره من رجال
الدين السياسي أن يروج لفكرة أن الحدود لن
تطبق قبل تحقيق المجتمع المسلم الحقيقي الذي
يقودونه و يوفرون فيه الكفاية و العدل !. وكل
ذلك تجميل للدين بما ليس فيه و مراوغة مكشوفة
أراها غير كريمة ،و أفضل في هذا أمثال ابن
حزم الذي يرى نصا واجب الإعمال بلا قيد ولا
شرط ، ذلك هو فقط الموقف الرجولي المقبول من
فقيه أمين .
5- هكذا تتضح الصورة ، من يأخذ بعموم اللفظ لا
مندوحة له من تطبيق الحد بلا شرط أو تعليق أو
تحايل أما غير ذلك فدجل ، و البديل الآخر هو
رفض شجاع للالتزام بأحكام متفرقة تجاوزها
العصر و غير قابلة التحقيق ،و النظر لتلك
الأحكام بمنظور تاريخي يربط تلك الأحكام
بأسبابها فقط ، والأخذ بروح الإسلام و العمل
لتحقيق المرامي الشريعة دون أحكامه