كنت
أكثر المنادين باقالة منصور العيسوي أو استقالته بسبب ليونته ومرونته في
التعامل مع الأوضاع الأمنية الخطيرة المحيطة بمصر. الآن لا يجب أن يستقيل
أو يقال بسبب حفنة من الفوضوية بقيادة وائل الإبراشي اندفعوا إلى ميدان
التحرير لاحتلاله تمهيدا لما يسمونه "جمعة الاعتصام والدستور أولا".
جيش
البلطجية الذي دخل ميدان التحرير وأراد إحداث إنفلات أمني جديد بالهجوم
على مقر وزارة الداخلية ومحاولة اقتحامه، هو جيش الثورة المضادة، المدرب
في "المواخير" على خطط وتكتيكات شاهدناها منذ فجر أمس.
جر الأمن
إلى حرب شوارع لاستنزافه، ثم جر الكاميرات الفضائية بواسطة المهيجين من
الإعلاميين الذين حسبوا أنفسهم ثوارا وقياديين في مجلس قيادة ثورة
المواخير، لاظهار أن وزارة الداخلية الآن هي وزارة الداخلية في عهد
العادلي، وأن الأمن المركزي لا يزال هو الأمن المركزي، وذلك لاسكات هيبة
الأمن إلى النهاية وترك الوطن متاعا مباحا لهم.
تمنيت أن تستمر
قوات الأمن في التصدي لهم ولاتنسحب، فقد كانت سيادة الدولة في اختبار
حقيقي، وانسحاب هذه القوات معناه أن سيادة الدولة تخفض رأسها وتنحني لشلة
البلطجية الذين يُنصبون أنفسهم أوصياء على أكثر من 80 مليونا يبتغون الأمن
والاستقرار وإعادة الهدوء وعجلة الانتاج وفتح أبواب الرزق التي أغلقها
الانفلات.
كثيرون توقعوا من شلة "الدستور أولا" أن تندفع لتنفيذ
مخطط قذر كهذا، ولكن الحمد لله، أفشلوا بأيديهم ريح ثورتهم المضادة، التي
حاولت أن تحول ميدان التحرير والمنطقة المحيطة إلى ساحة حرب.
يريدون عسكرة الثورة البيضاء على خطى النموذجين الليبي والسوري، وكاد
يتحقق لهم ذلك عندما استولى عدد من البلطجية على أسلحة قوات الشرطة وهددوا
باستخدامها ورفضوا تسليمها إلى الجيش.
كل من شاهدهم أكد أنهم وجوه
غير مألوفة لم يروها خلال ثورة 25 يناير. من دفع بهم، أصابه السعار عندما
لاحظ خلال الأسبوع الماضي عودة الدوريات الشرطية إلى الشوراع والطرق
السريعة، وحديث الناس عن استعادة جزء كبير من الأمان، وبدء عودة السياحة،
حتى أن تقديرات قالت إن مئات الآلاف من العرب الذين خططوا لقضاء عطلاتهم
في ماليزيا وتركيا ودول أخرى، سيغيرون وجهتهم إلى مصر نتيجة التقارير
المشجعة.
ما حدث في ميدان التحرير حركته جماعات مصالح. كل له
حساباته وثأراته مثل وائل الإبراشي الذي خرج خالي الوفاض من مولد اختيار
رؤساء تحرير الصحف الحكومية!
ينبغي أن يحفظ الجيش هيبة الشرطة فهي
لم تكن مخطئة أبدا هذه المرة، لقد حاولت في البداية الدفاع عن سيادة
الدولة أمام من ظن أن ميدان التحرير هو الدولة ومصر كلها، منه يفعل ما
يشاء ويخرب ما يذهب إليه عقله المريض.
استقالة وزير الداخلية
لوحدثت أو إقالته أمر غير مبرر بالمرة، فقد طالبناه مرارا بالشدة والعنف
في مواجهة التخريب والتدمير، وقد استعمل جزءا صغيرا منها في مواجهة بلطجية
الثورة المضادة.
وسائل الإعلام العالمية بثت أخبارا عن حرب شوارع
في القاهرة، وهذه هي الرسالة التي يريد هؤلاء توصيلها، بعد حوار غريب جدا
أجراه معتز الدمرداش في قناة الحياة مع المحامي فريد الديب، ظل خلاله يطرق
على عقدة الذنب من خلال التركيز على معاناة مبارك من السرطان ومزاعم
براءته وبطولاته!
وقد سبق هذا الحوار بأسبوعين تقريبا حوار مماثل
أجراه سليمان جودة في قناة دريم تناول فيها نفس المعاني أيضا، وهي حوارات
تؤثر بلا شك على محاكمته.
إن الشعب يطالب بحقه في الأمن والحياة. حقه في تخليصه من بلطجية المواخير وجماعات المصالح. الشعب يريد هذه المرة شرطته لأنهم أبناؤه.