بما
علينا أن نبحث عن الحدود الوسطى بين السخرية والتفجّع وبين الالتزام
والتنصل وبين الخبث والبراءة وبين المنطق واللامعقول.. أو عن المدى الأبعد
لمرحلة تاريخية عابرة تتجاذبها نزوات الطغاة الذين يحاولون منع التاريخ من
السير على درب الحق والخير والجمال والكرامة والحرية..
***
إن المسألة التي من النافع إرجاؤها قد يكون من الأنفع التخلي عنها..
***
حين تصبح أحلامنا بالمستقبل متصلة بمخاوفنا من عودة الماضي ولو بشكل أفضل،
عندئذ، نمسك ثور الحاضر من قرنيه ونلزمه بالركوع أمام قوة إرادتنا...
***
بارومتر الذاكرة والنسيان.. في مدى ارتفاع منسوبه أو في مدى انخفاضه يكمن مقدار الصحة العقلية.. إنه ميزانها.
***
أن نكبح الرغبة في الانتقام وأن نقتلها يعني أن نحيل شرورنا على نهاية الخدمة مانعين عنها معاشاتها التقاعدية!
***
إذا تعرّت أجسادنا من قمصان الغيرة أو الحسد ومن سراويل الطمع أو الجشع،
هل علينا أن نرتدي قمصان النبل أو النزاهة وسراويل الصبر أو الاستقامة وأن
نعتمر قبعات الزهد أو التواضع أو القناعة، كي نثبت للآخرين قداسة لا
نستحقها؟!
***
الاستراتيجيات الدينية في الشرق ما زالت أقوى وأخطر من الاستراتيجيات
السياسية، بينما الاستراتيجيات السياسية في الغرب ما زالت أقوى وأخطر من
الاستراتيجيات الدينية..
***
تغادر الشباب إلى الكهولة حين يتكاثر في عقلك وسلوكك العفو والتسامح
والغفران.. وتغادر الكهولة إلى الشيخوخة حين يتكاثر في عقلك وسلوكك الرضى
والتسليم والإذعان.
***
صارت بيروت مدينة نرجسية تتحدث في كل لحظة عن نفسها.. ولا ترى في مرايا
مقاهيها إلا صورتها.. وتتباهى بمقاهيها الرابضة بغنج ودلال وغرور قرب صخرة
الروشة.. وبشعرها المصبوغ بالأشقر مع أن بشرتها سمراء أو حنطية..
وبفستانها المستورد من عاصمة الموضة أو من عاصمة الضباب لترتديه في صيفها
اللهاب، حتى لو كانت الحرارة جهنمية.. إنها ترتدي آخر صرعات الأزياء
الأوروبية، جنباً إلى جنب الشادور والعباءة المشرقية.. وتلثغ بالراء غاء
وتقول اسمي «بيغوت» وتنتشي بتوأمتها مع العاصمة الفرنسية.. وتقود أحدث
أنواع الرينج روفر وتعاكس تعاليم المرور ولا تتوقف أمام إشارات السير
الكهربائية.. وتطبع مطابعها الكتب الثقافية ولكنها لا تقرأ إلا مجلات
الأزياء والموديلات النسائية... وجداريات الإعلانات الغبيّة.. إنها عاصمة
الضوضاء والاسترخاء وانقطاع الكهرباء.. إنها مدينة البحر والشمس والمقاهي
والضجر والكآبة والزمامير الصباحية والمسائية.. فهل نستطيع أن ننعش ونعزز
ونرمم الحدائق العامة لعصافير الحرية البيروتية إذا حملنا السجون على
أكتافنا والأحقاد في قلوبنا ومشينا محاولين إلقاء القبض على رفرفات
الأجنحة العصفورية حول زنزانات رؤوسنا.. وأقفاص أيدينا.. وقضبان غرائزنا
وحواسنا الاستهلاكية والتدميرية والفوضوية؟!
***
على الوطن أن يبقى واحة حياة وحرية في صحراء العدم والعبودية.. وعلى الحب
أن يبقى ساحة ابتسام وبهجة في مدينة تتكدس على أرصفتها نفايات الكراهية
والكآبة واللامسؤولية..