مع أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة٬ إلا أنّ الشكّ ساورني حول ظاهرة
النقاب في الغرب٬ التي أصبحت مالئة الدنيا وشاغلة الناس. وأكاد أميل إلى
الاعتقاد أنّها ليست سوى مناورة أو إستراتيجية موضوعة بعناية٬ من طرف طارق
رمضان وأمثاله٬ لكي تتقبّل المجتمعات الغربية الحجاب كأهون الشرّين ولا
تعتبره رمزا للإسلام السياسي الشمولي وإنما للإسلام المعتدل الوسطيّ!
الذي يميّز طارق رمضان عن غيره هو أنّه ناتج غربيّ بامتياز. ترعرع ودرس في
سويسرا وأتقن الفرنسية والانكليزية (بالإضافة إلى العربية). وهو محدّث
بارع وخطيب مفوّه٬ يجيد مخاطبة كلّ مجموعة من مستمعيه بما تستسيغ سماعه
مستعملا كلّ مواهبه في تحميل الكلمات أكثر من معنى.
وحين يظهر على شاشة التلفزة٬ باللباس الغربيّ وبلحية مهذّبة قصيرة٬ ليخاطب
الغربيين٬ يصبح أشدّ المدافعين عن الديمقراطية والحريات الفردية٬ مناصرا
للأنثوية وحماية البيئة٬ مستعملا كلّ ما في الغرب من مفردات ومفاهيم
وكأنّها خرجت مباشرة من كتب السيرة٬ دون أن يتخلّى قيد أنملة عن
إيديولوجيته الإخوانية.
وهكذا تمكّن من أن يوجد لنفسه آذانا صاغية لدى الكثيرين من الشبّان
والفتيات المسلمين في الغرب من الباحثين عن هوية من جهة وعن توازن بين
القيم الغربية ومبادئ الإسلام من جهة أخرى. وهم في الغالب لا يعرفون عن
الإسلام الا شيئا قليلا، ومعرفتهم باللغة العربية لا تتجاوز بعض جمل عامية
يخاطبون بها الوالدين من وقت لآخر.
والمعروف كذلك أنّ طارق رمضان من أنصار الحجاب وكان من أشدّ المعارضين
للقانون الفرنسي الذي يمنع الرموز الدينية في المدارس الفرنسية٬ ولم يبد
يوما أيّ اعتراض على فرضه على الفتيات الصغيرات. ولم ينتقد فرضه من قبل
الأنظمة الإسلامية على شعوب بأكملها، ولم يستنكر الاعتداءات والضغوط التي
تتعرّض لها الفتيات المسلمات غير المحجّبات في فرنسا أو جرائم القتل التي
تعرّضت لها مئات بل آلاف النساء في الجزائر والعراق لمجرد كونهنّ غير
محجّبات.
ذلك أنّ الحجاب هو رمز الإسلام السياسيّ بامتياز٬ وهذا الاسلام المؤدلج
يحتاج٬ مثله مثل جميع الحركات الشمولية٬ إلى رمز مرئيّ لإظهار التحدّي
وإبراز الخصوصيات وإشهارتمايزات المسلمين، وخاصة فيما يتعلّق بالمرأة (لا
يوجد لباس شرعيّ للرجل المسلم!).
والذي يريده طارق رمضان اليوم هو أن لا تتبع الدول الغربية النموذج
الفرنسيّ الذي يؤكّد علمانية الدولة ويمنع الرموز الدينية في المدارس وفي
مؤسّسات الدولة٬ وأن تسمح للمحجبات بتبوّئ مناصب في قطاعات حساسة مثل
التعليم والإدارات العامّة.
ومع تزايد عدد المنقّبات والخوف المتزايد من النقاب٬ سواء لأسباب أمنية أو
كدليل على تعاظم ظاهرة التطرّف الديني الإسلامي٬ من سيتجرّأ اليوم على
انتقاد الحجاب٬ حتى حين يستخدم إيديولوجياً وسياسياً؟ ومن الذي سينتقد
الأهل الذين يلزمون بنات بين الثالثة والعاشرة من العمر بوضعه؟
في مونتريال مثلا أصبح من المألوف أن تكتب صحفيات معروفات٬ وفي أوسع الصحف
انتشارا، من أمثال ميشيل ويميه وليزيان غانيون، مقالات تحت عنوان: «نعم
للحجاب٬ لا للنقاب» أو ما شابه ذلك٬ لينهال بعد ذلك سيل رسائل القراء في
نفس المجرى.
أليس من حقّي أن أعتبر ظهور النقاب فخّاً نصبه مَن هم أمثال طارق رمضان وأتباعهم لكي يردّد الغربيون السذّج :
«ألف حجاب ولا نقاب»!