إلى محترفي الإنتخابات وسماسرة "السياسة الصغرى"
أحمد عصيد
2011-10-26 17:24
التصريح الذي نشرته جريدة أخبار اليوم للسيد امحمد الخليفة يوم
الخميس 20 أكتوبر الجاري، والذي أعلن فيه استعداده لـ"منازلتي" خلال
الإنتخابات في "دائرة يوجد بها أمازيغيون" (كذا!)، يكشف عن مدى ضعف
الفاعلين الحزبيين وهشاشة وعيهم السياسي، ومدى ما وصلت إليه الساحة
السياسية من ميوعة. فالموضوع المطروح بين الفاعلين الأمازيغيين وحزب
الإستقلال لا يتعلق بالصراع حول دوائر انتخابية، لأن دور المجتمع المدني
ليس هو خوض الإنتخابات ومنافسة الأحزاب، بل هو الحرص على الضغط عبر اللوبي
المدني من أجل دمقرطة الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية بالمغرب، وحلّ
أزمة الثقة في المؤسسات، وهو أمر لا يبدو أنه يشغل السيد الخليفة الذي تظل
أعينه مشدودة إلى مقعده، حتى ولو كان داخل مؤسسة عديمة المصداقية، وفي
لعبة أصبحت مقززة بالنسبة لـ81 في المائة من المغاربة كما تبين ذلك سنة
2007.
إنّ الإنشغال بالإنتخابات وصناديق الإقتراع وكراسي الحكم والتسيير
والتدبير هو أمر طبيعي بالنسبة لكل فاعل سياسي، غير أنه لا يكون أمرا مجديا
إلا عندما يكون قائما على قواعد ديمقراطية واضحة وسليمة، وفي شروط تضمن
ممارسة السياسة بشكل نظيف وفعّال، أما في مناخ يطبعه الريع السياسي وعلاقات
الولاء والطاعة ودرجة عالية من الفساد البنيوي المستحكم، فإن التبجّح
بالأصوات الإنتخابية والدوائر والصناديق يُصبح ضربا من الهذيان الإنتخابي
الذي قد يوصل بعض الناس إلى بعض الكراسي ، لكنه للأسف لا يساهم في تغيير
الواقع المتردّي، وحتى الذين يرغبون في تغيير الواقع من داخل النسق الفاسد،
يفاجئون بعد سنوات من ممارسة السخرة الإدارية بأن الشيء الوحيد الذي ربحوه
هو المبالغ المالية التي استقرت في جيوبهم، والمصالح التي قضوها لأنفسهم
وذويهم، وهذا بالذات هو ما لا يمثل مشكلا بالنسبة لحزب الإستقلال، الذي
تمرّس في هذه اللعبة منذ بدايتها، وأصبحت بتفاصيلها جزءا من هويته الحزبية.
أما الإنتقادات التي وجهناها لحزب الإستقلال فتأتي في إطار الحملة
العقابية التي تشنها الحركة الأمازيغية ضدّ هذا الحزب، ليس على ما قام به
من قبل ضدّ الأمازيغية من مواقف عدائية سافرة وبادية للعيان، لأنّ الدستور
يجبّ ما قبله، بل أيضا ضدّ التهديد والوعيد الذي أطلقه بعض أعضاء الحزب،
وكذا جريدته، ضد مكاسب الأمازيغية التي راكمتها في العشر سنوات الأخيرة،
والتي منها الحرف الأمازيغي تفيناغ، رمز الهوية الأمازيغية للمغرب وشمال
إفريقيا. وهو التهديد الذي يعني أن هذا الحزب سيواصل عرقلته لإدراج
الأمازيغية في مختلف القطاعات مستقبلا، فيما يشبه الإنتقام من ترسيمها،
وحفظا لماء الوجه أمام أتباع الحزب من الذين يرون في ترسيم الأمازيغية
تهديدا لمصالحهم.
