إذا
كان الناقد "كرومبي" هو صاحب المقولة: إن دولة الأدب يحتلها ملكات ثلاث:
الأولى ملكة الإنتاج، والثانية ملكة التذوق، والثالثة ملكة النقد، فإنني
أضيف ملكة رابعة يجب أن تأخذ مكانها في دولة الأدب الحديث، وهي ملكة
التعامل مع الحاسب الآلي بتلك الكلمات قدم الكاتب أحمد فضل شبلول لكتابه
"أدباء الإنترنت .. أدباء المستقبل" والتي صدرت طبعته الثانية خلال الفترة
الأخيرة. لعل السؤال الأول الذي يطرحه هذا الكتاب هو: هل الكمبيوتر أو
الحاسب الآلي له دور يذكر في مجال الأدب والنقد؟ ولعل أبواب الكتاب وفصوله
تسعى للإجابة عن هذا السؤال. يؤكد الكاتب في البداية أن فكرة المزج بين
الأدب والعلم هي من محاور اهتمام الإنسان خصوصا في السنوات القادمة. تعود
فكرة الإنترنت إلى منتصف الثمانينات حيث كان "ألبرت جور" ـ نائب الرئيس
الأمريكي الآن ـ هو أول من فكر في استخدام إمكانات هذه الشبكة على نطاق
عالمي وإنشاء ما يعرف بطريق "المعلومات السريع" من خلال الأقمار الصناعية.
ومنذ ذلك التاريخ يزداد عدد المنضمين إلى تلك الشبكة داخل أمريكا وخارجها.
وقد عرفت الشبكة باسم "إنتر نيتورك" ثم اختصرت إلى "إنترنت". الفكرة
الأساسية وراء هذه الشبكة العالمية هي إتاحة الفرصة أمام أي إنسان يملك
جهاز كمبيوتر في أي مكان، يمكنه الحصول على أية معلومات يريدها سواء كانت
على شكل أخبار أو معلومات علمية وغيرها. وبتلك الوسيلة تمكن الفرد الآن من
ممارسة العديد من النشاطات التجارية والمعرفية وغيرها. وفي مجال الأدب يمكن
للأديب الاستفادة من الإنترنت بالاتصال بالجهات المعرفية مثل المكتبات
العالمية، وكذا مراسلة الجهات الثقافية المختلفة، بالإضافة إلى إمكانية حفظ
المادة الأدبية التي يرغبها الأديب في منزله بسهولة، كما أن إقامة حلقات
النقاش بين عدة أطراف أدبية في بلدان عدة، ولو كانوا عبر القارات يعتبر من
الأمور الميسورة الآن. وفي مجال النقد الأدبي الإلكتروني يمكن الإشارة إلى
أنواع النقد الأدبي ومناهجه المختلفة، منها: النقد الفني الذي يتناول النص
الأدبي ومناهجه التي تعتمد على النظر إلى النص ذاته دون النظر إلى الكتاب
أو مبررات كتابة النص. والمنهج التاريخي الذي يرى أن الأدب وليد البيئة،
لذلك يحيل كل القيم والخصائص والبواعث الشخصية على الملابسات التاريخية
والطبيعية والاجتماعية، ويركز على مطابقة النص أو مخالفته لروح العصر.
وهناك المنهج النفسي الذي يعتبر أن نفس الأديب هي المنبع وعلى الناقد دراسة
تلك النفس، فكانت دراسة حياة الأديب هي السمة الأساسية. كذلك المنهج
الاجتماعي الذي ينطلق من موقف ذي نظريتين: النظرية المادية والنظرية
المثالية. وأخيرا المنهج البنيوي الذي يميز المكونات أو العلاقات الناشئة
بينها. إذ أن العمل الأدبي مؤلف من ذرات (أي نصوص) كل ذرة أو جملة فيه،
صورة مصغرة عن المضمون العام للنص الأدبي بأكمله. والآن "النقد الأدبي
الإلكتروني" قد يستفيد من أحد هذه المناهج ـ أو من مجملها. حيث تتيح شبكة
الإنترنت كافة المعلومات التي يحتاجها الناقد. إلا أن النقد الحقيقي يبدأ
بعد جمع تلك المعلومات، ويبقى المتذوق لتوظيف تلك المعلومات. أي أن النقد
الإلكتروني يعتمد على المعلومات المتوافرة. يعتمد النقد الإلكتروني على تلك
المعلومات المضافة التي يحصل عليها الناقد بتحليل العمل الأدبي، كأن يحدد
عدد الكلمات الدالة، أو إبراز الجمل الخبرية والوصفية وغيرها، وبالتالي
يمكن قراءة العمل من خلال إحصاء لغوي وتحليل تطور الشخصيات، كما أن استحضار
الشخصيات والأحداث من الجوانب الميسورة باستخدام الحاسوب أو الكمبيوتر
وهكذا. إن القاعدة الذهبية في النقد الإلكتروني هي إلقاء العديد من الأسئلة
