في حديث عن الثقافة والمرأة والثورة
قطعت نوال الدكتورة السعداوي، الكاتبة والروائية المصرية، شوطاً
كبيراً في سعيها لتحرير المرأة والمجتمع والعقل البشري في المجتمع العربي
من كافة القيود الدينية والحياتية.'وكان لقلم وصوت نوال السعداوي تأثير
عميق على أجيال متعاقبة من الشباب والشابات على مدى العقود الخمسة الماضية.
وقد وضعت الكاتبة أكثر من أربعين كتابا في المجالين الأدبي والعلمي،
حيث كان موضوع المرأة وتحررها المادة الأبرز التي سعت إلى ايصالها للرأي
العام العربي والإسلامي. وهنا حوار أجرته 'القدس العربي' مع نوال السعداوي
أثناء زيارتها الى لندن مؤخراً.
*على مدى مشوار يمتد لاكثر من 50 عاما، ألفت خلاله أكثر من 40 كتابا حول
حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة بين الجنسين، ما الذي حققته نوال
السعداوي للمجتمع العربي في هذه المجالات؟
*حققت الكثير، ولكن للأسف لم
يتم إجراء أي دراسة حول تأثير اعمالي وكتاباتي على المجتمع المصري
والعربي. وسبب هذا هو أني كنت دائماً ضد النظام الحاكم في مصر منذ أيام
الملك فاروق إلى أيام مبارك. أنا'كاتبة ثائرة متحررة ولذلك كنت دائماً
أحارب من اليمين واليسار، والحكومة وأمريكا وإسرائيل والسلفيين والإخوان
المسلمين والمسيحيين واليهود. فقد انتقدت جميع الأديان وأصبحت بمثابة محطة
يهاجمها الكل ويشوه صورتها وسمعتها لمجرد أني كنت اكشف فساد الأنظمة.'وأنا
لم أحارب في مصر والعالم العربي فقط، بل ذهبت أيضاً إلى أمريكا وطالبت
بإسقاط النظام الأمريكي وذهبت إلى بريطانيا وقلت الشيء نفسه. نحن نعيش في
غابة كبيرة . عندما يأتي جيش كبير مثل الجيش الأمريكي أو الأوروبي ويحتل
العراق من أجل البترول، أو عندما تحتل إسرائيل فلسطين أو عندما يضرب حلف
الناتو ليبيا، كل هذا يعني أننا نعيش في غابة عسكرية تضطهد كل الشعوب وخاصة
الشعوب التي تمتلك موارد طبيعية. عندما انتقد ، انتقد الكل، ليس فقط
افريقيا وآسيا، ولا استثني الغرب وأمريكا، كما يفعل الآخرون الذين ينتقدون
العالم العربي'والإسلامي فقط وكأن أمريكا وأوروبا'هما'مثاليتان.'
'ومن
خلال الآراء والمبادئ هذه، استطعت أن احقق شعبية كبيرة. أنا شاركت في
الثورة من خلال اعمالي وأفكاري هذه لأن كتبي كلها كانت تمهد لثورة 25
يناير. وبالرغم من هذا كله، لم يكتب أحد عن أثر كتابات نوال السعداوي في
إشعال الثورة. وأكرر، هذا بسبب عدم اتباعي لأي نظام، وللأسف النظام هو الذي
يدفع للبحوث التي تخصص لهذه الدراسات. الجامعات في مصركانت تخشى من إجراء
أي دراسة عني أيام السادات ومبارك. والمجلس الأعلى للثقافة يخشى أن يذكر
إسم نوال السعداوي. جابر عصفور، رئيس المجلس، شطب إسمي من لائحة الكاتبات
المصريات لخوفه من الرئيس مبارك . ومعظم الكتاب والنقاد كانوا يأخذون جوائز
أدبية لأنهم كانوا يدعمون النظام . حققت أشياء كثيرة ولكن لست أنا التي
يمكن أن تبين ما فعلته كتابتي للمجتمع المصري والعربي. أنا أول من ربط بين
القهر الجنسي والقهر السياسي والإقتصادي على المستوى العربي، والعالم وهذا
أحد أهم الانجازات التي اضافتها نوال السعداوي للأدب والعلم العربي مثلاً.
