علي الاسكندري
عندما نتجاوز مسالة غلاف
المجموعة الشعرية الاولى للشاعرة ماجدة غضبان (قصائد ممطرة ) والتي صدرت
قبل فترة قليلة عن دار تالة للنشر في سوريا والذي يقتصر على قلة التعدد
اللوني وهو اجراء صائب .. فتكثير الالوان ربما شـتـّت الية التلقي البصري
التي لايستهان بها لقراء الالفية الثالثة اذ لم تعد الكتابة وحدها هي
الحمولة اليتيمة التي تهيمن على فكرة التلقي وتؤمن توصيل شحنة النص الى
الاخر الذي نفترضه دائما من النخبة في هذا الجانب على وجه الخصوص والذي
يسعى الى مقتربات القراءة المنتجة وفعلها الخلاق والتي تشتمل على شراكة
العنونة ولوحة الغلاف وتناسق الوانها والخطوط والفوارز والبياضات بل وحتى
رسم الحرف وايقاعه المرئي .. لاجل هذا ارى ان المراجعة في مثل هكذا امور ..
يقع في صالح العمل الابداعي واخراجه الى فيزياء القراءة كما ان الاقتصاد
في عدد الوان الغلاف ودلالاتها المركزة يوفر للقارئ مناخا مستقرا للانصراف
الى التعامل مع المدون بين جرفي المجموعة ويعطيه فسحة لتأمل المكتوب وانتاج
نصوص محايثة للنصوص موضوع القراءة
وتكشف نصوص هذه
المجموعة عن تخطي هذه النصوص في خطابها الشعري مسألة الغلو في الانزياحات
الثقيلة والتهويمات الفائضة الي تاسيس علاقات جديدة بين الدوال المكونة
للجملة الشعرية وهو ما كان يسميه الثمانينيون بتفجير اللغة والخطاب الشعري
في هذه النصوص لا يجنح الى الاغطية السميكة التي تتدثر بها اغلب النصوص
الفقيرة للغة الرشيقة والكثافة ولا يتدرع بالتراكيب العصية على الفهم والتي
لاتمنح متلقيها غير العتمة والهروب تقول في نص ( العباءة ) (( اغمرْني
بها فهي عباءتي .. حين يشتدُ البرد هي صلاتي .. في بلادِ الرمل هي أغنيتي
.. عندما يلدُ الشوكُ ربيعَه هي كلُّ ما عرفتـُهُ من وطن..! كلُّ ما
تذوقتُه من شوق ..! كلُّ ما حصَدَتُهُ من حب ..! )) ان الخطاب الشعري هنا
يعتمد على تشغيل طاقة اللغة التوصيلة النفعية التي نستخدمها في اليومي
والمتداول لكنه يرتفع بها الى مصاف الاعمال النادرة وهو اصعب انواع
الاشتغالات .. وربما كان السهل الممتنع اقرب الى توصيفنا هذا مع تسامي
اللغة ورفعتها هنا عن الاجترار والنسخ الذي يسقط في حبائله رواد هذا النوع
من النصوص ، و اغلب شعراء القصائد اليومية وشعراء السهل الممتنع هم اشبه
بلاعبي كرة القدم والذين غالبا ما يغادرون ميدان اللعبة ويتحولون الى
متفرجين وهم في ربيع العمر بحكم نفاذ الطاقة وقلة المخزون تبعا لطبيعة
اللعبة ومتطلباتها سيما وان الشعر من اكثر الفنون الادبية عرضة للتناصات
والتكرار فيما لو كانت مادته اللغوية من الطراز الذي اشرنا له انفا واذا
كانت اللغة لدى الدكتورة ماجدة غضبان قد وجدت من التدليل والانطلاق في فضاء
البناء النصي وارضا صالحة لرسم صورة شعرية صافية فهذا بفضل المخيلة
والموهبة الراكزتين وهاتين الخصيصتين قد لاتتوفر لمن ينخرط في خطورة هذا
المسلك الصعب وهذا ما يجده المتلقي لنصوص المجموعة فعلا بغية الوصول الى
شواطئ الجمال والخلق الابداعي بيسر وسهولة ولنقرأ نص ( الأغتيال ) ((
الخلودُ الذي قصدناهُ يوماً وكان منشغلاً عنا بالحديثِ مع كلكامش .. زارني
اليومَ .. ممتطياً الليالي الهاربة َ يقتطفُ بقايانا التي نقشَ عليها
المنقبون أسماءً جديدة..! )) ونلاحظ هنا توظيف السرد وشعرنته خدمة للنص
ولايتوقف بناء النص عند تقنية اللغة فحسب وهي الاصعب لكننا نذهب الى بناء
الثيمة في النص والتي تتنافس بقوة وجدارة مع هندسة اللغة والاقتصاد بها كما
في نص (الغصن ) (( أشتهي أن أزرعك من جديد أن لا أقطفـَك .. بسذاجةِ
طفلة .. أن أملأَ عيني بنموِّكَ اللذيذ .. أنا أعلمَ أني امرأةٌ تعشقُ
غصناً ..وتتناسى خطواتِ الغابة المقبلةِ نحو الشجرة ..! )) نلاحظ هنا
مستهل النص جملة مبتسرة وبسيطة وذي ايقاع متناغم يفتح افقا واسعا للقراءة
(( أشتهي أن أزرعك من جديد أن لا أقطفـَك )) وهي نقطة شروع موفقة في هذا
النص اضافت لها المضارعة ديمومة راسخة في الفعل ( اشتهي ) والذي يبقي فعل
القراءة محجوزا للزمن الحاضر على امتداد ابعاد الازمنة الثلاث اضافة الى
النمو التدريجي وتصاعده بصورة متسقة وياتي التاكيد الترادفي النافي (
لااقطفك بسذاجة طفلة ) ليضفي على نسيج القطعة الشعرية جمالا اخاذا ينم عن
وعي متقدم للذات الباثة للخطاب الشعري وشعورها بالمسؤولية الفنية ازاء
عملية بناء النص الذي يسعى الى اشاعة الجمال وتخليد الحياة .. انه خلق
للنموذج .. المثال الذي تسعى البشرية الى ارساء اركانه ، بناء على طريقة
ماجدة غضبان التي وجدت ان خامة الواقع تصلح لااعادة انتاجها وارى في
عالمها الشعري ميلا واضحا لاختراق قوقعة اليقيني والثابت والقدري والانحياز
الى قدرة الانسان على خلق نموذجه واسطورته دون الاتكاء على بنى الاساطير
السالفة وربما اتسعت المحاور في هذا المجموعة ونصوصها المحملة بمعاناة
الانثى العراقية الشاعرة التي جعلت من قصائدها الممطرة ربيعا لرمال الادب
النسوي الذي تأثر كثيرا بموجة العنف التي اجتاحت البلاد بعد ربيع 2003
وتراجع حضوره بشكل واضح ، ونرى ان ماجدة غضبان قد وجدت في قارة الشعر
الضاجة بالتجارب الكبيرة مرفأ تميزت به هذه الشاعرة وتركت لها بصمة واضحة
في الادب النسوي العراقي الذي يحفل باسماء كبيرة ولامعة يشهد لها المشهد
الشعري العالمي قبل المحلي .
الثلاثاء يونيو 24, 2014 4:48 am من طرف هشام مزيان