الموقع : center d enferتاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6
04112011
من إنجازات الطب الحديث.. زراعة القلب
إنجاز تاريخي
في ديسمبر عام 1967 أجريت جراحة زراعة القلب على الإنسان بنجاح لأول مرة في التاريخ. وقد أجرى الجراحة د.كريستيان بارنارد «Christian Barnard» في «مدينة الرأس» «Cape Town» في جنوب أفريقيا.
مهّد لهذا النجاح عشراتُ التجارب التي أجريت على الحيوان. ويرجع تاريخ أولى محاولات زراعة القلب في بعض فصائل الحيوان إلى عام 1905 م. وقد استمرت التجارب على الحيوان، خصوصًا الكلاب والقردة، إلى منتصف الستينيات من القرن العشرين، حين حاول طبيب أميريكي زراعة قلب قرد من فصيلة شمبانزي مكان قلب إنسان لكن من دون نجاح.
وفي يناير عام 1968، أجرى الجراح الأميركي د.نورمان شومواي «Norman Shumway» ثاني جراحة تاريخية لزراعة قلب إنسان في صدر إنسان آخر. وقـد أجريت الجراحة في مدينة ستانفورد في الولايات المتحدة. ومثل الجراحة التاريخية الأولى، لاقت هذه الجراحة نجاحًا.
كما أجريت جراحة ناجحة ثالثة لزراعة القلب في مدينة الرأس في جمهورية جنوب أفريقيا بمعرفة الجراح «كريستيان بارنارد»، بعد شهر واحد من إجراء جراحته التاريخية الأولى. وقد عاش الإنسان الذي استقبل القلب هذه المرة لعام ونصف العام بعد الجراحة، بالمقارنة إلى المُسْتَقبِل في الجراحة الأولى الذي عاش لثمانية عشر يوما فحسب.
بعد النجاح الأول لجراحة زراعة القلب، أجريت قرابة مائة وخمسين جراحة من هذا النوع، في حوالى (60) مركزا في أنحاء متفرقة من المعمورة، في العامين 1968 و 1969.
ظاهرة الرفض
إن اكتشاف ظاهرة الرفض (rejection) التي تؤدي إلى وفاة مُسْتَقبِل القلب إنْ عاجلا أو آجلا، كان سببا في انكماش طفرة الستينيات، وتراجع مراكز كثيرة عن إجراء هذا النوع من الجراحة. وبحلول عام 1974، لم يكن في العالم أجمع سوى أربعة مراكز توالي البحث والعمل في جراحة زراعة القلب. وهذه المراكز هي جامعة ستانفورد، وكلية طب فيرجينيا (كلاهما في الولايات المتحدة) ومدينة الرأس في جنوب أفريقيا (سميت كذلك بسبب دخولها في (المحيط الأطلنطي) ومستشفى «لابيتييه» «La Piti’e» في فرنسا. وقبل نهاية السبعينيات، انضم إلى هذه المراكز الأربعة مركز خامس من بريطانيا، مقره مستشفي هارفيلد «Harefield» في ضاحية «Middlesex».
وأدت مثابرة هذه المراكز إلى ابتكار تدابير علاجية للتحكم في ظاهرة الرفض. وكان إدخال العقار «سايكلوسبورين» (Cyclosporin)، الكابح لجهاز المناعة، إلى دائرة علاج ظاهرة «الرفض» في عام 1983، فتحا جديدًا أعاد الاهتمام بجراحة زراعة القلب إلى سالف عهده.
لمن يعطى القلب؟
عادة تجرى جراحة زراعة القلب لإنسان مصاب بمرض في قلبه، بحيث يتوقع أن يؤدي المرض إلى وفاته في غضون ستة أشهر على أكثر تقدير. وتوقع الوفـاة مبني على التقديرات العلمية والخبرة الطبية وليس على الرجم بالغيب.
