يا مال الشام
مليارات لفقراء سوريا... وحرارة تونس حول معدلاتها
وسيم إبراهيم
20/01/2011
بعدما كان درس التربية العسكرية الأكثر إثارة للضجر في المدرسة، صار بقدرة قادر من أمتع الدروس. كانت لدينا الاستاذة نفسها. أربعينية غير متزوجة، صارمة ومقطبة، لكنها تعتني بأناقتها جدا. مللنا من فك وتركيب البارودة البولونية، والبارودة الروسية. حفظنا العملية غيبا، ولم يعد مثيرا التباري في السرعة.
أتت المتعة من حيث لم ننتظر: من الدروس النظرية. كان علينا أن نتناوب القراءة بصوت عال، طوال الدرس. وصلنا إلى درس "هجوم الجماعة". خطر الأمر لواحد من زملاء المدرسة الإعدادية، ونحن نقرأ كيف علينا ضرب العدو في "الأجناب والمؤخّرة". كان يغمر للاستاذة. بعدها، كانت الإحالات الجنسية الماكرة تتقافز أمام أعيننا ونحن نقرأ. كان يمكن لأي تعبير أن يقبل معنى مخاتلا، حتى مع قراءة "رمايات التمهيد المدفعي". كنا نهتزّ في أماكننا ونحن نكتم قهقهاتنا. من يقرأ كان يقاوم، ويداري وجهه المحمر، قبل أن يستسلم محتجا "آنسة، بيضلوا يضحكوني". لم تعرف السبب، كنا نبرر "ما عم نعمل شي". سماها زميلنا عملية "تشريح المفردات".
***
مرّ يومان على مفاجأة العاصفة التونسية، غير المتوقعة.
في حديثها عن أحوال الجو المتوقعة، عنونت وكالة الأنباء الرسمية السورية تقريرها الصباحي "الحرارة حول معدلاتها..". في خبرها، تنقل الوكالة عن المديرية العامة للأرصاد الجوية أن درجات الحرارة ليست حول معدلاتها، بل "أدنى من معدلاتها بقليل". قالت أيضا: "يكون الجو متقلبا، بين الغائم جزئيا والغائم أحيانا، والفرصة مهيأة لهطل زخات رعدية من المطر في أماكن متفرقة من البلاد (...) وذلك نتيجة تأثر البلاد بمقدمة منخفض جوي سطحي من الغرب".
في تقرير الطقس المسائي، عنونت الوكالة: "الحرارة لانخفاض واحتمال تساقط ثلوج فوق المرتفعات". أشارت، ناقلة الأرصاد الجوية، أن المنخفض الجوي السطحي لم يعد سطحيا، بل "في طبقات الجو كافة". لكنها لم تحدد للدقة من أي جهة يأتي.
***
نقلت الوكالة بيانا حزبيا بعد يوم على إصداره. قالت إن "القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي أصدرت بيانا (14 كانون الثاني) بمناسبة بدء الدورة الانتخابية الحزبية، ونقلت قول الحزب إنه "تبنّى عبر مسيرته في قيادة الدولة والمجتمع الخيار الديمقراطي في أغلب أشكال حراكه المجتمعي، لقناعته بأن الممارسة الديمقراطية عملية مركبة ومعقدة تحتاج إلى أفق زمني وممارسة متعددة الأشكال والأوجه والمستويات، لتصل إلى المستوى الذي يخلصها من كافة المؤثرات والرواسب الاجتماعية وغيرها".
وقال البيان إنه "لتحقيق هذه الأهداف العريضة"، التي شرحها مستفيضا، فعلى البعثيين أن ينتخبوا "الأجدر والأكفأ والأكثر قدرة على العطاء والغيرية والتضحية، والأقدر على تحمل المسؤولية وممارستها، والأبعد عن مظاهر المحاباة وتأثير العلاقات والمصالح الشخصية أو الخضوع للضغوط الاجتماعية المختلفة".
***
يوم 15 كانون الثاني، نقلت الوكالة نص مرسوم تشريعي أصدره رئيس الجمهورية قبل يومين. قالت: "أصدر السيد الرئيس بشار الأسد أمس الأول (13 كانون الثاني) المرسوم التشريعي رقم 9 القاضي بإحداث الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية بهدف حماية الأفراد والأسر المستهدفة ورعايتها من خلال تقديم معونات دورية أو طارئة...".
***
أسفل خبر المرسوم ونصه المفصّل، نشرت الوكالة، نقلا عن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، أن إنشاء صندوق المعونة "هو أحد أدوات الحكومة لاستهداف الأسر الأكثر احتياجا في سورية". تطبيق المرسوم كما تقول الوزيرة "سيشمل في المرحلة الأولى 420 ألف أسرة". المعونات التي ستوزع هذا العام "تبلغ ما بين 10-12 مليار ليرة سورية".
