شهادة الغضب
جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com
المغاربة
يعشقون الخروج إلى الشارع: من تظاهرات العشرين من فبراير إلى احتفالات
النصر على الجزائر، مرورا بسهرات «موازين» ونزهة تمارة والاحتجاجات
اليومية أمام البرلمان والوزارات... مئات الآلاف يرفعون عقيرتهم بالصراخ
ولافتات بكل الألوان، لإسقاط شيء ما، رغم أن لا شيء سقط إلى حد الآن،
ماعدا أوراق التوت عن بعض المسؤولين، وكمال العماري الذي راح ضحية الشطط
في استعمال العنف ضد تظاهرات الـ20 من فبراير في آسفي. لا يمكن لأي مغربي
حر أن تزعجه مظاهر الفرحة التي عمت شوارع المملكة ليلة السبت الماضي، بعد
الانتصار الكبير الذي حققه المنتخب الوطني على الجيران الجزائريين، لكن لا
شيء على الإطلاق يبرر التعامل المزدوج لوزارة الداخلية مع التظاهرات
السلمية في الشارع المغربي: السماح للناس بالتظاهر بعد منتصف الليل،
تعبيرا عن الفرح، وبعث رسائل تحذرهم من التظاهر دون ترخيص تعبيرا عن الغضب
على الأوضاع السياسية والاجتماعية. واضح أن وزارة الداخلية، من شدة حرصها
على سمعة البلاد، لا تريد أن ترى في الشوارع إلا المواطنين الفرحانين،
الذين يحملون الرايات أو يلبسونها على شكل طاقيات وجلابيب وهم يهتفون:
«والمغريب»، أما الغاضبون الذين يحتجون على الفساد والرشوة والظلم
الاجتماعي، فتفرقهم بـ«الزراويط» والهراوات ودراجات الـ103، وتكسر أضلعهم
أو تضربهم حتى الموت، كما فعلت مع كمال العماري، الذي أكد الطبيب الشرعي
أنه توفي بـ«ضربة على الصدر»، خلال تظاهرات ما بات يعرف بـ«الأحد الأسود»،
ومع ذلك مازالت النيابة العامة في آسفي تصر على أنها لا تعرف «من أين أتت
الضربة»، كما جاء في البيان الذي أصدرته بعد تلقيها لتقرير الطبيب الشرعي.
وكي تخرج من الموقف السخيف الذي وضعت فيه نفسها، أقترح على السلطات أن
تصدر بيانا آخر تقول فيه «إن ضربة الصدر محبة»، وبذلك تعفي قوات الأمن من
أي مسؤولية. ومادمنا في الاقتراحات، اسمحوا لي أن أقترح أيضا على الطيب
الشرقاوي أن يضيف إلى لائحة الشهادات التي تسلمها المقاطعات التابعة
لوزارته وثيقة جديدة اسمها «شهادة الغضب»، تسلم لمن يتوفر على الشروط
القانونية للغضب، هكذا تصبح الوزارة منسجمة مع نفسها، مادامت تسمح
لـ«الفرحانين» بالخروج إلى الشارع دون ترخيص، حتى بعد منتصف الليل، وتطلب
من «الغاضبين» أن يطلبوا رخصة للاحتجاج. بعيدا عن الاقتراحات، ومن خلال
الطريقة التي باتت تتعامل بها الدولة مع مظاهر التجمع السلمي في الشارع،
يبدو كأننا عدنا إلى سنوات إدريس البصري وشعاره المفضل: «كولو العام زين»،
رغم اختلاف المرحلة والسياق. لا مكان لـ«التغوبيشة» في المملكة السعيدة.