والمهام، ثم تلقي الإجابات، دون إلغاء لأي منهج نقدي. وبذلك يمكن إضافة
وسيلة جديدة تضاف إلى الوسائل النقدية التقليدية. ومع ذلك تبقى العديد من
الأسئلة التي تمثل مستقبل النقد الإلكتروني:
إذا كان النقد الإلكتروني
ميسورا في القصة والمسرحية، هل يمكن تطبيقه على الشعر، حيث الصور والموسيقى
والتناغم هو المؤثر، وليس المعلومات؟ هل يمكن قياس أو رصد تطور اللغة
والذوق والمشاعر من خلال أجهزة الحاسب الآلي؟ لمن ستكون الغلبة أمام غزارة
المعلومات، للفكر أم للفن؟ هل يستطيع النقد الإلكتروني تحويل الإحساس
بالجمال إلى منهج ؟ لكن أين دور القلب أو الإحساس والشعور من ذلك؟ هل سيخضع
الفن والأدب للتطور التكنولوجي والمنهجية، أم أن الفن ضد ذلك؟ هل سينتهي
النقد الإلكتروني إلى نوع من الاستبدادية الإلكترونية، وبالتالي يفقد
الناقد حريته في التعامل مع النصوص؟ ثم هل يتمكن النقد الإلكتروني من الجمع
بين عنصري الموضوعية والذاتية، خصوصا أن جوهر الفن وتذوقه هو الذاتية
المتمثلة في المزاج الخاص ووجهة النظر؟ وعموما تتعدد الأسئلة، لتبقى بلا
إجابة شافية حتى الآن. وفي فصل طريف، يقترح الكاتب أحمد فضل شبلول إمكانية
تفرغ المبرمجين للبرامج الإلكترونية لتصميم برامج نقدية. ولكل جنس أدبي
برنامجه سواء الشعر أو المسرح أو القصة .. وهكذا. يتمكن هذا البرنامج
النقدي (الناقد الإلكتروني) من إبراز قدر التشابه أو حتى السرقة الأدبية
المحتملة التي قد تثار في الساحة الثقافية بين الحين والحين. عموما فالكاتب
متفائل بإمكانية تصميم مثل هذا البرنامج الذي قد يصبح فاعلا بدرجة كبيرة،
بل وفاصلا للخلافات الفنية في موضوع السرقة الأدبية. وتحت عنوان "الإنترنت
وأدب الأطفال" تناول الكاتب أحد الجوانب التي نشطت خلال السنوات الأخيرة،
فقد ظهرت ألعاب الكمبيوتر (أو الأتاري) وأيضا ظهرت مجموعة من البرامج
التعليمية والترفيهية التي تنمي مهارات اللعب على الكمبيوتر، مثل اختبر
ذكاءك وكلمات وحساب الفضاء .. الخ. وكلها تعتبر مبعثا لسعادة الطفل
بالإضافة إلى قدر المعرفة التي يحصل عليها. وأصبحت القضية الآن، بأن تعالت
الأصوات التي بدأت ترفض الصياغات القديمة للقصة التي تكتب للطفل فتنطق
القطة أو الحيوان عموما، وكذلك الشعر مهما كان بسيطا. كل ذلك في إطار إعادة
النظر إلى الطفل الذي يبدو مؤكدا أنه يتعامل مع الكمبيوتر أفضل كثيرا من
الآباء !! هذا طفل الإنترنت الجديد يتوقع له تغييرات مهمة وخطيرة في
اهتماماته، فمع سهولة التعامل مع الجهاز سيتمكن الطفل من اكتشاف عالم، بل
عوالم جديدة متنوعة وجديدة، قد لا يتمكن من التعرف عليها بسهولة في الوضع
العادي، فيتمكن الطفل من الاستماع إلى المقطوعات الموسيقية والاطلاع على
اللوحات الفنية من التراث الفني العالمي. كل ذلك يجب أن يتم تحت إشراف
مناسب من الكبار للتوجيه، ومراعاة عدم التشويش على عقلية الصغار من الأمور
المهمة والتي يجب مراعاتها. لكن ما هو مصير كتب الأطفال؟ يبدو أن السؤال
يبقى مطروحا حتى بالنسبة للكبار. لقد أصبح النشر الإلكتروني (أي استخدام
الأقراص بدلا من الكتب) من الأمور الشائعة، ولا شك أن أثر ذلك على النشر
الورقي التقليدي، ومع ذلك سيبقى الكتاب الورقي إلى جوار الأسطوانات،
يشتركان معًا في تشكيل الكيان الثقافي للكبار والصغار معًا. وقد أفاض
الكاتب في عرض بعض الإنجازات الأخرى باستخدام الكمبيوتر وشبكة الإنترنت،
مثل حصر الأعمال الموسيقية والمعجمية في أقراص بدلا من تلك المجلدات التي
ينوء بحملها المهتم. في النهاية، يعتبر الكتاب فريدًا في موضوعه، وجديدًا،
وربما كون الكاتب شاعرًا، أضاف إلى الموضوع بُعدًا آخر متمثلا في الجانب
الإبداعي عند التعامل مع شبكة الإنترنت.