تخويف النظام بثورة تونس وتذكيره بانتفاضة 77.. واستبعاد الثورة لاختلاف مبارك عن زين العابدين
حسنين كروم
2011-01-20
القاهرة - 'القدس العربي' - من حسنين كروم:
كانت
الاخبار والموضوعات الرئيسية في الصحف المصرية الصادرة امس عن القرارات
الصادرة عن مؤتمر القمة الاقتصادية وكلمة الرئيس مبارك، واستمرار الوقفات
الاحتجاجية من جانب فئات كثيرة وكلها لأسباب اقتصادية، وقرار محكمة القضاء
الإداري بمجلس الدولة بإلزام وزارة الداخلية الإفراج فورا عن مجدي أحمد
حسين الأمين العام لحزب العمل المجمد، والمحكوم عليه بالسجن سنتين من
المحكمة العسكرية لدخوله غزة دون تصريح، بعد ان أمضى ثلاثة أرباع المدة،
عملا بالإفراج الشرطي، وكان يجب الإفراج عنه في شهر اغسطس الماضي، ولا
نعرف ان كان ستتم الاستجابة فورا للحكم في إطار إبداء قدر من التسامح بعد
أحداث تونس، خاصة وأن زميله رئيس تحرير 'الشعب' السابق طلعت رميح بدأ في
ممارسة عمله كرئيس تحرير لجريدة 'الدستور' مما يضع احتمالا بأن تكون بديلا
لجريدة 'الشعب' وتسد الفراغ الذي تركته عملية الإطاحة برئيس تحريرها
السابق إبراهيم عيسى، ورئيس تحريرها التنفيذي إبراهيم منصور، ولا نعرف ان
كان ذلك سوف يتبعه السماح لعيسى بإصدار جريدة جديدة أم لا.
وبالنسبة
لخبر ارسال ستة من أشقائنا الأقباط الذين اصيبوا في الحادث الإرهابي في
الإسكندرية الى المانيا للعلاج على نفقة الدولة، فهو منقول من الصحف، ولم
يكن له مصدر آخر. وإلى بعض مما عندنا:
'الاهالي': ثورة مصرية مقبلة في حكم المؤكد
وتواصل
عمليات بث الرعب في قلب النظام من الثورة في تونس وامتدادها إلى مصر لأنها
مهيأة لمثلها، ففي 'الأهالي' لسان حال حزب التجمع اليساري المعارض قال
أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو المكتب السياسي للحزب الدكتور جودة
عبد الخالق: 'هل يتوقع أن تحدث ثورة شعبية في مصر أسوة بتونس؟ ونحن في
الذكرى الـ34 لانتفاضة 18 و19 يناير 1977 فهذا هو الأرجح بل ربما يكون
اندلاع ثورة شعبية في مصر في حكم المؤكد، المسألة مسألة وقت فقط فأوضاع
مصر الاقتصادية والاجتماعية أسوأ كثيرا من أوضاع تونس، بل وتزداد سوءا،
فالفقر أكثر عمقا والبطالة أوسع انتشارا والغلاء أشد وطأة، والفوارق
الطبقية اتسعت كثيرا نتيجة تركز الدخل والثروة، وفساد نظام 'مبارك' لا يقل
كثيرا عن فساد نظام 'بن علي' والوضع السياسي تدهور بشدة مع التزوير الفاضح
للانتخابات في 2010 والتضييق المتزايد على حرية التعبير والإعلام تحية
لشعب تونس الثائر وتقديرا لشعب مصر الصابر، فدولة الظلم زائلة لا محالة'.