على أي حال، فليس كل مصاب بمرض في القلب في مراحله النهائيـة يمكـن إعطاؤه قلبا جديدا، إذْ يتعين توافر الشروط التالية فيمن يُعطَى (يستقبِل) قلبـًا جديدا: ألا يكون مصابا بأمراض معينة تحول دون استخدام العقاقير الكابحة لجهاز المناعة بعد إجراء الجراحة. ومن هذه الأمراض ما يلي: البول السكري، قرحة نشطة (في المعدة أو في الاثنى عشر) ارتفاع ضغط الدم الرئوي، احتشاء (موت جزء من) إحدى الرئتين خلال الشهرين السابقين للجراحة، وجود عدوى نشطة في الأيام القليلة السابقة للجراحة، التهاب القصبة الهوائية الحاد أو الخطير، التسمم بالكحول (نتيجة الإدمان)، مرض الكبد، أمراض الأوعية الدمويـة، ونقص كفاءة الكليتين. توافق فصائل الدم بين المتبرع (أو المتطوع) بقلبه وبيـن المُسْتَقبِل. أمـا توافـق العـامل الحاث الموجـود على غشـاء خلايا الـدم البيضاء «Human Leucocyte Antigen» (أو اختصارا «HLA») فلم يعد شرطًا ضروريا وفق المتبع في المراكز المذكورة عاليه.
وبسبب التكاليف الباهظة لجراحة زراعة القلب، والعبء النفسي الكبير الواقع على الإنسان المستقبل، وبسبب حجم العمل الفني والمهني في مثل هذه الجراحات، يتعين إجراء تقييم نفسي للمريض قبل الجراحة، للتأكد من صحته النفسية وملكاته العقلية وقدرته على استيعاب الموقف نفسيا وذهنيًا، مع الاستعداد لتحمل الأعباء والنتائج المترتبة على الجراحة.
من يتطوع بالقلب؟
وينبغي على المتطوع بقلبه أن يحقق عددا من الشروط، هي:
أن تعلن وفاة المتطوع قبل الحصول على قلبه، وفقا للمعايير والشروط التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لموت مخ الإنسان.
أن يتراوح عمر المتبرع بقلبه بين الثانية عشرة والخامسة والثلاثين (12 – 35) إذا كان ذكرًا، وبين الثانية عشرة والأربعين (12- 40) إذا كانت أنثى. (يطالب جراحون في الولايات المتحدة بتوسيع مدى أعمار المتبرعين بأعضائهم بحيث يشمل متبرعين تصل أعمارهم إلى الخامسة والخمسين (55) وذلك للتغلب على النقص الفادح في القلوب المتوافرة للزراعة).
توافق وزن الجسم بيـن المتبرع والمستقبل، بحيث لا يقل وزن جسم المتطوع عـن وزن جسم المستقبل بأكثر مـن نسبة عشرين في المائة (20 في المائة). ويمكن أن يزيد وزن جسم المتطوع على وزن جسم المستقبل بنسبة (30 – 40 في المائة).
ألا يكون المتبرع بقلبه مصابًا بمرض في القلب أو بمرض عضوي، وأن يكون جسمه خاليا من أي عدوى وقت استخراج القلب منه.
عادة يؤخذ القلب من ضحايا الحوادث، خصوصًا صرعى إصابات الرأس. ويشترط لذلك وجود تصريح مسبق باستخراج القلب في حال الوفاة. ويتمثل ذلك في حمل بطاقة التبرع بالأعضاء، أو في تسجيل الاسم – أثناء الحياة – ضمن قائمة المتطوعين في أحد المراكز الطبية المشتغلة بهذا الأمر. كذلك يؤخذ قلب من يشترك في برنامج التبرع بالأعضاء - عند الوفاة - الذي تعلن عنه مراكز زراعة الأعضاء، في شتى أنحاء المعمورة، والتي ترتبط ببعضها من خلال قاعدة بيانات متداولة بين تلك المراكز.
تحصيل القلب
يجب أن نبادر إلى القول إن جراحة زراعة القلب ما كانت لتتم لولا التقدم الذي أحرزه الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين، على كل صعيد. وبفضل سهولة الاتصال ويسر الانتقال، يمكن التنسيق بين سائر المراكز المختصة لتدبير الحصول على قلب متطوع في أقل وقت ممكن.
