في كتابها "أصول التوتاليتارية" تصف حنا آرندت، بطريقة مذهلة، عنف
التوتاليتارية بأنَّه "يتجسد في تجنيد أتباع لها، بطريقة مرعبة، أكثر مما
يتجسد في تصفية جسدية لخصومها". ونفهم من هذا أنَّ التجنيد التوتاليتاري
لا يقتصر على تنظيم خارجي يُفرَض على الأفراد _بصرف النظر عن كيفية
تنسيقه_ وإنما هو أيضاً استحداث تنظيم قمعي لحياة الأفراد الداخلية
والخارجية.
ولا ينصبُّ قصد آرندت، بطبيعة الحال، على إنكار العنف الجسدي
الراديكالي للتوتاليتارية، بل غايتها تسليط الضوء على الأشكال المتمايزة
للترهيب الذي تمارسه التوتاليتارية. ومن أكثر هذه الأشكال رعباً هو ذاك
المتولِّد عن التحول الراديكالي للعالم البشري إلى عالم زائف، عالم من
الاستقرار المشوه واللاستقرار المتجذِّر، (بمعنى حراك من أجل الحراك)،
عالم كلُّ ما فيه مقلوب رأساً على عقب، تعمُّه الفوضى ويسوده كل ما هو
منافٍ للعقل وللأخلاق، عالم لا يمتاز بما هو اعتباطي فحسب، وإنما أيضاً
بالاتساق المطلق ضمن هذه الاعتباطية.
وبهذا، يكفُّ العالم الواقعي عن الامتثال لقوانينه الأولية
الخاصة، وفي الوقت نفسه، ينأى البشر بأنفسهم عن الاهتمام الفطري الأولي
بالتمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، بل يظهرون وكأنَّهم فقدوا
القدرة على التساؤل عن معنى هذه التمييزات. فبدلاً من تبادل الخبرات
والاستفادة منها فيما يتعلَّق بالانعدام الرديكالي لمعنى "وظيفة الحقيقة"،
يشتركون أنفسهم بتغليف هذه اللاعقلانية بقناع أيديولوجي فوق عقلاني. مما
يعني انهيار في بنية المجتمع يترافق مع انتهاك راديكالي للروابط البشرية،
وللتواصل فيما بين البشر، يفضي، في نهاية المطاف، إلى انهيار البنية
الداخلية للفرد ذاته، والذي يتجلى في الاغتراب الراديكالي عن العالم وعن
الذات، على حدٍّ سواء.
ولكي ندرك تماماً أهمية توصيف آرندت، يتعيَّن علينا مقارنة
المرحلة الأولى من هذا التحليل بطرح آخر، يبدو وكأنَّه ينطوي على مفارقة،
تضمَّنه أيضاً كتاب "أصول التوتاليتارية". ويتمثَّل هذا الطرح في ازدراء
التوتاليتارية للوقائع والحقائق، إذ ترى آرندت أنَّ الدعاية التي تمارسها
هذه الأنظمة، بصورة دائمة، "دعاية صريحة بقدر ما هي مخادعة". فهي تمارس
الخداع، بصراحة ووضوح، ليس بإخفاء الوقائع الحقيقية فحسب، وإنما بتزييفها
لما هو واضح، وبترهيب الناس، لتقبُّل ذاك التزييف. ومن ثمَّ، فهي تعطل
القدرة على الحكم الصحيح، لكونها تضفي تعتيماً على جميع القضايا التي من
شأنها خلق أحكام معقولة ومؤكدة.
ولا يقتصر التزييف في الدعاية التوتاليتارية على غايات
الحكومات وأعمالها الواقعية فحسب، وإنما هو أيضاً يخلق بيئة منظمة هدفها
تحويل العالم الواقعي إلى عالم "يصدِّق" طروحاتها، مع أنها لا تتفوه إلا
بما هو مناف للعقل وللأخلاق، في آنٍ معاً.
