لنهرب قليلا من أحداث مصر وماتلاها من تداعيات على العالم العربي لكي
نلجآ إلى...أحداث مصر وماتلاها في العالم العربي، فعلى مايبدو لا مهرب هذه
الأيام من الثورات التي تجتاح الدول العربية، ولا ملجأ أو منجى من هذه
الريح التي تسري في المكان الذي كنا نعتقده تابوتا ممتدا من الماء إلى
الماء قبل أن نفاجأ بأنه عرين حياة باقية،
المختار الغزيوي
ومكان لعيش الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم خارج السياق بفعل فاعل، قبل أن
يقرروا أن الوقت هو وقت تغيير كبير سيمس العالم العربي كله ، ولن يستثني
أي جزء من هذا المكان.
البعض قال لنا عبر رسائل في البريد
الإلكتروني إنكم "استكثرتم على الأمير الأحمر -- أو هكذا يلقبه حواريوه
على كل حال - أن يقول أن لا استثناء في العالم العربي للثورات التي تقع،
وهاأنتم اليوم تقولون نفس الكلام بل وتمدحون ثورة مصر العظيمة". المشكلة
البسيطة في العلاقة بيننا وبين الأمير هو أننا لسنا أمراء. نحن أبناء هذا
الشعب ونقول مانقوله انطلاقا من أجندتنا الخاصة بنا تلك التي نؤسسها بناء
على علاقتنا بأبناء شعبنا اليوم بطوله في الحواري والأزقة الشعبية. لم يسبق
لن أن تكلمنا مع مختصين في معهد أمريكي كبير، ولم تعطنا فرصة التجول عبر
الأمم المتحدة لكي يفهمنا عباقرة الزمن الأمريكي الجديد ماعلينا أن نقوله
ونكتبه. ننطلق في كل ماتخطه أيدينا من رؤى العين ومشاهداتها في الشارع
المغربي، ونعتبر أنه يحق لنا فعلا أن نتحدث بلسان بني جلدتنا أكثر من
العديدين ممن يتلقون التعليمات أو الأوامر أو الإيحاءات بأن يكتبوا
مايكتبونه هذه لأيام.
ثم لنتفق على أمر محدد للغاية: هذا البلد لم
يعد حمل صراع قوى ومراكز نفوذ جديدة. يكفيه أن تصارع عليه منذ ١٩٥٦
العديدون وأوصلوه إلى ما أوصلوه إليه، مايفيد أننا اليوم جميعا -- خاصة
الأكثر صدقا منا - ملزمون بالبحث له عن مخرج النجاة أكثر من بحثنا عن
الأماكن أو المناصب التي سنضع فيها أنفسنا بعد أن يقع مايقع. وللأسف الشديد
قلة من هي التي تشغل بالها بهذا الأمر في الوقت الذي تعيد فيه الأغلبية
الغالبة إنتاج نفس النماذج المرضية من السياسيين أصحاب المصالح الذين
أوصلوا البلد إلى الهاوية التي هو فيها اليوم.
ولقد شاهنا كثيرا
من تحليلات اللحظة الراهنة, وليعذرنا أصدقاؤنا, لكننا مضطرون لقولها:
الكثير من هذه التحليلات يعوزه الارتباط بالواقع المعيش. أغلبها يتحدث من
صالونات مرفهة عن أحلام تراود الكبار ومن يدور في فلكهم. أكثريتها تحاول
مداعبة من يوحون بها في اتجاه الزغب, ولا أحد منها يحاول أن يحلل منطقيا
ماقد يقع, ويحاول ربطه بالثورة الكبرى التي شهدها العالم العربي مؤخرا. ذلك
أن المحرك الأساس لكل مايجري الآن داخل منظومة الكبار وتباعهم هو التفكير
في الغنائم التي قد يجنونها في لحظة قادمة, وهذه مسألة لانشغل بالنا بها
كثيرا.
يهمنا أكثر ما يعتقده الوافدون الجدد من صغار هذا الوطن
الذين يحملون همومه كلها. يهمنا أكثر أن نسمع صوت شعبنا ونبضه, وأن نحاول
العثور على مايشكل اليوم اهتمامه الحقيقي لا المفتعل. يهمنا أساسا بعد أن
تبرأت الأحزاب السياسية من هذا الأمر, وبعد أن تعبت الطبقة السياسية من
تحمل تبعاته أن نوصل الصدى الذي يتردد في شارعنا عن كل اهتمامات الصغار
والكبار لئلا نجد أنفسنا يوما خارج كل السياقات مع الناس الذين ينتمون
إلينا وننتمي إليهم شئنا ذلك أم أبيناه.
ماوقع في تونس وماوقع في
مصر بعدها ينادينا جميعا, ويطرح علينا أسئلة كبرى على طبقتنا الفكرية
والثقافية والسياسية أن تفكر في إجابات لها, وحين رأيت وزيرنا في الخارجية
يتحدث عبر القناة الأولى يوم الإثنين الماضي, ثم استمعت لوزيرنا في التعليم
يتحدث عبر برنامج "مومو" في هيت راديو, وانتبهت إلى أن أحمد رضا الشامي
التحق برفيقه في الحكومة منصف بلخياط في الإجابة على أسئلة مرتادي
الأنترنيت عبر الفيسبوك, فهمت وفهمنا جميعا أن الرسالة وصلت بأن التواصل
منعدم بيننا وبين من يتولون شؤوننا, وأنهم التقطوا الرسالة الأبرز في
انعدام التواصل هاته, والتي تقول لهم إن عليهم أن يقتربوا أكثر فأكثر من
الناس لكي يقولوا لهم كل شيء.
وعندما نرى الرئيس الفرنسي ساركوزي
وهو يلجأ إلى خدمات التلفزيون العمومي لكي يتدبر أمر برنامج يتحدث فيه إلى
الفرنسيين, نقول لأنفسنا إن على من يتولون شؤوننا أن يجدوا طريقة ما للحديث
مع الناس, لإفهامهم أن أمرنا يهم المتحكمين فيه, وأن مايقع لدينا وبنا
وفينا ومعنا وعنا, هو في نهاية المطاف شيء علينا جميعا أن نتذاكر حوله وأن
نتفق حوله قبل أن يتم.
لامفر من الاقتناع بهذا الأمر, ولابأس في
ذلك, ففي الختام نحن نحيا مشتركا جماعيا يسمى المغرب, علينا أن نجد له سبل
الوصول إلى كل الأمان الممكن بكل الطرق المتاحة أمامنا, نحن أبناء هذا
المغرب الذين سنبقى فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق هل شرع وزراؤنا في استيعاب
معنى التواصل مع الناس؟ المسألة ابتدأت بشكل خجول, لكنها سائرة الآن في
طريقها من خلال حديث منصف بلخياط باستمرار عبر الفيسبوك, ومن خلال انضمام
أحمد رضا الشامي للأمر ذاته, ومن خلال حديث أحمد اخشيشن وزير التربية
والتعليم مع الشباب من خلال برنامج مومو على "هيت راديو". نتمنى
أن يكون الأمر مدروسا ومفكرا فيه, وأن يستمر دائما, أي أن لايكون مرتبطا
بما يعرفه العالم العربي الآن من تحركات فرضت خروج العديديدن من مواقعهم
للتواصل مع الجموع. نتمنى لأن الزمن هو فعلا زمن تواصل, وإن كان بعضنا لم
يفهم هذا الأمر إلا مؤخرا, مع الأمل ألا يكون الأوان قد فات.