والخطة المتبعة في سائر مراكز زراعة القلب هي عمل قائمة بأسماء جميع المرضى الذين يتنظرون توافر قلب متطوع. وتشمل هذه القوائم جميع المعلومات المتعلقة بكل مريض يرد اسمه على القائمة. ويجري تبادل هذه القوائم بين المراكز المختصة في عملية تنسيق تعتبر حجر الزاوية في نجاح المهمة كلها.
عندما يتوافر متطوع في أحد المراكز يتوافق مـن حيث المبدأ مـع مُسْتَقبِل في مكان آخر، فسرعان ما يتـم تبادل المعلومات بين المركزين، والتجهيز بسرعة لإجراء الجراحة. ثم ينطلق فريق طبي من المركز المستقبِل إلى مركز المتطوع على جناح السرعة، حيث يقوم ذلك الفريق، بمعاونة فريق محايد (أي غير متخصص، ولا مشتغل بزراعة القلب) من مركز المتطوع بفحص الإنسان المتبرع، والتحقق من وفاته من ناحية، ومن وفائه بالشروط سالفة الذكر من ناحية ثانية.
وبعد الفراغ من هذه الخطوة الأولية، والتثبت من صلاحية قلب المتبرع، تؤخذ عينة من دمه، وترسل نتائج تحليلها بسرعة إلى المركز المستقبل لمضاهاة النتائج مـع نتائج تحليل عينة دم مـن الإنسان المُسْتَقبِل.
هنا يجب الانتباه إلى أن مهمة مركز المتطوع هي المحافظة على دورة الدم في جسم المتبرع بعد موت مخه. ويمكن تحقيق ذلك بالاستعانة بأجهزة دعم الحياة (life support machines).
وينقل جثمان المتطوع بعد ذلك إلى غرفة العمليات، حيث يُجرى استخراج قلبه. وإذا كان ذلك الميت قد تبرع أثناء حياته بأكثر من عضو، مثل القلب والكبد والكليتين، فيتواجد في مسرح العمليات في هذه الحالة أكثرُ من جراح، كلٌ يختص باستخراج العضو الذي جاء لأجله. ويجري التنسيق وتقسيم العمل بين الجراحين قبل بداية تشريح الجثمان.
بمجرد استخراج القلب من جثة المتطوع، يخطر المركز المستقبل هاتفيًا بذلك. ومن هذه اللحظة إلى عودة الفريق بقلب المتطوع إلى مركز الاستقبال، يستمر الاتصال بمعدل مرة كل خمس عشرة دقيقة على الأقل، لضمان تنسيق خطوات العمل وتجهيز المريض المستقبل لجراحة زراعة القلب.
حفظ القلب
أثناء استخراج قلب المتطوع، يعالج القلب بعدة محاليل وعقاقير، الغرض منها تبريد القلب وتجهيزه للحفظ إلى أن يصل إلى غرفة العمليات في مركز الاستقبال. وبمجرد استخراجه من جسم المتطوع، يوضع القلب في محفظة (كيس) معقمة تحتوي على مائتي سنتيمتر مكعب (200 سم) من محلول خاص (Lactated Ringer’s Solution) عند درجة حرارة 4 مئوية. ثم توضع هذه المحفظة داخل محفظة أكبر من البلاستيك بحيث يكون القلب معلقًا داخلها في وضعه الطبيعي. ثم تلف محفظة البلاستيك بعدة أكياس معقمة، ثم توضع في وعاء تبريد (إناء يحتوي على ثلج).
على الرغم مـن أن قلب المتطوع يمكن حفظه بالطريقة المذكورة لمدة أربعة وعشرين ساعة من وقت قطع الدم عنه أثناء جراحة استخراجه، إلا أن الإجماع بين المراكز المختلفة هو على عدم تجاوز فترة أربع ساعات على القلب المحفوظ عند زراعته في الإنسان المستقبل. وقد أجريت جراحة زراعة القلب مرة واحدة بعد سبع عشرة ساعة من استخراجه من جسم المتطوع. لكن «فترة الأمان» في نظر مـراكز زراعة القلب هي ثلاث إلى أربع ساعات من وقت قطع الدم عن قلب المتطوع.