ويصبح التأثير المرعب لعنف الخداع الذي تمارسه الأنظمة التوتاليتارية، في
حدِّه الأدنى، مضاعفاً. إذ لا يُمارَس الخداع هنا لإخفاء الحقيقة، وإنَّما
بوصفه نوعاً من "تزييف الواقع" يعتمد، بصورة دقيقة، على تجاهل تلك الحقيقة
التي قد تكشف عن زيف هذه الأنظمة أو تجبرها على تنفيذ مزاعمها. وعلى ذلك،
يكمن العنف الراديكالي في التأويل الدعائي لوظيفية الحقيقة. إذ تُجبِر
الدعاية المنظَّمة البشر على التصرف وفقاً لقواعد العالم الزائف،
فيتنكَّرون لأنفسهم فعلياً بإنكار انفتاحهم العفوي على العالم.
وتعمد الأنظمة التوتاليتارية إلى تفكيك الروابط الطبيعية لتضامن البشر
وتواصلهم، وتُحِلُّ بدلاً من ذلك علاقة هلامية وزائفة. وبهذا تتلاشى،
بصورة جزئية، مقولات وطنية أو اجتماعية بعينها، كما حدث في ظل الستالينية،
فلا تُستخدم الموضوعية، على سبيل المثال، لمحو مقولة بعينها _حتى وإن تمَّ
نبذ بعض المقولات أو طمسها، منذ البداية_ عن طريق طمس كل مفرداتها،
وإنَّما تُستخدَم لتدمير الروابط البشرية التلقائية التي تضمن قدراً أكبر
من التماسك بين الجماعات البشرية، كما تستهدف إفساد أكثرية البشر وتحويلهم
إلى كتلة من الأفراد المهزومين، وقمع عموم الناس، ودفعهم إلى الاغتراب عن
العالم، وعن الآخرين، وعن الذات.
وهكذا، يبدو كلُّ شيء غامضاً بالنسبة للمراقب الخارجي الذي ما
زال راغباً في التمييز بين الموالاة للحكومة طوعاً وحباً، وبين الخضوع لها
بسبب الترويع والتنظيم وما يسمى بالتلقين العقائدي. إذ يصعب التمييز هنا
فيما إن كان الحماس، قسرياً أم حقيقياً، على ألا ننسى هذه الفكرة الهامة
عندما نحكم بشكلٍ متسرع على "تطرف" حشود المسلمين الذين ينزلون في شوارع
طهران أو في أي دولة ثيوقراطية توتاليتارية أخرى.
ويبعث هذا العالم على الحذر، بشكلٍ غريب، لكونه لا يبدو
بربرياً بوضوح، ولكنَّه عالم كلُّ ما فيه مضطرب حتى البشر أنفسهم، وبخاصة
عندما يرحبون ببربرية العالم المحيط بهم دون أن يظهر أثرها عليهم. فالوجوه
الجامدة، والأصوات التي لا تعبِّر عن العلاقات الحميمية، ولا عن المعرفة
العميقة، تطارد الضحايا، حتى في أحلامهم، ليس ضحايا النازية والستالينية
فحسب، وإنما أيضاً ضحايا الماوية ونظام بول بوت وطالبان وآية الله
الإيراني.
والشعور بالخطر المروِّع، وفقدان الثقة المتبادلة بين الرفاق
في هذا العالم، فضلاً عن تحول العلاقات الحميمية، بحدِّ ذاتها، إلى علاقات
مروِّعة، في بعض الأحيان، تحلُّ جميعها محلَّ ممارسات مستقلة لأفراد
المجتمع. ويفضي هذا الترويع إلى إفساد، لا تظهر نتائجه بشكلٍ مباشر،
ولكنَّه إفساد متواصل للبنية الداخلية للفرد، وتدمير هائل للذات ولما تبقى
من العالم. وتتمثل المرحلة الأخيرة من هذا الإفساد باختباء الضحايا أنفسهم
خلف المظهر المزيف ذاته للوجوه الجامدة. ويتجلى التعبير المتطرِّف عن
الشعور بالغيرية لدى الضحايا، في التضحية بالذات، وهو تعبير عميق عن فقدان
التواصل بين الذوات البشرية.