الفرق بين مصر وتونس
يتعلق بالأوضاع الاقتصادية
وفي
نفس العدد شارك في عملية التخويف زميلنا وصديقنا وعضو المكتب السياسي
للحزب حسين عبدالرازق خاصة وأنه كان أحد المقبوض عليهم في انتفاضة 77، إذ
قال وهو يقارن بين النظامين: 'الفرق بين مصر وتونس يتعلق بالأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية، فتونس منذ الاستقلال وخاصة بعد انقلاب بن علي عام
1987 حققت تقدما اقتصاديا واجتماعيا غير مسبوق في العالم العربي، سواء في
متوسط الدخل وارتفاع مستوى المعيشة وبروز طبقة وسطى عريضة ومتسعة وارتفاع
مستوى الوعي نتيجة للتعليم وتراجع الأمية بصورة شبه كاملة، وتوفير الحماية
والتأمين الصحي لكل المواطنين، وبالتالي التطلع للحصول على الحقوق
والحريات السياسية والمشاركة في الحكم.
ورغم التقدم الاقتصادي
والاجتماعي في تونس فارتفاع نسب البطالة خاصة بين حاملي الشهادات الجامعية
وانتشار الفساد 'وكلاهما أمراض تعاني منها مصر ربما أكثر من تونس' كانا من
الاسباب المباشرة لانتفاضة الشعب التونسي، وهذه الحقائق التي تبرز اختلاف
الأوضاع بين تونس ومصر، لا تؤدي للقول باستحالة التغيير في مصر بقوة
الجماهير، ولكنها توضح ان التغيير الضروري والحتمي في مصر لن يكون صورة
كربونية من التغيير في تونس.
وإذا ظلت الأحزاب المصرية الديمقراطية
الداعية للتغيير عاجزة عن كسر الحصار المفروض عليها والنزول الى الجماهير
للمطالبة بالتغيير حيث هي وتنظيمها والتحرك معها فسيتحرك الناس بعيدا عنها
وسيخلق الشارع زعاماته، وساعتها لا يلوم قادة هذه الأحزاب إلا أنفسهم'.
'المصري اليوم' تخوّف النظام من مصير بن علي
لا،
لا، هذا تحريض وتنطبق عليه اكثر من مادة في القانون، بالإضافة الى حالة
الطوارىء، كما سارعت استاذة العلوم السياسية الدكتورة منار الشوربجي في
نفس اليوم - الأربعاء - في 'المصري اليوم' بالمشاركة في عملية تخويف
نظامنا الوطني وإثارة رعبه بالقول: 'تصريحات النخبة الحاكمة في مصر التي
تتباهى بما تعتبره انجازات وتقلل من شأن كل المؤشرات التي تناقضها، تبدو
نسخة من التصريحات الرسمية التي اعتاد عليها إخواننا في تونس، ففي مصر
تأكيد رسمي مستمر على تحسن مستويات المعيشة مرة بدليل شراء المصريين أجهزة
التكيف ومرة بدليل شرائهم أجهزة المحمول، ومرة بدليل زيادة استهلاك الكوكا
كولا، أما الموت الجماعي لأطفال وصبية في عمر الزهور يكدحون في ظروف غير
آدمية فهو لا ينظر إليه باعتباره مؤشرا اقتصاديا على الإطلاق وانتحار
الشباب الذي لا يجد فرصة عمل هو أيضا بلا دلالة.
فساد مقولات يروج لها
البعض في مصر تزعم أن الناس لا يهمها سوى لقمة العيش وأن لا طلب على
الديمقراطية، والطريف هو أن من يقولون ذلك هم أنفسهم الذين يتجاهلون أن
الكثيرين لا يجدون لقمة العيش، ولا مفاجأة أيضا إن أدى الانفجار في تونس
الى أعمال نهب غير محسوبة، فتلك من التداعيات المعروفة لموت السياسة'.