بعد أن قلت هذا كله، يجب أن يجيب على سؤالك شباب اليوم، شباب الثورة، الذي
باستطاعته تحليل أثر وفعالية كتابات نوال السعداوي على عقلية الشباب والشعب
العربي.
*في روايتك الأخيرة 'زينة'، تناولت مواضيع من واقع الحياة المصرية، ما الرسالة أو العبرة التي أردت أن ترسليها إلى المجتمع المصري؟
*لا'يمكن
أن نفصل بين الواقع والخيال أو الحقيقة والوهم أو الجسد والروح لأن هناك
ترابطاً دائماً بين هذه الأمور. كل هذه الانفصالات من صناعة العبودية
والنظام الطبقي الأبوي . وهذا ما'أحاول صنعه في الرواية. الربط بين الخيال
أو الحلم والحقيقة. اربط بين ما نراه وما لا نراه وهذا مهم جداً، الرواية
نابعة من'الحقيقة من أطفال الشوارع الذين هم حوالى ثلاثة ملايين طفل.'أنا
رأيت زينة من خلال هؤلاء الأطفال، رأيتها كلما كنت'أتمشى على النيل. زينة
هي فتاة كانت تتحدى واقعها فاستطاعت أن تحقق ذاتها من خلال الموسيقى
والغناء ثم قتلت لأنها كانت ثائرة ومتحررة ومتمردة على نظام فاسد، نظام
مبارك والتيارات الإسلامية'الفاسدة.'فهي اشعلت الثورة ولذلك أقول بإن
الرواية تنبأت بالثورة مع أنها كتبت في عامي 2007-2008.
'
*كيف تقيمين النقد الأدبي لأعمالك؟
*صفر،
في مصر وكذلك في العالم العربي . لأنه لا توجد عندنا حركة نقدية'عربية أو
مصرية حرة. معظم الكتاب والنقاد'موظفين لدى الحكومة. لكي يكون هناك نقاد
احرار يجب أن لا يأخذون رواتب من الحكومة ، والمثقفون اغلبهم تابعون
للحكومة، لذلك لا يوجد لدينا 'مثقف ثوري'، هناك القليل جداً منهم للأسف،
حتى ان الجامعات غير حرة، التعليم المصري غير مبني على النقد مبني على
الطاعة. فكل هذا التشدد يلعب دورا في أن تكون الحركة النقدية شبه ميتة.
النقاد يكتبون نقدا جميلا عن الكتاب المطيعين، ولكنني أسمي هذا النقد
نفاقا. بالإضافة الى ذلك، لا يوجد في مصر من يجرؤ على كتابة قصة وتفاصيل
سجنه أو اضطهاده أو نفيه. روايتي الأخيرة 'زينة' التي ترجمت إلى لغات عدة
وإلى'الانكليزية مؤخراً، لا يتصور أحد مدى قوة ومتانة النقد السويدي لهذه
الرواية. فقد كتبت عنها تقارير في جريدة 'الغارديان' وغيرها من المجلات
والصحف والمواقع الأجنبية. في حين لم أجد أي نقد فعال في العالم العربي .
قرأت مرة مقالاً نقدياً عربياً واحداً عن الرواية ووجدت أن هذا الكاتب لم
يفهم الرواية ولم يجد الكتابة عنها اصلا ً. ولكن في السويد رشحها أحد
الكتاب السويديين إلى جائزة نوبل. فتصوري الفرق بين النقد العربي والنقد
الأجنبي لأعمالي، مع أن الرواية كتبت بالعربية.
*لماذا اذن برأيك يقدر الغرب أعمال نوال السعداوي أكثر مما يقدرها العرب؟
*لأن
الغرب لا يطبق أي رقابة على اعمالي. دائماً الرقابة تكون في بلد الكاتب
أكثر تشدداً. في مصر هناك رقابة شديدة على اعمالي ، لا أحد يكتب عني بشكل
إيجابي في العالم العربي وفي حال كتب احدهم سيقال، أو على الأقل لن يأخذ
جائزة مبارك. نحن ما زلنا متخلفين ثقافياً. ثقافتنا مازالت محكومة
بالدكتاتورية والإستعمار والجهل . عندما كنت أمارس مهنة الطب النفسي، كتبت
وانتقدت الصحة النفسية ولكن لم ألق أي رد أو تعليق أو نقد علمي. النقد
الأدبي العربي معظمه منقول وخال من الإبداع.