بسبب قصر فترة الأمان، تتضح أهمية سرعة التصرف، وسرعة الانتقال، فأما سرعة التصرف فتوفرها مهارة الفريق الذي يأخذ على عاتقه مهمة إحضار قلب المتطوع، وأما سرعة الانتقال فتتوافر بتخصيص مخرج خاص من غرفة العمليات مباشرةً إلى حيث تربضُ طائـرةٌ مروحية لنقل الفريق إمـا إلى مركز الاستقبال وإمـا إلى أقرب مطار، ليستقل الفريق طائـرة سريعة إلى مركـزه. بعض مراكز زراعة القلب تمتلك طائرة أو أكثر خاصة بها، والبعض الآخر منها يعتمد على تعاون شركات الطيران بتوفير طائرة فور نشوء ظرف يستدعي ذلك.
ما بعد الجراحة
لن نتطرق هنا إلى التفاصيل الفنية لإجراء الجراحة، لأنها وراء نطاق هذا المقال.
وبعد زراعة القلب، ينقل المريض إلى وحدة العناية المركزة، حيث يُفْرَضُ عزل كامل بهدف تقليص فرصة حدوث عدوى. ويتابع فريق متخصص نشاط القلب المزروع، وكذا نشاط باقي أجهزة الجسم، على مدار الساعة ويستعان في ذلك بعشرات الأجهزة المتقدمة.
ويعطى المريض من وقت وجوده في غرفة العمليات عدة عقاقير رئيسية، عن طريق الحقن في الوريد في بادئ الأمر، ثم عن طريق الفم حالما يتمكن المريض من ذلك. وأهم هذه العقاقير ما يلى:
أحد مستحضرات هورمون كورتيزون، لتمكين الجسم من احتواء صدمة الجراحة.
عقار لتنشيط عضلة القلب المزروع وتنظيم ضرباته.
عقار كابح لجهاز المناعة في جسم المستقبل، للحيلولة دون وقوع ظاهرة الرفض.
من اليوم الثاني بعد الجراحة ولمدة أسبوعين، يعطى المريض عقارًا لمنع تكوين جلطة داخل الأوعية الدموية.
يتعاطى المريض تلك العقاقير لفترات متباينة تبعًا لدورها في العلاج، وتبعا لتطورات الحالة.
في اليوم الثالث بعد الجراحة، يبدأ المريض في الحركة داخل غرفته. ومن ذلك فصاعدا، تزداد حركة المريض يومًا بعد يوم، على ضوء برنامج معين يتضمن تمرينات رياضية.
يبقى المريض في وحدة العناية المركزة ما بين ستة إلى عشرة أيام ما لم تحدث مضاعفات، بعدها ينقل المريض إلى قسم في المستشفى حيث يبقى نزيلاً ما بين خمسة إلى سبعة أسابيع. وإذا سارت الأمور على مايرام، يسمح للمريض بمغادرة المستشفى، ليستأنف بالتدريج حياته اليومية المعتادة.
المضاعفات
أخطر المضاعفات لجراحة زراعة القلب هي الظاهرة المسماة «الرفض» «rejection». فجهاز المناعة في جسم الإنسان المُستَقبِل يعامل القلب المزروع كجسم غريب، فيكوّن أجساما مضادة له. وتعمل الأجسام المضادة على قتل الجسم الغريب – الذي هو في هذه الحالة القلب المزروع. حدوث معركة بين الأجسام المضادة كوسيلة دفاعية من ناحية، وبين الجسم الغريب (القلب المزروع) من ناحية أخرى، هو ما يسمى «الرفض». أي أن الجسم يرفض استقبال ذلك الجزء الغريب (القلب المزروع).