تحريض مباشر للشعوب العربية للانتقام
ومنار
تشير الى تصريحات رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، أما زميلنا بـ'المصري'
محمد البرغوتي فقد قام بعملية تحريض مباشرة لشعوب أمتنا العربية ضد
حكامها، عندما صاح فيهم: 'إن أعظم ما أهدته الانتفاضة التونسية للعالم
العربي المقموع، هو التخلص مرة واحدة من ميراث الخوف من الطاغية، واليقين
المطلق بأن أعتى الحكام العرب لن تحميه من شعبه عشرات الأجهزة الأمنية
القذرة، ولا آلاف القناصة السفاحين وأن هبة واحدة صادقة ومتواصلة كفيلة
باقتلاعه من حصنه الحصين وأن كل عتاة الإجرام الذين أوكل إليهم مهمة
حمايته من شعبه سيتحولون في غمضة عين، الى هباء منثور أو في أفضل الأحوال
الى ذئاب مسعورة تعيث قنصا ونهبا قبل أن تتهاوى وتسقط في قبضة العدالة'.
لا،
لا، لقد نسي البرغوتي في غمرة حماسته ان هؤلاء القادة استفادوا جدا من
تجربة زين العابدين في سرعة الفرار وهو يسابق الريح حتى لا يقع في قبضة
الثائرين، لذلك صمموا كراسي حكم جديدة، اكتشفها زميلنا الرسام محمد عبد
اللطيف ورسمها لنا في 'اليوم السابع' الاسبوعية المستقلة، وهي أن يكون
كرسي الرئاسة أو العرش على هيئة طائرة هليوكوبتر.
'الجمهورية' تستبعد انتفاضة مماثلة لتونس
لا،
لا، هذه أحلامهم، وما حدث في تونس لا يمكن أن تشهد بلادنا مثله، وهو ما
أوضحه أمس بجلاء زميلنا محمد علي إبراهيم رئيس تحرير 'الجمهورية' بقوله:
'لا
أفهم هذا الانتشار لمواقع فيس بوك تدعو إلى ثورة في مصر مماثلة لما حدث،
وهناك اصرار عجيب على أن التغيير بدأ وسينتشر، ودعوني اسأل، من الذي أشعل
التغيير في تونس 'انه الرئيس بن علي نفسه، كيف؟ بمكابرته بأن بلاده غنية
لا يحتاج فيها المواطنون الى سلع مدعومة، وتونس ليست بها تعددية مصر
ولبنان والسودان، تونس تؤيد أمريكا في كل شيء عكس مصر التي تناهضها في
أشياء كثيرة، النظام في مصر يقول الحقيقة ولا يجملها، أعلن انخفاض
الاستثمار وارتفاع التضخم الى عشرين في المائة، وهبوط معدلات النمو، لم
يحدث ان أطلقت مصر رصاصا على متظاهرين، والرئيس مبارك لا يتهم حكومته أو
مستشاريه بالتقصير كما فعل بن علي، من يفعل ذلك يتهرب من المسؤولية، ويؤكد
في كل خطاباته انه مسؤول عن هذا الشعب من اجل ذلك يلجأ له الناس،
المتظاهرون يلجأون إليه لحل مشاكلهم لأنهم يعرفون انه الأمل، كل أزمة
داخلية يحلها الرئيس ويثق الشعب في قدرته على قيادة السفينة لبر الأمان،
تونس لا تحيطها أخطار خارجية مثل مصر، ومن ثم فإن الزعيم حسني مبارك هو
خير مدافع عن الأمن القومي المصري في وجه التحديات التي تواجهه من الشمال
الشرقي ومن الفرس ومن ميليشيات تدعي المقاومة وتنشر الإرهاب.
مصر إذا شاعت فيها الفوضى سيحترق وطن به 82 مليون مواطن'.
'الاخبار': مصر بأمان
طبعا، طبعا، وهذا ما أكده لنا في نفس اليوم زميلنا في 'الأخبار' أنور محمد بقوله:
'لأنه
نصير الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل والأسر الأولى بالرعايا والمهمشين
ستظل مصر بإذن الله - آمنة وقوية ومحورية وقوة إقليمية لا يستهان بها
ولأنه سابق عصره في إحداث إصلاحات سياسية ودستورية وقانونية واقتصادية
واجتماعية بخطوات محسوبة متدرجة فلن يحدث لمصر ما حدث في تونس من ثورة
شعبية أجبرت الديكتاتورية زين العابدين بن علي على الهرب وسرقة أموال وذهب
البنك المركزي.