'
*وهل سيتغير النقد الأدبي لأعمال نوال السعداوي بعد سقوط النظام الديكتاتوري الذي كان يؤثر على حرية التعبير؟
*هذا
الأمر يتطلب وقتاً طويلاً. فأنا ما زلت حتى الآن ممنوعة من الظهور على
التليفزيون المصري وممنوعة من أن اكتب في الجرائد الكبرى كجريدة 'الأهرام'
مثلاً . نحن استطعنا أن نقلع رأس النظام ولكن الجسد مازال موجوداً وهو
متمثل بالإعلام والثقافة والأحزاب. يجب أن نغير أشياء كثيرة مثل تغيير
الدستور وجعله مدنياً وفصل الدين عن الدولة ولكن كل هذا يتطلب وقتا . الجيش
ما زال يضرب المتظاهرين والصراع قائم. فهناك ثورة مضادة ومن غير المتوقع
أن تظهر نوال السعداوي وأمثالها من الكتاب والعلماء والمثقفين الأحرار في
هذه الفترة الإنتقالية، ولكن وقتنا سيأتي أنا متفائلة جداً.
'*الغالبية
في مصر وخارجها لم يكن لديهم أمل في أن يحدث تحرك للشعب المصري ضد النظام
قبل وقوع الثورة التونسية ، هل كان لديك نفس ألشعور وكيف تابعت أحداث
الثورة إلى حين سقوط حسني مبارك؟
*كان دائماً عندي حلم الثورة، منذ أن
كنت في العاشرة من عمري كنت اشارك في المظاهرات ضد النظام، لذلك قلت ان
الثورة تأخرت 70 عاماً. الشعب المصري ثائر بطبيعته ولكنه كان مقهورا ولذلك
كان وقوع الثورة أمرا طبيعيا ومتوقع. أنا لم أفاجأ بها كنت انتظرها في كل
دقيقة.'عندما كنت أجلس في الخيم في'ميدان التحرير، كنت أشعر انني رأيت وعشت
هذه الثورة من قبل. عشتها على مدى سبعين عاماً. أيام الثورة أيام عظيمة.
كنت قد التقيت بإمرأة في ميدان التحرير أثناء الثورة، وقالت لي أنا لا أريد
أن أعود إلى بيتي، أنا رأيت كيف تصنع الحرية من خلال هذا المكان وتعرفت
على الحرية عن قرب، لا أريد أن أعود إلى زوجي فهو يضربني ويقيد حريتي. إذاً
الثورة علمتنا'المعنى الحقيقي للحرية وجعلتنا أسرة واحدة ويداً واحدة، فقد
غاب التحرش الجنسي أثناء الثورة ورأينا كيف'توحد المسلمون والمسيحيون،
كانت أيام مجيدة حقاً.
'*هل حققت الثورة اهدافها برأيك؟ ما هو تقييمك لوضع مصر بعد الثورة؟
*الثورة
حققت هدفاً أو هدفين، ولكن مطالب الثورة لم تتحقق بأكملها. ما زالت معظم
اهدافها تحت التنفيذ مثل محاكمة مبارك رأس النظام وتغيير القيادات
الإعلامية والوزارية والثقافية التابعة لنظام مبارك. كذلك التغيير
الإقتصادي والزراعي، يجب أن نأكل ما ننتج وننتج ما نأكل، يجب أن يغيب
الإستعمار الغربي والأمريكى وأن لا نعيش على المعونة الأمريكية. فهل من
المعقول أن دولة عظمى مثل مصر ما زالت تعيش على المعونات الأمريكية؟
المصريون عانوا خلال الأنظمة السابقة وعاشوا وضعاً اقتصادياً وزراعياً
رديئاً. جعلونا نخضع لإسرائيل. فكل هذا يجب أن يتغير من خلال إرادة وقوة
الشعب.
'*هل تعتقدين أن الثورة سيكون لها تأثير على العلاقات الإسرائيلية المصرية ومستقبل كامب ديفيد؟
*طبعاً،
كل الذين يترشحون إلى الرئاسة مثل عمرو موسى والبرادعي والإخوان، يطمئنون
إسرائيل بأنهم لن يمسوا إتفاقية كامب ديفيد، ولكن الملايين ، أصحاب الثورة،
لهم رأي مختلف.