هناك صورتان (أو نوعان) لظاهرة الرفض: أحدهما يسمى «الرفض الحاد»، وفيه تحتدم المعركة خلال أيام قليلة من زراعة القلب فتؤدي إلى إبطال عمله، وبالتالى موت الإنسان المُسْتَقبِل بعد أيام من الجراحة. والنوع الثاني يسمى «الرفض المزمن»، ويحدث على مدى عدة شهور قـد تصل حصيلتها إلى عامين أو أقل أو أكثر قليلا، ويؤدي إلى النتيجة السابقة نفسها - موت الإنسان المستقبل.
من هنا فإن تعاطي عقار كابح لجهاز المناعة بعد جراحة زراعة القلب يعتبر ضرورة حيوية. وهناك تقارير مستفيضة في هذا الشأن مفادها أن استخدام العقار «سايكلوسبورين» الكابح لجهاز المناعة منذ عام 1983 إلى اليوم جاء بنتائج مشجعة.
وعلى أي حال، فإن استخدام العقاقير الكابحة لجهاز المناعة أمر لا يخلو من الخطر في حد ذاته. فإذا كان الكبح يحول دون الرفض، فإنه من جهة أخرى يفتح الباب واسعًا أمام حدوث عدوى، ذلك أن جهاز المناعة من خطوط الدفاع الرئيسية في الجسم ضد العدوى. فإذا انهارت قلعة جهاز المناعة فلا عجب أن يتعرض الجسم للغزو بشتى الميكروبات.
لذلك فإن العدوى هي ثانية أخطر مضاعفات جراحة زراعة القلب، وأخطر ما تكون العدوى في الرئتين، إذْ قد يذهب التهاب حاد في الرئتين بحياة المريض، على الرغم من نجاح الجراحة فنيًا.
وما عدا ذلك من مضاعفات لجراحة زراعة القلب فهو مماثل لمضاعفات أي جراحة كبرى. (بمعنى أنه ليس مقصورًا على هذا النوع من الجراحة - ولهذا لن نتطرق لذكره).
اعتبارات اقتصادية وقانونية
جراحات زراعة الأعضاء، بما في ذلك جراحة زراعة القلب، من أغلى أنواع الجراحة وأعلاها تكلفة. ففي الولايات المتحدة يكلف المريض الواحد ما بين 55 ألفًا إلى 150 ألف دولار، ويشمل هذا المبلغ التكاليف الفعلية لإجراء الجراحة، مضافة إليها تكاليف الإقامة في المستشفى لمدة (5-7) أسابيع بعد الجراحة. وفي بريطانيا تكلف الجراحة وحدها حوالى 29000 جنيه استرليني، خلافا لنفقة الإقامة في المستشفى وتكاليف العلاج.
عامل التكلفة مسألة مهمة على كل صعيد، والعلاج الطبي ليس استثناء من القاعدة، وهذا أمر يؤخذ في الاعتبار عند تقييم جدوى أي وسيلة علاجية، والنظر إلى إمكانية استمرارها في المستقبل.
وفضلا عن العامل الاقتصادي وتحكمه في مستقبل جراحة زراعة القلب، هناك اعتبارات قانونية ذات أبعاد خطيرة. وإذا كانت المؤسسات الطبية، متمثلة في منظمة الصحة العالمية، قد تمكنت من التغلب على عقبة تعريف الوفاة بوضع الشروط اللازمة لتشخيص موت المخ، تبقى عقبة الحصول على عدد كافٍ من المتطوعين لتغطية الطلب الزائد على أعضاء للزراعة. وبينما لا تسمح كثير من البلدان – وفق القوانين المعمول بها فيها – باستخراج عضو من جثمان إنسان ميت ما لم يكن ذلك الإنسان متبرعًا اختياريًا (إراديًا) أثناء حياته بذلك العضو، فإن بلادًا أخرى أدخلت قوانين جديدة، مفادها أن كل إنسان ميت يعتبر متبرعًا بأعضائه، ما لم تكن هناك وصية مسبقة بعكس ذلك. والإنسان في تلك البلاد الأخيرة لا يحتاج إلى حمل بطاقة تبرع بالأعضاء، وإنما يحتاج إلى حمل بطاقة بعكس ذلك.