الواهمون الذين يريدون لمصر سوءا لن يفلحوا أبدا لأن مصر قوية وشعبها طيب ومتسامح، ولكن أقول للحكومة عليها ان تهتم بمشاكل البسطاء'.
تحذيرات للنظام من داخله
طبعا،
فهذا مما لا شك فيه ولا ريب، ولكن هناك من حذروا النظام وهم من داخله مثل
صديقنا لواء الشرطة ورئيس إدارة الإعلام والعلاقات السابق بوزارة الداخلية
رؤوف المناوي الذي نشرت له 'الوفد' امس حديثا أجراه معه زملاؤنا فاتن
الزعويلي وهناء علي وحمادة بكر، قال فيه: 'مرتبات ضباط الشرطة حالياً -
مأساة حقيقية بمعنى الكلمة، أن يعمل الضابط حوالى '18' ساعة يوميا وعنده
أسرة وأولاد وممنوع عليه ان يشتغل بعمل آخر.
- نحن ليس لدينا قمع كما
في تونس ولكن عندنا أخطاء تنفيذية كبيرة جدا ومن الممكن أن تكون لها آثار
سلبية أيضا واصلاحها سهل وهذا باختيار الأشخاص المناسبين للتفاعل مع الشعب
وحل مشاكل الشعب، إذا قرر الخروج للشارع فهو قادر على إحداث التغيير.
فمن غير المعقول ان يظل خريجو الجامعات بدون عمل لمدة '15 سنة' مثلا فهذا يخلق منه إرهابيا لأنه كده ميت، وكده ميت'.
هجمات ضد مجلس
حقوق الإنسان لتجريمه الانتحار
وما
دام كده ميت وكده ميت، فهذا يقودنا الى محاولات الانتحار التي تتم وهل من
الممكن أن تشعل ثورة مشابهة لما حدث في تونس بعد حرق محمد بوعزيزي نفسه؟
'المسائية'
اليومية الحكومية نشرت يوم الأربعاء تحقيقا لزميلتنا مروة صالح جاء فيه:
'يقول حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ان فكرة
الانتحار نفسها تجرمها كل الأديان ومواثيق حقوق الإنسان ولكن اعتبر
المنتحر مسكينا لأن الأوضاع التي قادته الى هذا المصير لا يتحملها أي
إنسان، الدنيا أسودت في وجه هذا الشاب فلم يجد أي حلول سوى التخلص من نفسه
وأمام مجلس الشعب حتى يرى الجميع إلى أي مدى وصل به الحال، أن الظلم هو
السبب الأول في انفجار المواطن، فالفساد وصل الى حدود لا يمكن ان يتحملها
بشر بدليل ان معظم التقارير الحكومية تؤكد أن عوائد التنمية تعود الى فئة
قليلة من الشعب والغالبية لا تجد قوت يومها ومعاشها لا يكفي منتصف الشهر
حتى الطبقة الوسطى اصبحت تعاني الأمرين في ذلك، انتحار المواطن عبده
عبدالمنعم ليس لتقليد الحالة التونسية فقط ولكن لكي يفقد المواطن حياته
لابد أن يكون له اسبابه التي قادته لهذا الوضع الأليم، وأنه لا يستبعد
تشابه الوضع بين تونس ومصر في الأوضاع المأساوية التي يعيش بها المواطن في
ظل قيام الحكومة بحزمة من الإجراءات لرفع الأسعار وفرض الضرائب على
المواطن البسيط والمطحون في حين تخرج الحكومة لتبرر فساد الوزراء
والمسؤولين ورجال الأعمال بشكل مستفز.