***
بعد صدور المراسيم التشريعية، تذهب إلى الوزارات المعنية. جملة "لم تصدر بعد التعليمات التنفيذية"، كانت الرد المتكرر على آذان المستفسرين. الأمثلة كثيرة.
***
بعد يوم واحد على صدور مرسوم صندوق الإعانة، لم يتحدث أحد عن انتظار "التعليمات التنفيذية". بالعكس، أوردت وكالة الأنباء السورية : "جهز فرع المؤسسة العامة للبريد بالسويداء ثمانية مراكز بريدية استعدادا لتوزيع المعونة الاجتماعية على مستحقيها من خلال الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية".
***
سليمان العيسى في سطور، بحسب ما ينقل الموقع الرسمي للشاعر: ولد عام 1921، في إحدى قرى لواء اسكندرون. بدأ كتابة الشعر في التاسعة أو العاشرة. كتب أول ديوان من شعره في القرية، تحدث فيه عن هموم الفلاحين وبؤسهم. دخل المدرسة الابتدائية في "مدينة أنطاكية" - وضعه المدير في الصف الرابع مباشرة - وكانت ثورة اللواء العربية قد اشتعلت عندما أحس عرب اللواء بمؤامرة فصله عن الوطن الأم سورية. غادر لواء الاسكندرونة بعد سلخه. شارك في تأسيس البعث منذ البدايات. اتجه إلى كتابة شعر الأطفال بعد نكسة حزيران عام 1967.
***
معظم طلاب المدارس السورية يحفظون نشيد حزب البعث الحاكم في سوريا. مطلعه ينادي "يا شبـاب العرب هيـا، وانطلق يا موكبي". يضم مقطعين: "نحن فلاح وعامل، وشباب لا يلين. نحن جندي مقاتل، نحن صوت الكادحين. من جذور الأرض جئنا، مـن صميم الألم. بالضحايا ما بخلنا، بالعطاء الأكرم (اللازمة) خندق الثوار واحد، أو يقال الظلم زال. صامد يا بعث صامد، أنت في ساح النضال. وحد الأحرار هيا، وحد الشعب العظيم. وامـض يا بعث قويا، للغد الحر الكريم".
***
ألف سليمان العيسى كلمات نشيد البعث، ولحنه الموسيقي الياس رحباني على إيقاع الفالس. كان ذلك بعد حوالي العقدين على تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي 1947.
***
ثورة الشعب التونسي لا مكان لها في الإعلام السوري. الحديث فقط عن فوضى وأعمال تخريب. افتتاحية الصحيفة السياسية الخاصة الوحيدة، ذهبت أبعد. قالت إن ما حدث في تونس يجعل "الدرس ليس موجها للقادة العرب إنما لقادة الغرب"، وأضاف رئيس تحريرها "سيكون على قادة الغرب إعادة حساباتهم والتعامل مع الشعوب العربية على أنها شعوب قادرة على فرض إرادتها وقرارها وهي شعوب حرة لا ترتهن إلا لمصالحها ومصلحة أوطانها".
***
مراسل المحليات لنشرة "كلنا شركاء"، الالكترونية السورية، وضع هذا العنوان لخبره "بركات تونس: بعد صندوق المعونة اليوم مرسوم بزيادة التدفئة!". نقل المراسل خبر مرسوم تشريعي جديد أيضا، يزيد تعويض التدفئة من 630 ليرة ليصبح 1500 ليرة شهريا، لحوالي مليونين من العاملين في الدولة والمتقاعدين. مهّد للخبر: "شهدت سورية في الأيام الأربعة الماضية قرارات ومراسيم هامة، بدأت بمرسوم يقضي بإعادة توزيع كتلة الأجر المتحول المستحقة (...) والمرسوم التشريعي (...) لعمال مرفأ طرطوس الذين أضربوا أمام مبنى المحافظة، وقرار من رئاسة مجلس الوزراء يقضي بطي قرار وزير الإعلام بفصل العاملين على البونات من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومن ثم مرسوم بخصوص صندوق المعونة الاجتماعية، واليوم مرسوم بزيادة مقدار تعويض التدفئة".
***
الوزراء المعنيون يقولون إن التوزيع سيبدأ الشهر القادم. وكالة الأنباء الرسمية نقلت عن وزير المالية أن زيادة تعويض التدفئة سيكلف الدولة حوالي 15 مليار ليرة سورية سنويا، و"ستكون لهذه السيولة آثار إيجابية على النشاط الاقتصادي"