في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرهما يستوجب القانونُ وجودَ تصريح مسبق من أي إنسان للتبرع بأعضائه عند الوفاة، لكن في بلاد اسـكندنافيا، خصوصا السويد، كل ميت يعتبر قانونًا متبرعًا بأعضائه، ما لم يصدر عن الإنسان أثناءَ حياته ما يَجُبُّ ذلك.
من غير المعروف ما إذا كان تعديل القانون على هذا النحو في السويد سوف يحل مشكلة نقص الأعضاء، فكما هـو واضح من الكلام السالف عن شروط التبرع، لا تصلح الأعضاء من أي إنسان للزراعة.
احتمالات المستقبل
يمكن تشبيه جراحة زراعة القلب بالسفر إلى الفضاء من حيث أن كليهما يحتاج إلى كفـاءة علمية فائقة، ومهارة فنية عالية، مع حشد مـن التكنولوجيا الآليـة (أو بتعبير أبسط: أجهزة متقدمة)، وقبل كل هذا وبعده مال وفير.
معنى ذلك أن جراحة زراعة القلب ستبقى محصورة في عدد قليل من البلدان الغنية المتقدمة علميًا ومهنيًا، لزمن غير قصير.
ومن المنظور أن تلقى قوانين مثل تلك التي أقرتها السويد معارضة شديدة إذا ما أريد إقرارها في بلاد مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وعلى ذلك، فإن مشكلة توفير عدد كافٍ من أعضاء المتطوعين سوف تبقى قائمة لزمن يصعب تقديره.
وفضلا عن ذلك كله، يبقى هناك سؤال مُلِحّ عن جدوى جراحة زراعة القلب، وعن نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان المُستَقبِل بعد الجراحة. فمعدل الحياة لخمس سنوات ما زال يتأرجح حول (70 في المائة). ومعدل الحياة لعامين بعد الجراحة يتجاوز قليلا (80 في المائة)! فهل يستحق الأمر كل هذا العناء؟! إنه التشبث بالحياة على أي حال.
زراعة القلب : المرفق الأول كريستيان بارنارد
كريستيان بارنارد Christian Barnard ولد في جنوب أفريقيا في عام 1922. وبعد تخرجه في كلية الطب في «مدينة الرأس» (Cape Town) (في جنوب أفريقيا) عمل جراحا عدة سنوات، قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأميريكية ليتلقى تدريبًا في ولاية «مينيسوتا» على جراحة القلب لسنوات أخرى، عاد بعدها إلى جنوب أفريقيا فأنشأ في مستشفي بمدينة الرأس أول وحدة في بلده لجراحة القلب.
في 3 ديسمبر عام 1967 أجرى كريستيان بارنارد أول جراحة من نوعها في تاريخ البشرية، حيث قام بنقل قلب شخص توفي إثر حادث طريق، إلى جسم شخص يدعى « لويس واشكامسكى» «Lewis Washkamsky». كان المريض في الثالثة والخمسين من عمره، وقد توفي بعد (18) يومًا من الجراحة بسبب إصابته بالتهاب رئوى.
كانت جراحة زراعة القلب التي قام بها كريستيان بارنارد إيذانًا ببداية عصر جديد في الممارسة الطبية، إذ فتحت الباب واسعًا أمام جراحة زراعة الأعضاء التي أنقذت حياة عشرات الآلاف من البشر في أرجاء المعمورة. ومن أجل ذلك استحق كريستيان بارنارد مكانة بارزة بين عظماء الرواد في حقل الطب، من أمثال باستير وكوخ، وجينر، وغيرهم.
زراعة القلب : المرفق الثاني التحايل على ظاهرة الرفض
أحدث ابتكار العقار « سيكلوسبورين « « Cyclosporin « في النرويج عام 1974م طفرة نوعية في جراحة زراعة الأعضاء، إذ أمكن استعماله بنجاح للقضاء على ظاهرة الرفض، اعتبارًا من عام 1983 م.