نسبة الانتحار في مصر تتزايد
ويشاركه
في الرأي ناصر أمين رئيس المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة وحقوق
الإنسان ويوضح ان الشاب التونسي الذي انتحر كان معترضا على الظلم ومحتجاً
لكرامته ولدينا في مصر نسبة الانتحار في تزايد مستمر لنفس الأسباب ورغم
ذلك لم تتحرك الحكومة إلا بإجراءات صادمة للشعب برفع الاسعار، انه رغم ان
كل المواثيق الدولية وكل نصوص الأديان تجرم اللجوء الى الانتحار إلا أن
الأوضاع الحالية في معظم المجتمعات العربية وعلى رأسها مصر جعلت الانتحار
وسيلة من وسائل الاحتجاج وإلا ما جاء الشاب المصري من الإسماعيلية لينتحر
أمام مجلس الشعب فلماذا لم يقدم على الانتحار في مكان اقامته وذلك لأنه
أراد ان يحتج على الظلم الواقع عليه، ان الفساد هو الشرارة التي من الممكن
ان تطلق احتجاجات عامة في مصر وهي نفس الشرارة التي اطلقت احتجاجات تونس
وبعدها الأردن والجزائر، ان الوضع الداخلي في مصر مؤهل، لذلك نظرا لاحتقان
المواطن لدرجة الانتحار'.
شكر خاص للمنتحرين
وحكاية ان مجيء
عبده من الإسماعيلية الى القاهرة ليحرق نفسه امام مجلس الشعب، كان لها
مغزى ومعنى، عميقان ينفيان احتمال ان يحدث في مصر ما حدث في تونس، لأن
المعنى والمغزى أن الشعب يثق في مؤسسات الدولة، مثل مجلس الشعب، وأن
المصريين لن يتفاعلوا مع المنتحرين، ولهذا وجه اليهم الشكر زميلنا وصديقنا
بـ'الجمهورية' ورئيس مجلس إدارتها السابق محمد أبو الحديد بقوله أمس:
'شكرا
للمواطنين المصريين الثلاثة الذين أقدموا خلال اليومين الماضيين على
الانتحار بإشعال النار في أنفسهم امام مجلس الشعب على طريقة الشاب التونسي
'محمد بوعزيزي'، شكرا لـ'عبده حمادة' صاحب مطعم القنطرة غرب و'محمد فاروق
محمد' المحامي بالسيدة زينب و'سيد علي' الاستورجي بنفس الحي.
ولو كان
الأمر بيدي، لدعوت الى تكريمهم تكريما إضافيا علاوة على بحث مشاكلهم،
وإزالة الدوافع التي أودت بكل منهم الى محاولة الانتحار.
لقد قدموا
لمصر - في رأيي - بمحاولاتهم هذه، ودون قصد منهم خدمة عبقرية لا تقدر بثمن
كانت أحوج ما تكون إليها، أمام نفسها وأمام العالم في هذا التوقت البالغ
الحساسية بالذات. هذه المحاولات وتكرارها كان كافيا لإبطال مفعول قنبلة
الانتحار وتأكيدا ان سيناريو تونس بالنسبة لمصر ليس قابلا للتكرار.
لقد
حول تعدد المحاولات خلال 48 ساعة فقط عملية الانتحار بنفس الطريقة، وفي
نفس المكان الى موضة والموضة بطبيعتها عارضة أو مؤقتة ما يلبث الناس ان
ينفضوا عنها.
- لقد أحبطوا مساعي البعض في الداخل والبعض في الخارج
للاستغلال السياسي لما يجري حولنا وإسقاطه علينا بل ومحاولة شحن الرأي
العام المصري في اتجاه 'حتمية' انطباقه علينا.
أثبتت محاولاتهم ان مصر
تقود ولا تقاد، وأن الشعب المصري - كما كان طوال تاريخه - هو المعلم وليس
تلميذا في مدرسة أحد أياً كان هذا الأحد.
