وصف تقرير الخمسينية (1)، العزوبية بكونها وضع صعب الاحتمال، اضافة الى
الطلاق وخاصة بالنسبة للنساء. و في سياق رصده للتغيرات التي تعيد تحديد
العلاقات بين الرجال والنساء، يشير التقرير الى أن السلوك الزوجي للمغاربة
عرف بدوره تحولات ملموسة:"من ابرزها الارتفاع التصاعدي للعزوبة والتحول
الذي يطبع سلوكات الزواج.
نسبة العازبين بالمغرب انتقلت مابين سنة 1960 و 2004 من حوالي %20 الى %46
بالنسبة للرجال، ومن %17 الى %34 بالنسبة للنساء. وعادة ما تفسر هذه
الظاهرة الخاصة بالعزوبة لدى الفئة العمرية مابين 25 و 35 سنة بعوامل
اقتصادية واجتماعية وثقافية،كمدة الدراسة ومدة انتظار عمل قار وصعوبة
الحصول على سكن لائق ومستقل وكلفة الصداق وحفلات الزواج" (ص 39 - نسخة
العربية).
ينبغي الاحتفاظ هنا بكون %46 من رجال المغرب، ممن هم في سن الزواج عازبون و
%34 من نسائه في نفس الوضع. وهي ارقام تدرك قيمتها وتأثيرها العميق من
خلال ارقام آخرى تفصيلية مع مقارنات بسيطة ودالة.
فمعدل العزوبة بالنسبة للنساء مابين 20 و 24 سنة ومابين 25 و 29 سنة في
2004 هو على التوالي %61 و %41. في حين كانت هذه النسبة سنة 1960 مابين %6 و
%2,3 فقط. اما بالنسبة للرجال فتسعة شبان من بين عشرة اليوم في الفئة
العمرية مابين 20 و 24 سنة عازبون. في حين لم تكن هذه النسبة تتجاوز قبل
اربعين سنة مضت 6 على عشرة بالنسبة للفئة العمرية الاولى واقل من 2 على عشر
بالنسبة للفئة العمرية الثانية (25 - 29 سنة).
هذا التوجه الاجتماعي يتقوى مع مرور الوقت نحو العزوبية ويحمل معه مؤشرات
تحولات ديمغرافية عميقة ستتعزز على المدى البعيد.
فالنزوع نحو اطالة مدة العزوبية يخترق البناء الاسري الذي يعتبر أهم كيان
لتشكيل الموارد البشرية بالمغرب ويحمله بتحولات جوهرية تمس العلاقات بين
الاجيال اولا وترفع من درجة استقلالية الفرد اتجاه الزامات المجتمع.
فاستمرار تطور شيوع العزوبية بين صفوف الرجال والنساء سيعمق تراجع نسبة
الخصوبة بالمجتمع المغربي وهي خلاصة واضحة يؤكد عليها خبراء الحقل
الديمغرافي. لكن ذلك أيضا سيعمق الفجوة بين الأجيال مثلما سيقلب على المدى
البعيد الهرم السكاني.
فاذا كان الشباب اليوم يشكل ثروة المغرب وكثرته السكانية وأساس حركيته
الاجتماعية والاقتصادية، فاكتساح العزوبية لصفوفه سيجعل من المغرب على
المدى البعيد مجتمعا شائخا . وهذا الوضع طبعا لا تخفى تداعياته الاقتصادية
على أحد. وهو ما يمنح شرعية اكبر لهذا السؤال: هل المغرب يتوجه لان يكون
مجتمعا عازبا؟ ما مآل مؤسسة الأسرة في المستقبل المتوسط في ارتباط جدلي
بتأثيرات التحولات الاقتصادية وتجدر نمط العيش المرسمل وانعكاساته
الثقافية؟ وهل تؤسس العزوبية لأخلاقية جديدة تستوعب المضمون التحرري
لاستعمال الجسد واستثمار المتعة الفردية وبناء اقتصاد للذة متحرر من القيود
التقليدية المكرسة في صلب العلاقات الاجتماعية بالمغرب؟
عادة ما ينظر إلى الزواج باعتباره مؤسسة الالتزامات والواجبات، والعزوبية
حالة مؤقتة محملة بالحرية غير المحدودة.
لأنها متحررة من ثقل الاحتكار الذي تباشره العلاقة الزوجية، احتكار لجسد
الشريك ولإمكان إشباع الرغبة وبناء إمكانات مضاعفة المتعة الشخصية المرتبطة
بالجنس.
وفي الوقت الذي يسهر المجتمع بكامله على مراقبة هذه المؤسسة وتوفير
الضمانات القانونية التي تجعل هذا الاحتكار مشروعا.
فالعزوبية تبقى شكلا اجتماعيا يفرض نفسه في الواقع لكنه يفتقده لأية
ضمانة.
وهذا الوضع يجعل من الزواج سلبا دائما لكل حقوق العزوبية.
لتكتشف على المستوى الفردي كتجربة دائمة للحرمان. فالجنس مثلا مبتلع
بكامله في فراش الزوجية. والجسد لا يظهر كحق إلا في ظل العلاقات الزوجية
وإشباع الرغبة لا يحظى بوضعه المشروع الا في ذات الحدود.
أما من هم خارج هذه المؤسسة كالعزاب والمطلقين والأرامل فيجردون بموجب
الثقافة السائدة والهيكل القانوني من شرعية استثمار أجسادهم كحقل للذة
والمتعة والرغبة واختبار جمالية الوجود ليكون المنطق الضمني لهذا الوضع
دائما هو توظيف جسد هؤلاء في خدمة الإنتاج ومن أجل مبدأ المردودية وتجريده
من اية شرعية للحصول على اللذة والمتعة.
نتيجة كل هذا تتلخص في كون الحرية المنسوبة للعزوبية تختزن في عمقها محنة
حقيقية. هي محنة الحرمان بما يترتب عنه من تداعيات اخلاقية.
فيكون العازب أمام خيارين أحلاهما مر:
أما أن يتنكر لمطالب طبيعته كجسد ويقمع رغباته فيكون في الحيز الاخلاقي
للمجتمع.
واما ان يتمسك بحقه في جسده وبالتالي يصنف وجوده ضمن المحظور الأخلاقي
المنذور للعقاب الفعلي والرمزي.
وفي كلتي الحالتين فالعازب يتحمل جسده كمحنة دائمة وكعذاب يومي يتأرجح بين
تأنيب الطبيعة في حال الكبت وتأنيب الضمير الاخلاقي في حال ممارسة الحق في
اللذة والمتعة. والنساء طبعا أكثر تضررا من هذا الوضع.
حين يأخذ الحرمان وضعا أخلاقيا يسمى عفة. فيصبح موضوع تثمين اجتماعي تصونه
منظومة متداولة من القيم تجعل العزوبية تختبر كحقل لتصريف الموانع
والمحظورات الاخلاقية.
المثير هنا في السياق المغربي هو كون اكتساح العزوبية للمجتمع الذي يثمن
الزواج يفرض مستقبلا مواجهة سؤال البحث عن اقتصاد جديد للذة يقوم ربما على
توزيع عادل للثروات الجنسية واخلاقية مغايرة للجسد.
ذلك على الأقل ما تؤكده الممارسة الفعلية التي تتم في الواقع الحي .