المشهد اليمني يبدو في قمة التعقيد، وبالتالي
الاستعصاء على الفهم. فالجيش اليمني يخوض حرباً شرسة ضد المتشددين
الاسلاميين من انصار تنظيم 'القاعدة' في زنجبار عاصمة محافظة ابين في
الجنوب، والمتظاهرون يستولون على معظم مدينة تعز بعد طرد المسؤولين
الحكوميين فيها، وحالة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الصحية يكتنفها
الغموض بسبب التعتيم الاعلامي المفروض من قبل السلطات السعودية حيث يرقد
الرئيس اليمني في احد مستشفيات الرياض.
الامر الواضح، وسط هذا الغموض،
هو تراجع فرص الرئيس اليمني في العودة الى سدة الرئاسة، ليس فقط بسبب
حالته الصحية التي وصفت بالخطيرة، وانما ايضاً لان المحتجين مصرون على
المضي قدماً في احتجاجاتهم، والتمسك بمطالبهم في بدء عهد ديمقراطي جديد
تحدد هويته صناديق الاقتراع.
الادارة الامريكية المصدر الوحيد لاخبار
التطورات الصحية للرئيس اليمني بحكم اهتمامها المباشر بموضوع التغيير في
اليمن، وعلاقاتها الوثيقة مع الرياض، ولم يكن غريباً ان يكشف احد
المسؤولين فيها عن اصابة الرئيس اليمني بجروج خطيرة، وتعرض اكثر من نصف
جسمه للحرق، لان الهدف من مثل هذا التسريب هو الايحاء بان الرئيس لم يعد
قادراً على ممارسة مهامه، او ان فترة علاجه ستطول، مما يعني ان عودته الى
قصر الرئاسة في صنعاء باتت مستبعدة، او غير ممكنة في المستقبل القريب على
الاقل.
ولعل ما هو اغرب من كل ذلك، هو غياب شبه كامل للمعلومات حول
حقيقة ما حدث في المسجد الرئاسي يوم الجمعة الماضي، فلا احد يستطيع ان
يقدم صورة عما حدث في اللحظات الحرجة، فهل اصابات الرئيس اليمني ومساعديه
مثل رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب نتجت عن صاروخ جرى اطلاقه من
الخارج، ام لمحاولة اغتيال داخلية، اقدم عليها احد حراس القصر من الموالين
للثوار او قبيلة حاشد التي يتزعمها الشيخ صادق الاحمر الخصم الرئيسي
للرئيس؟
وأياً كانت الحقيقة، فان اليمن دخل مرحلة جديدة، يمكن القول
انها مرحلة ما بعد الرئيس علي عبدالله صالح، وليس من المفاجئ ان يبدأ
المسؤولون الامريكيون اتصالاتهم مع حلفائهم السعوديين لترتيب عملية انتقال
الحكم بطريقة سلسة لانهاء حالة الاحتقان الراهنة، واعادة المحتجين الى
بيوتهم، وترميم هياكل الدولة بالتالي.
فليس من قبيل الصدفة ان يعيد
السيد عبداللطيف الزياني امين عام مجلس التعاون الخليجي طرح مبادرته
اليمنية على الطاولة مجددا، واستعداده للمضي قدما في جهوده لتطبيقها على
ارض الواقع، فهذه المبادرة هي سعودية في الاساس، والرئيس اليمني الذي رفض
التوقيع عليها قبل اصابته، يتواجد حاليا في الرياض طريحا على سرير المرض،
ويتعرض لضغوط كبيرة من قبل مضيفته لتغيير موقفه، والقبول بالمبادرة
والضمانات السخية التي جرى عرضها عليه، بما في ذلك الحصول على مبالغ كبيرة
من الاموال، ومنحه حصانة من اي ملاحقات قانونية من قبل خصومه.
الرئيس
علي عبدالله صالح كان دائما يصف نفسه بالواقعية (البراغماتية) والقراءة
الصحيحة لتطورات الاحداث، وظل دائما يردد بانه زهد في الحكم ويريد مخرجا
كريما يليق به بعد ان خدم اليمن اكثر من ثلاثين عاما على حد قوله.
اصابته
في محاولة الاغتيال، ومغادرته الى الرياض ربما تشكلان هذا المخرج الكريم،
والنهاية المعقولة لعمره الطويل في السلطة، فهو لن يكون زعيما هاربا مثل
الرئيس التونسي، ولا هو يقف في قفص الاتهام مثل الرئيس المصري حسني مبارك،
ولهذا فان عليه ان يستسلم للامر الواقع، ويعلن تنحيه عن السلطة بمحض
ارادته من خلال خطاب للشعب اليمني، يؤكد فيه انه اتخذ هذه الخطوة بسبب حبه
له، وحرصه على حقن دمائه فهل يفعلها الرئيس علي عبدالله صالح؟