صفعات وبوكسات وشلاليط بمبرر ودون مبرر: النساء ملطشة الدراما العربية
راجي بطحيش
2011-10-05
كنت
قد ابتليتُ في نهاية الأسبوع الماضي بالإنفلونزا الصيفية (أو انفلونزا آخر
الصيف من أجل الدقة)، تلك التي تعزز لديك الدوافع الإنتحارية ومشاعر
التدمير الذاتي في محاولتك للفرار عبثا من حرارة الطقس القاتلة إلى حرارة
الجّسد المنهكة وبالعكس وكل ذلك مع انتشار لا مبرر له للغيوم الرمادية
والأجواء الخريفية الخارجة عن السياق.
إذًا لا سبيل للهروب من لعنة
الحرارة المضاعفة سوى الإستسلام للمصير الأسود والدخول في غيبوبةô وتمثلت
غيبوبتي هذه المرة بجلوسي أكثر من 24 ساعة متواصلة كالنبتة الحقيقية
لمشاهدة بعض الإعادات لحلقات رمضان المسلسلة بمعنى حلقات منفردة هنا وهناك
من موسم هذا العام ومن مواسم سابقة. أما عن تلك الـ 2 ساعة فإليكم
ملاحظاتي:
تشكل النساء ملطشة الدراما الشعبوية العربية مثل 'زهرة
وأزواجها الخمسة' و'كيد النساء' و'العار' و 'سمارة'، ولا أستثني هنا دراما
البيئة الشامية التي تحوّلت وبصدق إلى تلوّث بيئيّ حقيقيّ في حياتنا؛ ففي
بضع ساعات لم أستطع أن أحصي عدد المشاهد التي تحوي مشادّة كلامية تتصاعد
وتتصاعد وتفضي إلى صفعة من رجل على وجه إمرأة، ودائما مع كلمة السحر:
'إخرسي!'
ولكن في أحد المسلسلات وصل الأمر الى أن يجرّ الممثل الممثلة
من شعرها (آسف، باروكتها) بمشهد طويل ومَمطوط وغير مبرّر دراميًا في العمل
(أصلا كلّ العمل غير مبرّر دراميًا) وكلّ هذا لأنها أخته وتخرج وتدخل من
دون إذنه (وهو عاوز يعمل فيها راجل). وتتوالى الصّفعات والبوكسات
والشلاليط؛ هذه لأنها ارتدت لبسًا غير محتشم وتلك على علاقة برجل متزوّج من
أربعة وتلك خطفت عريس أخت ابن جيرانها، وتلك خادمة لم تخضع لأوامر سيّدها
وتلك لم تستأذن من زوجها الخروج من البيت أو لم تطهُ لزوجها كوسا محشي
بالكوارع كما طلب منها (حتى وإن كانت حجتها أنه لم يترك لها مصروفا كافيا
لطهي هذه الوليمة). وعندما تذهب المسكينة لتستنجد بأمها وهي مليئة بالرضوض
حول عينيْها، يدور الحوار التالي:
- يما مش مبسوطة معاه.
- إيه يا بت، هو بيضربك؟
- يعني حاجة زي كدهô
- ما انا عارفاكي.. أكيد طهقتيه بعيشتوô ومش شايفة طلباتو، دانتي تطفشي بلد.
- يما ده حيوان!
- روحي يا بت على بيتك، إحنا معناش بنات تتطلق، لو كان أبوكي عايش كان دفنك بنفسو.
- يما ده بخيل وعينو ناعمةô ومتجوّز عليّ!
- هو راجل وانت ست والشرع محللو.
والمصيبة
الكبرى أنّ هذه الأعمال لا تقدم حتى ولو بوعي كتابها الأدنى نقدًا وسخرية
من التدهور الاجتماعي وتراجع الخطاب، بل تكاد السيناريوهات المقدمة تعبق
برائحة الفخر 'بقيمنا' و'تقاليدنا' و'عاداتنا'، الشكلية بمعظمها والكارثية
بتطبيقاتهاô فالعالم وفق هذه المسلسلات ينقسم إلى خير وشرّ، أسود وأبيض،
إمرأة ورجل- ولا مجال للتشكيك أو طرح الأسئلة أو إثارة حيرة المتلقي.
فالنساء بمعظمهنّ إما داعيات دينيات أو ساقطات، لا توجد شخصيات في الوسط
وهنّ غالبا ثرثارات، شريرات، غبيات، ردّاحات، خطافات رجالة (انتبهوا الرجال
هنا هم قيمة نادرة تستوجب الخطف)، كما أنهنّ مدبرات للمكائد هادمات
للعوائل ممّا يقتضي ضربهنّ في نهاية كلّ مشهد من مسلسل عربي مفترض.
ويذكّرني
هذا بأثر السيجارة؛ فكل مرة أشاهد فيها فيلما أو مسلسلا أتعاطف فيه مع
البطل أو البطلة ومع الموقف عامة ويشعل أحدهم سيجارة، أخرج واحدة من العلبة
من دون أن أشعر وأشعلها بسرعة وأمجّها بفتنة ما يحدث أمامي. أما في دار
السينما فإنني أكتفي بنقل توقي هذا همسًا لمن يجلس بقربي.
ووفق هذه النظرية، فمن حظ جميع النساء أنني أسكن وحدي.
استحقاقات أيلول1...
ما
أن يهل أيلول (وعلى الرغم من الحر القاتل الأبدي الذي لا يبدو انه سينتهي
يوما) حتى تبدأ الإذاعات والفضائيات ببث مقاطع من المسرحية المثولوجية 'ميس
الريم' ويبدو ان معظم القرارات البثية هذه تنبع من سبب واحد وبسيط.، أن
المسرحية تحوي على أغنية 'آخر أيام الصيفية'... التي أضحت عنوانا لكل ما
يمكنكم ان تتخيلوه ... برنامج بدائي في الفضائية المصرية أو الموريتانية..
