ما أن سمع الرئيس التشيلى بنييرا عن الكارثة التى وقعت فى أحد المناجم . واحتجاز اكثر من ثلاثين عاملاً تحت الانقاض ، حتى سارع بتجنيد كل الامكانيات المتوفرة لجهاز دولته ، فحشد الجميع طاقاتهم لانقاذ هؤلاء العمال فى جو من الاصرار على نجاح المهمة التى اعتبروها مشروعهم القومى .
لم يكن الأمر بالنسبة لأى مسئول فى جهاز الدولة مجرد انقاذ عدد من العمال وضعتهم ظروفهم التعيسة فى هذا الموقف المصيرى . بل نظر كل مسئول من هؤلاء الى الامر باعتباره انقاذ شيلى نفسها . انقاذها من عار التهاون فى حق الحياة ، واستهتار الدولة فى القيام بواجبها ، وعار التقاعس عن النهوض بمسئوليتها ازاء مواطينها ، فتكاتف الجميع وتعاونوا على انقاذ بلادهم من تحت انقاض التخلف وانتشالها من بين مخالب الضعف والتهاون . واخيراً نجحت " الكبسولة " التى صنعت خصيصاً لانقاذ اولئك العمال التعساء واعادتهم الى الحياة امام الملايين من سكان العالم الذى تسمروا امام شاشات التليفزيون ليشاهدوا مباراة مثيرة بين العلم والتخلف . بين الاهتمام والاستهتار . بين الحماسة والبلادة . بين الشعور بالمسئولية والواجب . وبين الشعور بالبلادة والتناحة .!
وحين جلست لاتابع ذلك المشهد الميثر وجدتنى موزعاً بين مشاعر الاعجاب . والحسرة .. الاعجاب برئيس شيلى وحكومته والحسرة علينا .. ياحسرة علينا !! .
فلت لنفس ما احوجنا لمثل هذه الكبسولة العجيبة لتنتشلنا من تحت انقاض التخلف والفقر . وتعيدنا الى الحياة على ظهر الارض بدلاً من العيش فى باطنها كما نحن الأن . ولكلن قبل حاجتنا الى مثل هذه الكبسولة . نحن فى حاجة عاجلة ، لمثل هذا الرئيس وحكومته . ونظرتهم الى الامر باعتباره مهمة وطنيه لايقوم بها الا وطنيون بحق !
اين نحن من شيلى واين مسئولونا من مسئوليهم ؟!
انها ليست احد الدول الاوربية ذات العراقة فى نظامها الديموقراطى . او ذات الثروات الفائضة . أو ذات العقليات الناهضة . فهل اصبحنا نحن اقل من هذا البلد الذى كان حتى عهد قريب يرسف فى اغلال الفقر والديكتاتورية والقمع ؟
كنا نقارن انفسنا بدول اوربا الناهضة . فاذا ابنا قد اصبحنا نقارن نفسنا بدول متخلفة . فنشعر بالحرة بسبب تخلفنا حتى عن المتخلفين . !
يموت العشرات من المواطنين يوميا على الاسفلت قبل ان تأتيهم كبسولة الاسعاف .
ويحترق العشرات فى المصانع والمنشأت قبل ان تحضر اليهم كبسولة المطافى .
وينزف المواطنون فى معارك بينهم قبل ان نلحق بهم كبسولة النجده .
ويغرق العشرات من زهرة شبابنا فى البحر دون ان تلحق بهم كبسولة الانقاذ .
ويفطس العشرات من مواطنينا تحت انقاض المنازل المنهارة قبل ان تنفذهم كبسولة الدفاع المدنى .
ويحترق العشرات فى قطارات الموت دون ان تمتد اليهم كبسولة الرحمة .
ينتابنى شعور بان دولتنا قررت – دون اعلان صريح منها – بالتخلص منا . وتخفيف حمولتها من المواطنين بالقارئهم فى موارد التهلكة !!
دولة لا تنقصها الامكانيات . ولكن تنقصها الارادة .
وحكومة لا تفتقر الى القدرة . بل تفتقر الى الضمير .
الا يعنى يعنى ذلك ان شعورى فى محله . وانى محق فيما ذهبت اليه من سوء الظن بمسئولينا ؟!
لماذا إذن يتصارع هؤلاء على الفوز بالمقعد . ولا يتصارعون على الفوز بالضمير ؟!
ولماذا يتنافسون على السلطة . ولا يتنافسون على اثبات الارادة الوطنية وتأكيدها ؟!
هل اصبح علينا عند وقوع كارثة من الكوارث ان نستنجد بالرئيس التشليى وحكومته . لأنها باتت اقرب الينا – على بعدها – من رئيسنا وحكومته ؟ !!