'
*لطالما انتقدت الجماعات الإسلامية في كتاباتك
ومقابلاتك التلفزيونية ، هل انت متخوفة من سيطرة الإسلاميين أو
السلفيين'على مصر بعد الثورة؟
*السعودية لها دور كبير في دعم هذه
الجماعات. فهي تدفع 5 ملايين دولار للسلفيين. التيارات الدينية تمول من
جهات خارجية. بن لادن وجورج بوش، والسادات والإخوان المسلمون ومبارك
والتيارات الإسلامية والسلفية توائم، وكذلك أمريكا والتيارات السلفية توأم
لأنهم يخافون ثورة إشتراكية حقيقية، فيها ضرب'للرأسمالية'ومساواة للناس.
التيارات
الدينية مع مبدأ الرأسمالية. ولكن 'الإخوان المسلمين' لن يحكموا مصر لأن
الثورة سترفضهم. هم لم يشاركوا في الثورة اصلا، هم أتوا بعد أن نجحت
الثورة. 'الإخوان المسلمون' غير وطنيين ، ويتاجرون في الدين والسلفيون لهم
دور'ألعن والسعودية تلعب دوراً خطيراً. من ضمن كوارث'الوطن العربي ، النظام
السعودي.'
'*ما الإجراءات التي يجب أن يتخذها الجيش أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل إنقاذ الثورة؟
*يجب
أن ينفذ مطالب الثورة. تاريخ الجيش في مصر تاريخ وطني. ولكن هناك فرقا بين
الجيش وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة. شباب الجيش رائعون ، مثل شباب
الإخوان المسلمين، فشباب الإخوان ضد منهجية القيادات.
'*ما كان دور المرأة التي لطالما حاربت من أجلها، في الثورة المصرية؟ هل كانت الثورة إنتصاراً ذكورياً فقط؟
*مع
الثورة تأتي المساواة، النساء المصريات لعبن دوراً عظيماً في الثورة ولكن
بعد ذلك ابعدونا، فلجنة تغيير الدستور لا توجد فيها أي إمرأة . ولذا
اجتمعنا أنا والاتحاد النسائي في بيتي وبدأنا بإعادة تنظيم وانشاء الاتحاد
النسائي المصري الذي كانت سوزان مبارك قد منعته وصادرته'قانوناً لأنها كانت
تريد أن تكون السيدة الأولى، ولذلك منعت أي اتحاد شعبي'من شأنه أن يؤثر
على السلطة النسائية التي كانت تتمتع. ولذا فإن أمثال سوزان من النساء
المنخرطات في النظام الحالي يلعبن دوراً كبيراً في تفتيت الحركة النسائية.
ولكننا
الآن نعمل على الاتحاد النسائي ومن المتوقع أن'يمنع من قبل الجهة الرجعية
حتى انهم بدأوا في المحاولة فعلاً.'ولكن الصراع قائم ولن ينتهي.
'*في حال انشئ، ما الذي يمكن أن يحققه الحزب السياسي المعني بشؤون المرأة، للمرأة المصرية؟
*القانون
دائماً يفصل بين الاتحاد والحزب، ولكن كل'عمل إجتماعي سياسي وكل عمل سياسي
إجتماعي. يجب عدم الفصل بينهما.'أنا أحاول أن اربط بين الجمعيات والأحزاب
لأنها تشكل قوة واحدة .'الثورة سترفع'صورة المرأة إلى الأمام، لا يمكن أن
تكون هناك ديمقراطية في الدولة من'دون أن تكون هناك ديمقراطية في البيت.
فقانون الزواج مثلاً قانون سيئ يجعل الرجل ديكتاتوراً،'ويسمح له أن يطلق
زوجته عبر ورقة يرسلها إليها في البريد من دون علمها ويسمح له أن يتزوج
أربعا. هل يمكن في ظل اسرة تبنى على الدكتاتورية وطغيان الرجل، ان نتوقع أن
تكون هناك ديمقراطية في الدولة؟ لا يمكن، وهذا ما ناضلت من أجله،'وهو
أهمية ربط العمل الاجتماعي بالسياسي، ربط'الأسرة بالمجتمع والدولة.'
التقتها: ريما شري