وتنظر آرندت إلى النكران المفرط للذات في تجارب موسكو الشهيرة
_أولئك المدافعون عنها، طوعاً وحباً، والذين قبلوا أحكاماً بالإعدام عن
جرائم لم يقترفوها_ على أنَّها التعبير الأقصى عن سلب الذات الذي يترك
آثاره على الجوانب النفسية الفعلية وعلى الاستقامة الأخلاقية للأفراد
والذي يستلزم تدمير البعد الأكثر أهمية للجماعات البشرية، أعني مقاومة
الاتهامات الموجهة ضدها. ومن جانب المدافعين عن موسكو، تستلزم مقاومة من
هذا النوع ثقة هائلة في أشخاص مقربين _مثل الأقارب، أو الأصدقاء أو
الجيران_ ممن لن يصدقوا مطلقاً مثل هذه الاتهامات. وعلى أية حال، فالمعنى
المشترك والذي يُجمِع عليه المتحدِّثون عن اللاعقلانية الراديكالية التي
تحكم مجتمعاً ما، هو أنَّ الحرية السيكولوجية والأخلاقية بوصفهما مطلباً
جوهرياً هما ما تضعه تلك الأنظمة ودعاياتها على لائحة التدمير.
وتُخبرنا أولى ضحايا معتقلات الماوية بأن أول السجناء المتوفين
كانوا أولئك الذين وجدوا معاناة في التخلي عن أقاربهم. وقد لاحظ بيتلهم،
من جانبه أيضاً، أنَّ المعتقلين الذين أدركوا بأنَّه تمَّ التخلي عنهم
بالكامل، هم أول المتوفين.
وهكذا، يبدو أنَّ المطلب الأولي للحدِّ من المعاناة الناجمة عن
غياب عدالة الممارسات الراديكالية، هو إدراك الكائنات البشرية الأخرى،
والتي من المرجح أنها تشعر بظلم هؤلاء الضحايا وبمعاناتهم، أنَّها قد تكون
هي نفسها عرضة لمثل هذه المعاناة.
وفي هذا السياق، تصف آرندت ممارسة الإفساد _بوصفها الممارسة الجوهرية
للكائنات البشرية الخاضعة للتوتاليتارية_ على أنَّها تدمير لبنية المجتمع.
ويتلو هذا التدمير انهيار للبنية الداخلية للفرد ذاته، انهيار يتجلَّى في
عجز عن الحكم والتصرف بأسلوب مستقل، وبتعبير أشدُّ بلاغة، يخمد إحساس
الفرد بذاته، وإحساسه بأنه ذات. وتستهدف آرندت من هذا التحليل الكشف عن
العنف الراديكالي المطبَّق بهذه الطريقة، على الكينونة وعلى المتطلبات
الجوهرية للإنسانية، وهو نوع من انتهاك جميع الحريات واعتداء على الحقوق
الأساسية للإنسان.
وتقول آرندت أيضاً: "قد يمارس الإنسان القسر على نفسه، بصورة
عنيفة، بقدرٍ مكافئ تقريباً، لما تُمارسه عليه سلطة خارجية"، وهنا يتجسد
بعدٌ أساسيٌ آخر للعنف المبطَّن للتوتاليتارية قد يتوجه ضدَّ الذات وضدَّ
الآخرين، على حدٍّ سواء، وهو انتزاع راديكالي للذات من الآخر.
والخداع التوتاليتاري هو نوع من الإفساد يُجبَر الأفراد على
ممارسته بفاعلية، وبقدرٍ من الحماس، من أجل تدمير المتطلبات الحقيقية
لوجودهم، حتى عندما تتعرَّض حياتهم للخطر. ولكي تُضطَرَّ التوتاليتارية
الأفراد إلى خداع أنفسهم، ولعب دور أساسي في الإفساد _ليس فيما يتعلق
بحقائق خارجية، وإنَّما في أشياء جوهرية تتعلق بوجودهم_ فإنَّها تعمد إلى
الترهيب لتُكمِل ما بدأته بالإفساد.