إلا أن استعمال العقار المذكور الكابح لجهاز المناعة بشكل دائم طوال حياة مستقبلي الأعضاء المزروعة، أدى إلى استمرار البحث عن وسيلة تمنع ظاهرة الرفض دون تأثير سلبي على مستقبلي الأعضاء المزروعة.
في الأول من أكتوبر عام 2..2، أعلن جراحون وباحثون في الولايات المتحدة أن نوعين من البروتين جرى حقنهما في قردة أجريت لها جراحة زراعة كُلَى، يمكن أن يقضي على ظاهرة الرفض في زمن قصير، ودون الحاجة إلى استعمالهما مدى الحياة – كما في حالة العقار «سيكلوسبورين».
أُطْلِق الرمز «CTLA4 - IG»، والرمز «5C8» على نوعي البروتين. وكلاهما يعمل على كبح عمل نوع من خلايا جهاز المناعة، يعرف باسم «الخلايا الليمفاوية ت» (T Lymphocytes)، وهي الخلايا المسئولة عن حماية الجسم من المواد الغريبة.
وفي تجربة شملت (12) قردا، أجريت لكل منها جراحة زراعة كُلْيَة (Kidney Transplant) جرى حقن ثمانية من القرود بهذين النوعين من البروتين يوميا لمدة (28) يوما. وكانت صحة تلك القرود جيدة بعد (150) يوما من إجراء الجراحة. أما القرود الأربعة الأخرى التي لم تعطَ هذا النوع من العلاج فقد توفيت خلال أربعة أسابيع من تاريخ إجراء الجراحة!
هذا، ولايزال البحث جاريًا لإيجاد حل جذري لظاهرة الرفض.
زراعة القلب: المرفق الثالث دعوة لإنقاذ حياة الآخرين
في موقع زراعة القلب، التابع لـ «جمعية القلب البريطانية» على شبكة الإنترنت، يذكر المواطن البريطاني جون فيشر John Fisher أن جراحة زراعة القلب أجريت له في يوليو عام 2000، حين كان في الثامنة والثلاثين من العمر. ومنذ ذلك الحين إلى اليوم اشترك المواطن المذكور خمسَ مرات في سباق لندن للعَدْو (الجَرْى) وهو سباق مفتوح يجرى مرة كل عام!
يهدف جون فيشر» من تلك الرواية إلى القول إن نوعية الحياة بعد جراحة زراعة القلب قد تكون طبيعية تماما إلى الحدِّ الذي يمكن الإنسان من الاشتراك في سباق للعدو خمس مرات.
وإذْ يشعر جون فيشر بالامتنان العميق للمتوفى الذي تبرع له بقلبه، ويدعى ستيفن تيبي (Steven Tibbey)، فإنه يوجه الدعوة للحصول على بطاقة التبرع بالأعضاء (في حالة الوفاة) إلى جميع الأحياء، إنقاذا لحياة الآخرين.
زراعة القلب : المرفق الرابع غَرْسُ الأعضاء
في بحث قيم للدكتورة ندى محمد نعيم الدقر، بعنوان: «موت الدماغ بين الطب والإسلام»، نشرته دار الفكر، في دمشق، عام 1997، اقترحتْ الكاتبة استعمال كلمة «غَرْس» مكان كلمة زراعة، بحيث يصبح التعبير «غرس الأعضاء» بدل «زراعة الأعضاء». تفسير ذلك أن كلمة زراعة تفيد الاستنبات، أي النماء بعد البَذْر. أما كلمة غرس، فتفيد نقل نبتة متكاملة على حالها من تربة إلى أخرى. فإذا استعير المعنى من حقل الزراعة إلى حقل الطب، يكون تعبير «غرس الأعضاء» أصوب وأدق من تعبير «زراعة الأعضاء».
وقد رجعتُ إلى قواميس اللغة فألفيتُ ما ذكرته الدكتورة ندى في دراستها القيمة صحيحًا.
على أننا استعملنا في بحثنا كلمة «زراعة» لأنها أكثر شيوعًا، وإن كانت أقل دقة من كلمة «غرس»، بانتظار أن يتم تعميم اللفظ الأدق على الدوائر الطبية والعلمية.