- لقد عززوا شرعية مجلس الشعب
الجديد باختياره مكانا لمحاولاتهم الانتحار أمامه - وهذه نقطة قد لا ينتبه
إليها أحد، لم يذهبوا إلى جمعية 'البرادعي' الوطنية للتغيير، ولم يلجأوا
إلى البرلمان الموازي أو الذي يسميه أصحابه البرلمان 'الشعبي' هم ومعهم كل
المصريين يدركون تماما ان هذه وذاك كيانات إعلامية اكثر منها حقيقية أو
ذات فاعلية لا تهش ولا تنش وليس لديها حل أو في يدها قرار.
أثبتوا ان
مجلس الشعب كثرت فيه المعارضة أو قلت، سيطر الحزب الوطني على كل مقاعده أو
على أغلبها ما زال في نظر الشعب مبنى ومعنى رمزا لمؤسسة دستورية مصرية
عريقة، تعبر عنه، وتشرع لمصلحته'.
عمليات تمصير الانتحار بدأت
طبعا،
ولا شكر على انتحار، والذي ألاحظه انه تتم الآن عملية تمصير للانتحار، أي
اكسابه طابعا مصريا متميزا، سيحوله من شرارة لاضطرابات سياسية الى مادة
للتفكه أو السخرية، فقد تعددت اسباب حالات الانتحار، وأكسبها المصريون
شيئا من خفة دمهم، فالمحامي الذي حاول إحراق نفسه امام مجلس الوزراء
احتجاجا على هروب ابنته وعدم مقابلة المسؤولين له، أحضر ابنه معه ليسرع في
إطفاء النار، أما أطرف الحوادث فقد نشرتها 'الأخبار' امس في صفحة الحوادث
قال عنها زميلنا رشاد كامل: 'هدد موظف بشركة المياه بمسطرد بإشعال النار
في نفسه حاملا زجاجة مياه وولاعة في يده أثناء تواجده داخل ديوان محافظة
القاهرة أمس، إذا لم يحصل على شقة بمشروع الإسكان الجديد، تم اخطار اللواء
إسماعيل الشاعر مساعد أول الوزير لأمن القاهرة وانتقل اللواء حسن عزت
حكمدار القاهرة، وأجهزة الأمن، وتم الإمساك بالموظف حازم عبدالفتاح
عبدالعزيز - خمس وثلاثون سنة - وتبين ان الزجاجة بها مياه معدنية وأن
الولاعة فارغة، وبسؤال الموظف قرر انه تقدم بطلب للمحافظة للحصول على شقة
منذ فترة، ولم يحصل على أي رد وذكر مسؤول بالمحافظة ان الموظف لا تنطبق
عليه الشروط حيث انه من سكان القليوبية، تم إحالة الموظف الى نيابة عابدين
التي تولت التحقيق'.
موظف كان سيشعل النيران بأسرته
كما نشرت 'الأخبار' تحقيقا آخر من المنوفية لزميلنا محمد الشامي، جاء فيه:
'تراجع
موظف بالتموين بمدينة شبين الكوم عن إشعال النيران في أسرته عقب قيام
مسؤولي مديرية الري بمحافظة المنوفية بإرجاء تنفيذ قرار الإزالة الصادر
لعشته والتي يعيش بها هو وزوجته وأولاده منذ أكثر من خمسين عاما، كان عادل
محمد البيومي غنيم، خمسون سنة، موظف بإدارة التموين قد هدد بإحراق نفسه هو
وأولاده، سعيد طالب بكلية التجارة، ومحمد طالب بالإعدادي وزوجته نادية شبل
ووالدته العجوز، والجميع يقيمون داخل عشة بشبين الكوم، بالبنزين في حالة
قيام الري بتنفيذ قرار إزالة العشة التي يقيمون فيها منذ عشرات السنين
والتي ورثها عن والديه، وقرر المهندس محمود عبدالستار مدير عام الري
بالمنوفية ارجاء عملية الإزالة ومقابلة المواطن للاستماع الى شكواه
ومحاولة حلها بالشكل القانوني'.