والدعاية القائمة على الطرد الجائر، والاحتلال الكامل لفضاء
الخطاب العام، وفي أغلب الأحيان، الخطاب الخاص، فضلاً عن حالة الحذر
الدائم المفروضة على الأفراد، وغيرها من الانتهاكات، تقضي على الفضاء
التعددي المصغَّر_العام والخاص_ الذي يشكِّل توافقاً حقيقياً بين للأفراد
بوصفه آخر ملاذ آمن.
ويبلغ العنف السيكولوجي حدُّه الأقصى في سلب حرية التعبير عن
الرأي، وبصورة خاصة، عندما يكون الحديث عن هذا العنف، أو إعادة سرده، أو
تحويله إلى موضوع اهتمام، قد يبدِّد بعضاً من الرعب الهائل المتولِّد عنه.
وتترافق حملات الدعاية مع التكتُّم عن المستقبل "الحقيقي" للخداع
التوتاليتاري. ففي ألمانيا النازية، على سبيل المثال، كان يُحظَّر، بشكلٍ
صارم، نشر أقاويل حول المعتقلات، تحت طائلة التعرُّض لعقوبات خطيرة.
وبإدراك القمع الذي تمارسه السلطة الفاسدة على حرية الرأي
والتواصل، يصبح من السهل فهم البغضاء في العلاقات البشرية. وتبلغ سلطة
التلقين التوتاليتاري أغراضها القصوى عندما يقتنع الأفراد ويعلنون على
الملأ، وهم في كامل هيبتهم، أنَّ الشر الذي أصابهم، و/أو الذي ما زالوا
تحت وطأته، هو خير لا يقلُّ عن الخير الأقصى، وعند هذا المستوى، يصل العنف
المحطِّم لبنية الذات وللشخصية، حدُّه الأقصى. وبسبب الفساد الذي يحلُّ
بالأشخاص وانخراطهم فيه إلى هذا الحد، فإنَّ إمكان التواصل بين البشر،
وميل الآخرين إلى التركيز على الإفساد المتعمَّد، وإثارة المزيد من
الاهتمام به، لا تمثِّل علاجاً فعالاً للأفراد فحسب، بل تتحول إلى واحد من
الأبعاد الجوهرية للشخصية. ذلك أنَّ الهيمنة التوتاليتارية ليست مجرَّد
وسيلة لحجب المعلومات، أو السكوت عن الانتهاكات، بل هي جزء مكمِّل لها.
فالهيمنة تقوم بتفكيك بارع لشخصية الأفراد الذين تعرضوا لتلك الانتهاكات
والذين يساعدون في ممارستها أو يفرَض عليهم ذلك. وبذا تصبح الهيمنة بعداً
جوهرياً للحياة في الحكومات التوتاليتارية.
والهيمنة الكلية هي هيمنة على الزمان والمكان أيضاً. فالتنظيم
القمعي المستحدث يدمِّر خبرة الذات بوصفها استمراراً في الزمان، كما أنَّ
التضليل المستخدم على إمكان التنبؤ بالأحداث، فضلاً عن قمع جميع الحريات،
يَستبدِل بالعجز عن التنبؤ بالأحداث، اعتباطية غير قابلة للتنبؤ، بصورة
مطلقة. فالنظام التوتاليتاري، يكبِّل الحريات أو يُجبِر الأفراد على توقع
المستقبل الوحيد الذي ما زال ممكناً، وهو مستقبل الرعب الذي سيجلبه هذا
النظام، وبهذا سرعان ما يدرك الأفراد أنهم بلا مستقبل.
وتشير آرندت إلى أنَّ كلاً من هيتلر وستالين كانا متمسكين بهذه
التفاصيل التي تتجلى باتخاذ القرارات الحاسمة في الموضوعات، وفي
الإيماءات، وفي الأحاديث الأكثر مللاً، والأوضاع الأشد تفاهة، كما تتجلى
في تدمير مرتبط بدلالات استقرار العالم المحيط. وهو تخريب يبدأ بالتفاصيل
الصغيرة، وينمو تدريجياً إلى أن يطال كل شي.