أسم لمهرجان... عنوان لأمسية شعرية ركيكة... إعلان لمسحوق غسيل.. اعلان
تصفية على مكيفات... 'هابي آور' في بار ومقهى ومطعم... وغيرها... لكن قد
تكون العلاقة أعمق من ذلك... أو ربما لا...
خرجت مسرحية 'ميس الريم' الى
النور في ربيع العام 1975 على خشبة مسرح البيكاديلي في بيروت وقد اندلعت
الحرب الأهلية اللبنانية في العام وفي الفصل نفسه وتحديدا في 13 نيسان 1975
وقد حاول الرحابنة إحياء العروض قدر الإمكان متحايلين على ما يحدث الا أن
تسارع الخراب كان أقوى من أي محاولة.. وهكذا فقد انتهت مرحلة مسرحية بهية
مع نهاية أيام فيروز الصيفية في واقع المسرحية ذاتها... ومع ان المسرحية
عرضت في معرض دمشق الدولي سنتها أو في السنة التالية الا انها اختفت ...الى
ان أعاد التلفزيون الأردني إنتاجها وتصويرها في استديو مغلق بعدها
بسنوات...
والطريف أن المسرحية لم تغب في هذه الأثناء على الأقل عن
وجداني الطفولي ابن السادسة أو السابعة ... ففي وسط العزلة شبه التامة عما
كان يحدث في الوطن العربي في السبعينيات ..وعلى الصعيد الفني خاصة ...كانت
مدينة تدعى الناصرة...تحاول ان تقود ما تبقى من أشلاء فلسطينية وسط العتمة
...فلا أعرف كيف كانت تصل شرائط مسرحيات فيروز والرحابنة الى الدكان
الأيقوناتي 'أبو كاسترو' في ديانا..وكيف كانت الأغاني والحوارات تنتشر بين
الأشخاص.. رجال... نساء... أطفال... وكيف كنا نردد في ملاعبنا...'يا لور
حبك...قد لوّع الفؤاد'... وكيف يتمكن أطفال من تبني حنين الفقدان والوحشة
التي تتدفق كالأنهار من الأدبيات الرحبانية. من بلاد لم يروها في حياتهم
وربما لن يروها. كطريق لحياة...
وبما اننا في الطفولة... فإن جملا فيروزية تقولها لجدتها مثل:
'ما بقى بكير يا ستي'...
أو
جميع تلك الحوارات ... التي تأتي لتزرع في وجدان شخص ما كل ما هو مشبع
بالفقدان...والخسارة...وتفويت الفرص...وعبور القطارات ..وهو لا يزال
طفلا...
تلك هي الوحشة الأيلولية التي لعقناها مع الغذاء
الرحباني...وذاك هو الشعور الملاصق أبدا بالانقباض كلما هبت ريح خريفية من
هناك...من ديار الفيروز
إيه ذاك الزمن الجوهري...
استحقاقات أيلول2...
حاولت
أن أتابع البث المتلفز أو المفضفض (عبر الفضائيات) لخطاب أبي مازن في
الأمم المتحدة حول حل قضيتنا على %22 من الأرض، والحق يقال أنني اعتقدت أن
رجلا آخر يتكلم ... بل بدأت بتأنيب ذاتي على أنني بالتأكيد ظلمت الرجل ...
حتى أنني شعرت برجيفة (رجفة صغيرة) عند ختام الخطاب وانطلاق التصفيق...
بعدها عدت لرشدي وتابعت البرامج الحوارية الفضائية التي لا تنتهي حول
الخطاب وأهميته واستحقاقات أيلول وتشرين والحقيقة أن الخطاب الإعلامي لم
يتفاوت بين قناة وأخرى بل دار كالعادة تحت هيمنة فرضية أن المفاوضات سوف
تحل كل شيء (تفاوضوا عاد وخلصونا زهقتونا من قضيتكو هاي) ولكن المحاورين
والمحاوَرين أغفلوا في خضام الثرثرة اللامتناهية والقديمة، أغفلوا الحل
البديل لهذه المهزلة والذي بدأ يتخمر ويطرح في فلسطين - إسرائيل على مستوى
النخب الأكاديمية والسياسية حيث لا توجد مؤسسة أكاديمية تحترم ذاتها إلا
وتعقد مؤتمرات وأيام دراسية حول الموضوع.. ألا وهو حل الدولة الثنائية
القومية الواحدة من النهر للبحر والتي تضم الضفة والقطاع والساحل والجليل
والمروج، تمنيت في سري لو أن إعلاميا عربيا واحدا في فضائياتنا الغالية
يكلف نفسه عناء البحث عن الحراك بهذا الإتجاه وطرحه في معترك النقاش كحل
بديل وممكن يحل مشكلة اللاجئين والعدالة الوجودية بين الإسرائيليين
والفلسطينيين؟
استحقاقات أيلول3...
يشبه 'تلفزيون فلسطين' في
الأيام القليلة التي سبقت خطاب محمود عباس والتي تلته إعلام مبارك وبن علي
والقذافي وبشار في أسوأ أيامه فمن المخجل كيف تم اختزال الموضوع وحشره في
شخص ابي مازن وها نحن نعود فلسطينيا وبعد فوات الأوان إلى عهد شخصنة القضية
بكاريزما رجل بالغ وأب وجد ...وباختصار علاقة بطريركية مرفوضة...فلا أبو
مازن شخصية كاريزمية قائدة ولا الزمن العربي المتغير هو زمن آباء أوصياء
(لغاية الآن).