لو تُركَت جثة القذافي للأطفال للعبوا الحبل بمصارينه
هشام فهمي
2011-10-24 23:57
أخذنا أخيرا ثأرنا من القذافي. الثوار البواسل سحلوه مكاننا على
الشاشات الفضائية. لو كانت آكلة الأكباد هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي
سفيان،حيّة، لكانت فُرجَتنا أكبر وأبهى، ولرأيناها تبقر بطن الشاشة لتخرج
كبد القذافي، ولردّدنا معها بلحن جنائزي "شفيت نفسي وقضيت نذري". لم يكن
المشهد متوقّعا بهذه الروعة. كأن الثوار أخرجوا الجرذ الأخضر من أحد
البواليع، مترب الوجه، شعره المستنبت يكشف عن صلع كان من أسرار الدولة.تحيط
فوهات المسدّسات والبنادق برأسه الملطّخ بالدّم. كل أيدي الثوار امتدّت
إليه، بالخبط واللّكم، ولم يسلم حتى من تلك اليد التي رأيناها خلسة في
الفيديو تعبث من خلف ظهره وتنغرز بمؤخرته على أصوات التهليل والتكبير
المنتصرة. البطل الثائر الذي اكتشف القذافي، عثر معه على مسدس ذهبي يليق
بديكتاتور محترف، وفوجئ بأنه قصير القامة ويخفي ذلك بأحذية عالية الكعب كي
يبدو أعلى من شعبه.
الجميع جاء ليرى جثة القذافي المرمية في غرفة تبريد قذرة، الجميع يريد
أن يشفي غِلَّه وغليله، حتى الأطفال تسلّوا بجثته ولو تُركت لهم لكانوا
لعبوا الحبل بمصارينه. أروع ما قام به الثوار البواسل أنهم نكّلوا بالزعيم،
بالصورة والكلمة، فرأينا بعضهم يقرفصون حول الجثة ويهجونها شعرا. دعاة
الإسلام الوهابي وفقهاؤه، أفتوا بأنه لا يستحق صلاة الجنازة، وحسموا مروره
إلى جهنّم، فالقرضاوي هو أول من أباح دمه، أما تلميذه المغربي عبد الباري
الزمزمي، فقد شنّف أسماعنا بالعبر التي يمكن أن نستفيدها من القتل، كأن
فقهاء الموت هؤلاء، هم جلّادو الأرض الذين يطبّقون العقاب الإلهي. السؤال
الذي يطرح نفسه بحدّة، لماذا لا يرى هؤلاء في أولياء نعمتهم الوهابيين أنهم
طغاة أيضا؟ ثمّ ألم يشرعن الدين كيفية التعامل مع أسرى الحرب ؟ وهل هذا
يتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي يبدو أن هؤلاء لا يهتمون
بمضمونها بل بكونها فقط آتية من الغرب الكافر؟
القذافي لم تنفع معه الأحجبة التي كان يحملها معه حتى يصبح لامرئيا،
وعندما طوّقته كتائب الثوار كان يستعطفهم بالقول " شو صاير، أنا معمر
القذافي"، فهو لم يصدّق ما حدث له، رغم أنه كان أول من تنبّأ بسقوطه وسقوط
أقرانه في إحدى المؤتمرات بالدوحة، فضحك منه القادة العرب بينهم حسني
مبارك، الذي لم يتمالك اليوم نفسه للإجهاش بالبكاء أمام فظاعة صور سقوط
المجنون.
42 سنة واللّيبيون نائمون مع جرذ في غرفة واحدة. لم نسمع أصواتهم أبدا.
مسحهم القذافي مسحا، نسمع عن اللجان الشعبية لكن الشعب لا مرئي. الآن حان
الوقت كي نراه، ونرى كيف سيصنع مستقبله. القذافي كان لا يؤمن بالديمقراطية
أصلا، و قد سمّاها في إحدى حواراته التلفزيونية الساخرة التي سنفتقدها
كثيرا : "الدموكراسية" وشرحها على أنها تعني " الدهماء على الكراسي"، لأن
من هبّ ودبّ يصعد باسمها، ومن يستحق هم العباقرة أمثاله، فعوض التنكيل
بجثته يستحق أن يشرّف بأن يحنّط ويوضع بمتحف الفن المعاصر العربي. الآن
انتهى القذافي، حاملا معه أسراره التي تهدد الغرب لتورّطه في جرائمه
وأمواله التي مازالت مجمّدة في أبناكه. الغرب يحوّم الآن بطائرات الناتو
فوق كعكة البترول، وسنرى كيف سيحميها الليبيون. مؤخرا التقيت شابا ليبيا في
مقهى من مقاهي مراكش، هاربا من الحرب الأهلية، وصرّح لي أنه يخفي في بيته
ذخيرة من القاذفات و بنادق الكلاشنيكوف لحماية نفسه وعائلته، وهذا أكبر
تحدّ بالنسبة لليبيين، أن يجمعوا أدوات الخراب المخزّنة في بيوتهم.
من حسن الحظ، أن ليبيا ليست هي تونس أو مصر، لسبب بسيط أنه لا وجود
أصلا لنظام يمكن إسقاطه، النظام كان هو القذافي وقد تخلّصت منه القبائل
الليبية. وفي الختام أنقل لكم بالحرف هذه الطرفة التي تداولها بعض
الفايسبوكيين: "يقال أن بورقيبة في أحد سجالاته مع القذافي حاول إقناع
الأخير بأن يخفّف من التسلح وتعليم شعبه، فسأل القذافي بورقيبة : لماذا؟
ألا تخاف أن يثوروا عليك لو علمتهم؟ أجابه بورقيبة: أفضل أن يثور علي
متعلمون من أن يثور علي متخلفون"