هل أستطيع تجاوز حيائي عندما أتطرق إلى مسألة كموضوع الحب؟ يتبادر إلى
ذهني هذا السؤال، وأتمنى لو أنني أجرؤ على طرق الموضوع من جانب شخصي، أو
نجرؤ كلنا على ذلك حيث أن الغالب على الكتابات التي تتناول قضايا الحب تذهب
في اتجاه التعميم، وتبتعد قليلاً أو كثيراً عن التجربة والخبرة الشخصية،
وهذا مفهوم في مجتمعنا الذي يحاصر الحب جملة وتفصيلاً.
حب خائف جبان: أعترف أنني مثل الآخرين، فما أفكر فيه في قضية الحب غير ما أتكلم عنه أمام
صديقاتي وأصدقائي حتى إن كنا ننظر إلى أنفسنا كبشر متحررين. ومن مظاهر
الخوف أن الحديث يدور كثيراً حول قضية تأثير المجتمع على رغبتنا في الحب،
وسرعان ما يبدأ التشكي من مسألة فقدان الرومانسية، والعديدات منا يلقين
اللوم المباشر على الرجال الذين لا يقدّرون مشاعرهن. نحن جميعاً بدون تفكير
أو وعي ننظر إلى الحب كمخلوق هش قابل للفناء عند أول اصطدام، نتغنى بأشعار
وسير العشاق المشهورين كأنهم ليسوا بشراً مثلنا، وننظر إلى الثمن الذي
دفعه هؤلاء كأنه من الخوارق التي نفتقر إلى الشجاعة كي نؤتي بمثلها.
نحن نستحق الحب ونحن جبناء أيضاً، نحاول التوفيق بين الأمرين ونفشل كثيراً.
حب لا غرام: نتجنب عند الحديث عن الحب أن نتحدث عن الغرام، نتحدث عن المشاعر وكأنها
سحابات تمشي فوق رؤوسنا وأجسادنا، كأننا سنحلّق ونطير فيما أجسادنا تبقى
غارقة في وحل الواقع. نحن لا نفكّر في تنزيل الحب من عليائه، في لا شعورنا
نبقي عليه فكرة متعالية على حياتنا وعلى أجسادنا، لذا لا نطال الحب إلا
قليلاً، والبعض من خيباتنا العاطفية يأتي من فكرتنا عن الحب، يأتي من
داخلنا لأننا لم ننظر إلى الحب كصنو لحياتنا وجزء أصيل منها أو الجزء الذي
يعزز وجودنا في الحياة.
يفترق الحب والغرام وتنكسر أو تغترب أحلامنا بين الاثنين.
حب في إطار: لأننا لا نؤمن بذواتنا كأفراد تبقى مشاعرنا حبيسة القالب الذي يفرضه
المجتمع، وقليلاً ما يخترق الحب الحدود الاجتماعية الراسخة، حتى إننا صرنا
ننظر إلى الأفلام الرومانسية القديمة التي تعرض قصص حب بين اثنين من طبقتين
اجتماعيتين متفاوتتين ننظر إليها نظرة استهزاء. وأنا لا أنكر السذاجة
الموجودة في بض الأفلام، لكنني أتطرق فقط إلى قدرة الحب على اختراق
الجغرافيا الاجتماعية، فهناك قصص للحب تنتهي لأن طرفيها ينتميان إلى طبقتين
مختلفتين، وهناك قصص تنتهي لأن طرفيها ينتميان إلى طائفتين أو مذهبين
مختلفين. لهذا ينبغي علينا الاعتراف بعجزنا على طرح أنفسنا كأفراد مستقلين
وأحرار، عندما يقوى انتماؤنا إلى جماعاتنا على انتمائنا إلى أنفسنا لا يجد
الحب مساحة في أنفسنا.
أخيراً أسأل: هل هذا هو الحب؟ وهل يستحق الحياة إن كان ضعيفاً إلى هذا
الحد؟ مع الأسف نحن ندعي الإيمان بالحب، لكننا لا نؤمن عميقاً بأنفسنا أو
بقدرتنا عليه.