من
المفترض ان يكون رد سورية على مبادرة لجنة المتابعة التابعة لجامعة الدول
العربية قد وصل، واطلع عليه الامين العام الدكتور نبيل العربي، تمهيداً
لعرضه على وزراء الخارجية العرب الذين سيجتمعون في القاهرة بعد يومين.
السلطات
السورية تقول ان ردها كان ايجابياً، وانها توصلت الى اتفاق مع الجامعة حول
هذه المبادرة، لكن السيد العربي ينفي مثل هذا الاتفاق، الامر الذي يضيف
الكثير من الغموض حول هذه المسألة الغامضة اساساً.
المبادرة العربية
تطالب السلطات السورية بسحب الدبابات من المدن والشوارع واعادتها الى
ثكناتها، ووقف اعمال القتل للمنتفضين والانخراط في حوار مع المجلس الوطني
الانتقالي السوري المعارض تحت قبة الجامعة في القاهرة، والرد الايجابي على
هذه البنود يعني القبول بها جميعاً، واظهار استعداد قوي لتنفيذها.
نفي
الدكتور العربي للاتفاق الذي تحدثت عنه السلطات السورية قد يكون عائداً الى
مطالبة الاخيرة، اي السلطات بادخال بعض التعديلات التي ترى انها ضرورية،
مثل وقف 'الحملات' الاعلامية من قبل قناتي 'الجزيرة' و'العربية'، ومنع
عمليات تهريب السلاح الى بعض الجماعات المسلحة داخل سورية، وهي تعديلات او
اضافات تبدو غير مرحب بها من قبل الدول العربية الداعمة لهذه المبادرة.
ان
اكثر ما يزعج السلطات السورية التغطية الاعلامية المكثفة للاحداث في سورية
من قبل قناة 'الجزيرة' على وجه الخصوص، وهي تغطية ترى فيها هذه السلطات
انحيازاً واضحاً للانتفاضة السورية، ومبالغة في نقل وقائعها.
الرد على
هذه الاتهامات يجب ان يكون من خلال السماح للقنوات الفضائية العربية
والاجنبية بالدخول الى سورية وتولي مسؤولية نقل فعاليات الاحتجاجات بكل
حرية، ويكون الحكم في نهاية المطاف للمشاهد، وهناك سوابق عديدة في هذا
الاطار، ابرزها سماح الرئيس العراقي صدام حسين للقنوات الاجنبية والعربية
بتغطية الحرب على العراق سواء اثناء اعلان القوات الامريكية الحرب على
بغداد لاخراج قواتها من الكويت عام 1991 او اثناء غزو هذا البلد واحتلاله
في آذار (مارس) عام 2003. ولا ننسى اقدام نظام العقيد معمر القذافي على فتح
ابواب طرابلس ونوافذها للمراسلين الاجانب لتغطية وقائع الحرب الاخيرة.
السلطات
السورية لا تستطيع ان توحي بقبولها بالحوار مع المجلس الوطني الانتقالي
الممثل لقطاعات عريضة من الشعب السوري، وتستمر في الوقت نفسه في قتل
المحتجين وملء السجون بالمئات وربما الآلاف من المعتقلين، فاذا ارادت
الحوار بصورة جدية فان عليها ان تسحب الدبابات من المدن والشوارع، وتكف يد
القوات الامنية عن الشعب الثائر ضد النظام.
لا نعرف ما هو موقف المجلس
الوطني الانتقالي المعارض من المبادرة العربية، والفقرة المتعلقة بالحوار
الواردة فيها، فهل يقبل هذا المجلس الحوار مع نظام يطالب برحيله ويعتبره
غير شرعي؟
من الصعب الاجابة على هذا السؤال، وتزداد هذه الصعوبة أكثر
اذا وضعنا في اعتبارنا عدم صدور اي بيان واضح عن المجلس الانتقالي ورئيسه
يحدد الموقف من مسألة الحوار هذه، ولا نستغرب ان يؤدي القبول الى حدوث
خلافات في اوساطه، والشيء نفسه يقال عن الرفض لان اي رفض للحوار مع النظام
سيضع المجلس في موقف حرج مع الدول العربية التي تبنت هذه المبادرة العربية
والخليجية منها على وجه الخصوص، وهي الدول التي تعتبر الداعم الرئيسي
للانتفاضة السورية سياسياً واعلامياً وربما عسكرياً ايضاً.
اختيار
النظام السوري لوليد المعلم لرئاسة وفده لحضور اجتماعات لجنة المتابعة
العربية في الدوحة يعني انه بات يميل الى الدبلوماسية وليس الصدام على غرار
ما حدث اثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل اسبوعين حيث
اوكلت هذه المهمة الى السيد يوسف الاحمد احد ابرز المتشددين والصداميين في
هذا النظام.
السيد المعلم دبلوماسي محترف، يتمتع بأعصاب باردة، وقدرات
كبيرة على المناورة السياسية، وهو معروف بعمادته لمدرسة 'نقبل ولكن' ولهذا
علينا ان نتوقع حواراً مارثونياً في حال قبول الطرفين بالانخراط فيه.
النظام
السوري يجب ان يسلم بحقيقة اساسية وهي ان الاحتجاجات لن تتوقف مهما تعاظمت
عمليات القتل واستفحلت، وان عدم التنازل للشعب الذي هو قمة الفضائل، فان
هذا سيؤدي الى غرق البلد في حرب استنزاف دموية سيكون هو الخاسر الأكبر فيها
في نهاية المطاف حسب معظم التوقعات، خاصة ان وتيرة تهريب الاسلحة الى
الجماعات السورية المسلحة تزايدت في الأسابيع الاخيرة عبر الحدود الاردنية
واللبنانية والتركية وربما العراقية ايضاً.