بقلم : ابنة الخنساءلطالما قُرن التمرد بأشياء مذمومة … مع أنّ التّمرّد ليس بالضرورة أن يكون
سلبيًّا .. قد يكون التّمرّد على واقع بائس يائس … وحينها نقول : نعمّا هو
هذا التّمرّد … هذا تمرّد الأنبياء والأولياء والصّالحين … عبر تاريخ
البشرية وإلى يوم الدّين… وأعجب كلّ العجب حين أرى اليوم كثيرا من دعاتنا
وعلمائنا لهذه السّنّة متنكّرين ومنكرين … أجل هي سنّة … وبهُدى أولئك
المنعمين الّذين سنّوها فاقتده …
لقد تمرّدوا على ظلمات الكفر والقهر والذّل والظلم والاستعباد …
وانطلقوا يهدون العباد بأنوار الإيمان والعزّ والعدل والحريّة من عبادة
العباد إلى عبادة رب العباد … ألم يقلها جعفر حين عرّف النجاشي رضي الله
عنهما بدينه ونبيّه فقال : (أخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد
)؟!! فما لِعلمائنا عن هذه الدعوة متنكبون ؟!!!
منذ سنوات جاوزت العقد من الزمن … كنت أشاهد مناظرة بين عالم دين كنّا
نحمل له من الإجلال الكثير وبين ماركسي عنيد … وكم كنّا نتحمّس لهذا
العالم ونلعن ذاك المتغطرس الجاهل … ولا شكّ أنّه كان يبدو في حواره كذلك
… ومرّت السّنوات … وشاء الله أن يريني مشهدين أحدهما أعجب من الآخر
… العالم في موقف المداهن والممالئ للظلم وأهله … والملحد في موقف الجاهر
بالحقّ ، المطالب بالعدل ، الرافض للظلم وأهله …
يالله … مشهدان مؤلمان مقلقان مخيفان … لماذا أرى هذه الانهزامية عند
علماء المسلمين … بينما أرى خلافها عند من قد نراهم أعداء الله والدّين
؟ ماذا حصل ؟ ولماذا انقلبت الموازين ؟ وكيف يمكن أن يضحّي عالم بسمعة
دينه طمعا في عرض من الدنيا أو حرصًا على حياة غيره قبل حياته ؟!!! وكيف
يمكن أن يقنع جهلة النّاس بعد ذلك بشرّ إلحاد ذاك الرجل وخيرية إيمانه ؟
كنت أدعو بالأمس على ذاك الملحد بالويل والثبور …. واليوم أدعو له
بالهدى من ربّ غفور … ليس لأجل موقفه هذا وحسب … بل من أجل أن لا تقرن
فضيلته بإلحاده … كما قرنت خطيئة ذاك العالم بإيمانه … فنقع في شر فتنة …
أجل … هذه هي الفتنة الحقيقية … فليت قومي يعلمون .