حالة رعب تسيطر على النظام
والملاحظ
هنا حالة الرعب التي تسيطر على النظام من ان تؤدي احدى هذه المحاولات رغم
طابعها الفكاهي الى مظاهرات أو اضطرابات، ولذلك هناك تعليمات صارمة لجميع
المسؤولين بمحاولة حل أي مشاكل، تجنبا لأي تطور غير محمود، وبسبب جدية هذه
التعليمات، وصرامتها، فان كل مسؤول يخشى ان يتحمل عاقبة أي انفلات، ولذلك
فالجميع يجتهدون الآن في التودد لأصحاب المشاكل، وقد وصل الأمر بوزير
التربية والتعليم، الدكتور أحمد زكي بدر، لأن يسرع بالاستجابة لمطالب
عشرات الموظفين في قطاع الكتب ويلغي القرارات الصادرة بنقلهم، وانما
استجاب لطلب عدد من أطفال الحضانة بمقابلته وتناقش معهم، ونقلت الأخبار ما
دار بينه وبين الاطفال في تغطية لزميلنا محمود كامل، جاء فيها:
'في
البداية تحدث طفل في 'كي جي 1' بمدرسة سعد زغلول التجريبية بحلوان الى
الوزير وقال: 'انت وزير واللي ميسمعش كلامك لازم تدخله السجن'، ورد الوزير
على التلميذ 'اللمض' مدافعا عن الحكومة وقال 'أيوه أنا وزير لكن في قانون
في البلد ولازم نتناقش مع الناس ونحاورهم مفيش حد أحسن من حد' وطالب
التلاميذ بتخفيف المناهج مؤكدين انها صعبة على الفهم فأكد لهم الوزير ان
الوزارة تعمل حاليا على تطوير المناهج وتنقيتها من أي صعوبات أو اخطاء،
وسأله أحد التلاميذ عن دور الوزير فرد بأن الوزير هو المسؤول عن وضع
سياسات التعليم ورد التلميذ على الوزير 'الإجابة صحيحة'، وطالبهم الوزير
باحترام المدرسين وحبهم 'زي بابا وماما'.
'ياللي بنار الهجر كاويني
من كتر خوفي عليك ما بانام'
وهذا-
والحق يقال - تغيير هائل واستجابة من الحكومة للرغبة في التغيير وقد حدثت
فعلا في الصحافة وقال عنها امس في 'المصري اليوم' زميلنا خفيف الظل جلال
عامر: 'ياللي بنار الهجر كاويني من كتر خوفي عليك ما بانام، ومعظم النار
من مستصغر الشرر، وطبعا نحن نتفاعل مع الأحداث ويتصاعد غاز الهيدروجين،
ونتأثر بما يحدث في العالم، لذلك تم تغيير رئيس تحرير مجلة الإذاعة
والتليفزيون، أوسع المجلات العربية انتشارا بعد الانفلونزا وذلك لمواجهة
الحدث ومواكبة التغييرات الإقليمية والدولية وهو تغيير جذري كانت تطالب به
القوى الوطنية، والقوي عليه ربنا، وعندما قيل لجحا علمني التفاهة قال
الحصة بعشرين جنيها، رحل الزميل المحترم 'ياسر رزق' الى 'الاخبار' وترك
فراغا دستوريا في المجلة وترك لها حق تقرير المصير فبدا للناس وكأن الرجل
هو المسؤول الأول عما يحدث في الوطن، والعمر الطويل لك، اليوم غيرنا رئيس
تحرير، وبعد سنوات نغير رئيس مجلس محلي واخد على خاطره، وبعد سنوات نغير
'محافظ' على وزنه وهكذا فاصبر واحتسب، وقلت لحضرتك انني أحبك لكن اكتر من
اللحمة لأ، فأكثر المتفائلين لم يكن يحلم بكل هذا التغيير الذي فاجأ
العالم أثناء نومه، فاليوم غيرنا رئيس تحرير وبعد سنوات نغير مشرف صفحة
وبعد سنوات نغير ريقنا، عندك حاجة أفطر؟'.
وهكذا، ألم أقل لكم ان المصريين سوف يقومون بتمصير الانتحار، والتغيير أيضا؟!.