إن المطلوب عوض إطلاق التصريحات المتهوّرة، هو التفكير بمسؤولية وحس
وطني في كيفية تجاوز مساوئ الماضي، والتي من بينها ثقافة الميز الطبقية
التي انتهجتها قيادة حزب الإستقلال ضدا حتى على تطلعات قواعد الحزب من
مختلف مناطق المغرب، ومن ذلك موقف الحزب من مكاسب الأمازيغية ومأسستها، وهو
موقف سلبي بحاجة إلى تطوير حتى يواكب مستجدات الساحة الوطنية وأهمها
الوثيقة الدستورية المعدّلة، ولتطوير هذا الموقف الإيديولوجي المتخلف لا
بدّ من إعادة النظر في مفهومي "الوطنية" و"الوحدة" لدى حزب الإستقلال،
فالوطنية العرجاء التي تبناها الحزب منذ نشأته، والتي تتغذى جذورها من
التربة الفرنسية اليعقوبية، ومن نموذج الدولة المركزية التقليدي الذي لم
يكن يتطابق مع الواقع المغربي الذي يطبعه تنوع راسخ وعميق، وكذا من أناجيل
القومية العربية التي حملها إلى المغرب سفير هذه الإيديولوجيا العرقية
الأمير شكيب أرسلان، وأطر من خلالها زعماء الحركة الوطنية المغربية من
أبناء العائلات الأندلسية في اجتماع عقد بتطوان في غشت 1930، هذه "الوطنية"
لم تعد تواكب في شيء تحولات المغرب المعاصر بتفاعلاته وديناميته الجديدة
التي أفضت إلى تعميق وعي المغاربة بالإنتماء إلى بلدهم، كما لم يعد يتماشى
مع التزامات المغرب الدولية، سواء في علاقته بالإتحاد الأوروبي أو مع الأمم
المتحدة والمنتظم الحقوقي الدولي.
إلى السيد البقالي، استثناءً:
لم أرغب قط في التعقيب على ما ينشره السيد البقالي عني شخصيا في الصفحة
الأولى من جريدة "العلم" لسان حزب الإستقلال، وذلك بسبب الأسلوب الذي
يتبناه الرجل في الكتابة، والذي ينصرف عن مناقشة المواقف والأفكار السياسية
إلى النهش في الأشخاص بدون بيّنة، وإذ أشكر للسيد البقالي اهتمامه بي
وبعملي داخل المؤسسة التي أشتغل بها، يُسعدني أن أقدم له المعطيات التالية
لمساعدته على تصحيح بعض ما ورد في مقاله المنشور بجريدة العلم يوم أمس
الثلاثاء 25 أكتوبر.
ورد في مقال السيد البقالي أنني لا أعمل إلا على خدمة مصالحي الشخصية،
وهو أمر أترك الردّ عليه لغيري، لأنني لا أحب الحديث عن نفسي كثيرا، أما
فيما يخصّ عملي ومدى كفاءتي في إنجازه فقد وقع السيد البقالي في أخطاء
فادحة بسبب عدم قيامه بعمله كصحفي، وهي أخطاء نصحّحها فيما يلي:
1) اعتبر السيد البقالي أنني انسحبت من المجلس الإداري للمعهد وقلبت
الطاولة على من فيه لمصالحي الشخصية، والحقيقة أنني لم أنسحب قط من المجلس
الإداري المذكور، وإنما المنسحبون هم سبعة أشخاص معروفون ونشرت أسماؤهم في
الصحافة الوطنية، ونشروا بيانا بذلك وقعوه بأسمائهم.
2) لم أغادر المجلس الإداري للمعهد إلا سنة 2006 بشكل طبيعي بعد أن
انقضت الأربع سنوات القانونية من عملي به (عينت به سنة 2002)، وبعد أن
خيّرت بين أن أحتفظ بعضويتي به أو أكتفي بموقع الباحث، واخترت مجال البحث .
