فيلم مصري طويل
جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com
حين خرج ملايين المصريين إلى
الشارع يهتفون بصوت واحد: «إرحل»، توقعوا أن يكون عند رئيسهم «دم» ويلملم
حقائبه ويغادر، لكن «الدم» سال من أجسادهم دون أن يتزحزح «الريّس» من
كرسيه. رغم «جمعة الغضب» و«جمعة الرحيل»، واضح أن الرئيس العجوز لا يريد أن
«يجمع ويطوي»، )إلى حد كتابة هذه السطور) لا يريد أن يغادر إلى مكة
المكرمة، كي يكمد عظامه بماء زمزم ويستغفر الله عن ثلاثين سنة من الظلم
والتجبر، كما صنع الرئيس التونسي «المخلوع» الذي تضامن شعبه واستمات كي
يرسله بالقوة إلى الحج، ليقضي أيامه الأخيرة في التعبد والاستغفار، والله
لا يضيع أجر المحسنين. حسني مبارك يفضل أن يموت في بيته، كما قال للمصريين
صراحة، في الخطاب الذي ذكرهم فيه بـ»بطولاته» خلال حرب 73 ضد إسرائيل، ونسي
أن يستعرض «بطولاته» الأخرى ضد الشعبين المصري والفلسطيني طوال سنوات
حكمه، وآخرها نهاية 2008، حين أحكم إغلاق الحدود مع غزة كي يساعد إسرائيل
على «التنياش» جيدا ضد الغزاويين الأبرياء. على كل حال، «كل شاة كتعلق من
كراعها» ولا بد من يوم للحساب، رغم أن المقاومة التي أبداها مبارك تدل على
أن الكرسي صار جزءا من جسده، ولا بد من عملية جراحية لفصلهما. مع توالي
الأيام والتظاهرات، يتأكد أن النظام في بلد الفراعنة أكثر تعقيدا، الشريط
التونسي كان قصيرا، لكن المصريين يحبون «المطوّلات»، ولا أحد بإمكانه
التكهن بنهاية هذا الفيلم المصري الطويل. حين تدفقت الأمواج البشرية على
الساحات المصرية، توقع الجميع أن النظام لن يصمد أكثر من بضعة أيام، وشد
العالم أنفاسه في انتظار الرحيل... وفجأة شاهدنا الجمال والخيول والحمير
تدخل ميدان التحرير، ساعتها أدرك الراسخون في العلم أن النظام المصري قرأ
«الدمياطي» وسيقدم على مناورة لم ترد في بال الشيطان، وفهمنا لماذا سحبت
قوات الشرطة من الشوارع بمجرد ما بدأت الاحتجاجات. ساحة الشرف، التي كانت
رمزا لصراع ديمقراطي في القرن الواحد والعشرين، تحولت إلى «ساحة وغى» يصول
ويجول فيها عنترة بن شداد العبسي، كأنهم يقولون للمتظاهرين: «إذا كنتم
الإخوان المسلمين نحن كفار قريش»، قمتم بـ»غزوة بدر» هاهي «غزوة أحد»...
الجمال والنبال والأحصنة والرماة والمشاة، من وحشي الذي قتل حمزة إلى وحشي
الذي دهس المتظاهرين بسيارة شرطة. ولا بد أن نجد العذر للعواصم العالمية
التي تخبطت مواقفها، تارة «لا تريد التدخل في شؤون الغير»، وتارة تطلب
«انتقالا فوريا للسلطة»، مرة مع المتظاهرين ومرة مع النظام وأخرى على
الحياد، الجمعة تقول لمبارك: «إرحل» والسبت تقول له: «إبق»... إذا أصيبوا
بالدوخة فهم معذورون، لأنهم لم يشاهدوا من قبل فيلم «الرسالة» ولا «صلاح
الدين الأيوبي»، ولا يعرفون شيئا عن أبي جهل وأبي سفيان. كانوا ينتظرون
رؤية كتيبة من الدبابات و«الشيران» تداهم ميدان التحرير، وإذا بهم يكتشفون
كتيبة من الدواب... أي دبلوماسية بقيت مع الجمال والبغال؟