وفي محلات بيع ألعاب الأطفال، يُطبَع على كرة اللعب رمز النازية، ولمجرد
وجود هذا الرمز، يتعيَّن على الأب الذي يرغب في شراء الكرة لابنه الاختيار
بين أن يُتَّهم بالخيانة لكونه أبدى مقاومة ما، وبين الخضوع الطوعي
والإذعان لكل شيء يمثله هذا الرمز، علماً أن شراء الكرة بدونه غير محظور
صراحة.
وفي إيران أحمدي نجاد، لا يُسمَح للشباب المؤمن بالنزول إلى
الشوارع أو بالتجمهر على أدراج جامعاتهم، لأنَّ من شأن ذلك أن يفضي إلى
حراك مضاد للإسلام الأصولي. أما نظام طالبان، فيطال التحريم فيه صفارة
إبريق الشاي ذاتها.
وهكذا، لا يعود الأمر متعلِّقاً بالسؤال عن رقابة الذات، وإنما
بفرض هيمنة على أصغر الإيماءات، وعلى أبسط الحركات الطبيعية للجسد، لضبط
النفس بصورة دائمة. وفي إيران كما لدى طالبان، من غير المحبَّذ أن يضحك
المرء في الأماكن العامة.
وتنتهي أكثر الموضوعات، بما في ذلك المألوفة منها، إلى الشك. إذ يُفرَض
على البشر الانخراط في مواقع الفساد الممتد، فيصبحون بذلك مهيأين لتقبُّل
العالم الخارجي بدافع من الثقة التي سرعان ما تنقلب إلى نقيضها.
ونتيجة لفقدان الإحساس بالسكينة، يصبح الأفراد وكأنَّهم معرضون
لكمين دائم، فتتحول جميع المفاجآت _في ضوء ما يحيط بهم من سكون_ إلى مصدر
رعب. وهو إرهاب تصفه دومينيك لينورد على أنَّه، " انتهاك لحقوق الحياة في
مواضع من المفترض أن تكون مكفولة".
وأود أن أشير إلى المظهر الأخير من مظاهر العنف المبطَّن
للتوتاليتارية، وهو إفراغ الترهيب من ماهيته الحقيقية والذي يتَّخذ ثلاثة
مظاهر. أولها، دفع الضحية نفسها إلى تبنِّي الترهيب وتعهُّدها بممارسته.
وثانيها، حمْلُ كل شخص، بمن فيهم الضحية نفسها، على تجاهل الموقف وقمع
الجانب المتأثر منه به. وهذا النوع من العنف الراديكالي والمتمثِّل في عدم
الإنصات للذات الواقعة تحت التخدير، هو دليل على إفساد الضحايا أنفسهم. إذ
يتحول الترهيب إلى كابوس صنعه المفسدون وأصبح غير قابل للضبط إلا بطريقة
خيالية. أما المظهر الثالث لهذا العنف، فهو منع الحديث عن هذا الترهيب.
فكل شخص يعرف المعتقلات، ويعلم أشياء مروِّعة تجري فيها، حتى وإن لم يكن
الجميع على علم بماهيتها، على وجه الدقة، مع أنَّ الأقاويل تنتشر حولها،
إلا أنَّه من غير الممكن أن تتحول هذه الأحاديث إلى موضوع للتغيرات
الحقيقية. ومع أنَّ الحديث عن معنى اللامعقول يبدو مستحيلاً، فاللامعقول
يبقى قائماً، ولكنه يفقد بعضاً من صلابته، بمعنى أنَّه يحوم حول الأفراد
وداخلهم، فيصبح أشبه بأمواج متلاطمة بعنف يتخبَّط الأفراد فيها عبثاً.
والمرحلة النهائية للعنف المبطَّن للتوتاليتارية هي ممارسة الترويع على الذات ذاتها، وهو ما يفضي إلى انعدام ثقة الأفراد بأنفسهم.
الخميس يونيو 23, 2011 11:11 am من طرف الكرخ