3) حتى يطمئن السيد البقالي على المال العام (والذي لا يبدو أنه
يشغله عندما يتعلق الأمر باللوبي الإداري للحزب الذي ينتمي إليه)، فالمال
الذي تصرفه لي الدولة كباحث يتمّ تبريره من خلال تقارير مدققة ينجزها
المركز الذي أعمل به ويراقبها المجلس الإداري، وفي حالة ما إذا ثبت أنني لا
أقوم بعملي فليس على المؤسسة التي أعمل بها إلا الإستغناء عني .
وأقدم للسيد البقالي وللقراء موجزا بما حققته من أعمال كباحث بمركز
الدراسات الأدبية والفنية والإنتاج السمعي البصري، وإن لم أكن مضطرا إلى أي
توضيح:
فبعد أن قمت كعضو بالمجلس الإداري بالإسهام في تحرير استراتيجية المعهد
واختياراته وتوجهاته الكبرى على مدى أربع سنوات، قمت فيما يخصّ البحث
بالإسهام في تأليف أنطولوجيا الشعر الأمازيغي التقليدي، وأنطولوجيا الأمثال
الأمازيغية، وأنطولوجيا الألغاز، وهي مراجع أساسية بالنسبة لتدريس اللغة
الأمازيغية بجانب المعاجم اللغوية، كما قمت بتأليف كتاب موسوعي عن "إماريرن
مشاهير شعراء أحواش في القرن العشرين" وهو كتاب من 420 صفحة، وأعمل على
إتمام دراسة تحليلية نقدية عن الفيلم الأمازيغي، كما انتهيت من إعداد كتاب
يتضمن مجموعة دراسات في الأدب الأمازيغي الشفوي والمكتوب، وسأكون سعيدا أن
أهدي نسخا من هذه الأعمال للسيد البقالي ولمكتبة جريدة العلم.
وفيما يخصّ مجال النشر أقوم سنويا بصياغة تقارير عن ما بين 30 إلى 40 عمل مقترح للنشر بالمعهد من طرف كتاب ومبدعين من خارج المؤسسة.
وفي مجال جمع وتدوين التراث الشفوي أساهم في تأطير باحثين متعاقدين من
أجل توفير متن أدبي في متناول القراء والمهتمين عبر الأنظمة المعلوماتية.
وفيما يخصّ التكوين فقد ساهمت في تكوين مدرسي اللغة الأمازيغية في
العديد من المدن المغربية، وكذا مدراء المدارس والمفتشين وطلبة الماستر
والمسالك الأمازيغية وإعلاميي الصحافة الأمازيغية.
وفي ما يخصّ المجال السمعي البصري فقد أنجزت تقارير حول وضعية
الأمازيغية في التلفزيون والإذاعة، وقمت بصياغة خمسة مشاريع برامج ثقافية
للتلفزيون، منها ما وصل الآن إلى بث 65 حلقة (برنامج "أسايس" بدوزيم)، وفي
ما يخصّ التأطير فأقوم سنويا بتأطير أعداد من الطلبة الجامعيين في مجال
الدراسات الأدبية والفنية من مختلف الجامعات المغربية، ومنهم طلبة معاهد
علوم الإتصال الذين يختارون البحث في وضعية الأمازيغية في الإعلام السمعي
البصري.
وإلى جانب العمل داخل المعهد أقوم بتأطير النشطاء الجمعويين في العديد من اللقاءات الأدبية والفنية سنويا، التي يدعمها المعهد.
أما كيف أستطيع التوفيق بين عملي كباحث وعملي كمناضل وناشط حقوقي وكاتب
ومبدع وربّ أسرة، فهذا لغز لن يستطيع السيد البقالي حله إلا بمعرفة معنى
النضال ومعنى التضحية ونكران الذات. وهي قيم قد يفهمها إن هو انتقل من
الرغبة في تحطيم الأشخاص باعتماد الإشاعة الكاذبة، إلى السعي إلى محاورتهم
ومقارعة حججهم بمثلها.