الصورة المزيفة لتونس الخضراء
التي نشرتها صحف الحكومة
وإلى
نوعية خاصة من المعارك التي تسببت فيها ثورة تونس وفرار بن علي منها،
المعركة التي قام بفتحها زميلنا في 'الأهرام' كارم يحيى في مقال له
بـ'العربي' ضد الصحف المصرية التي كانت تنشر إعلانات عن بن علي ونظامه،
وعن زوجته ليلى الطرابلسي، ومما قاله:
'مسافة كبيرة بين الصورة المزيفة
لتونس الخضراء تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي 'نصير الحريات وحقوق
الإنسان وصاحب معجزة التنمية والتحديث وغيرها من الأوصاف والألقاب مدفوعة
الأجر في الصحف المصرية قومية وحزبية وخاصة جديدة وبين حقيقة تونس الحمراء
التي تنتفض على الدكتاتور زين العابدين وأسرته وعصابته في الحكم والنهب
والفساد والتبعية للغرب والتطبيع مع إسرائيل فيتساقط في موكب جليل شهداء
انتفاضة الخبز والحرية برصاص قوات الطاغية متعدد الألقاب.
في هذه
المسافة الشاسعة بين تونسين خضراء وحمراء يقف رؤساء تحرير ومسؤولو أقسام
وصفحات وكتاب رأي ودكاترة باحثون ومحررون وقد انخرطوا في الخلط بين
الإعلان والتحرير وبين المهام الصحافية والرحلات السياحية بل وحتى نقباء
للصحافيين خانوا مصداقية الكلمة وداسوا على القوانين والمواثيق وقد تحولوا
جميعا الى زبائن لدى 'وكالة الاتصال الخارجي التونسية 'أشبه بهيئة
الاستعلامات لدينا' والتي تنفق ببزخ على تجميل صورة الدكتاتور في الخارج
من قوت الشعب على نحو لم يعرفه عهد بطل الاستقلال ومؤسس الجمهورية
التونسية الرئيس الحبيب بورقيبة، وبالطبع كما عندنا لا توجد شفافية، تفصح
عن حجم هذا الانفاق، لكن متابعة المنشور في الصحافة العربية والعالمية
تفيد أيضا بأن صحفنا تتقدمها القومية العملاقة على رأس قائمة زبائن وكالة
زين العابدين، شخصيا لدي ما يملأ بالوقائع كتابا عن هؤلاء الزبائن في
صحافتنا والكثير من هذه الوقائع عايشته بنفسي وكنت شاهدا عليه من صالات
التحرير الى التنفيذ والطبع ولولا خشية الانزلاق الى كتابة فضائحية لرويت
الآن ما شاهدت وعايشت وحاولت مقاومته وآخرون عبثا'.
'الوفد': تشبيه مصر بتونس كلام فارغ
والمعركة
الثانية شنها في 'الوفد' زميلنا محمد ثروت ضد وزير الخارجية أحمد أبو
الغيط بسبب تصريحاته التي هاجم فيها من شبهوا مصر بتونس بأن كلامهم فارغ،
فقال عنه: 'لا يصح أن تصدر من طالب ثانوي وليس من مسؤول بدرجة وزير خارجية
انتقال تلك الثورة الى مصر كلام فارغ، أما هؤلاء الذين يتصورون أوهاما
ويضعون الكثير من الزيت فوق اللا شيء فالزيت سيؤدي الى اتساخ ملابسهم!
بداية كمصري لا أتمنى أن يحدث في مصر ما تشهده تونس حاليا من فوضى أمنية
وفراغ في السلطة، ولكن هل يستطيع أن يقول لنا معالي الوزير ما هو الحل مع
نظام حاكم شهد العالم كله على براعته وحنكته في التزوير وكيف يكون هناك
نظام يريد أن يلعب على الساحة وحده دون معارضة ولو من باب الديكور، يمتهن
كرامتهم ليلا ونهارا في المواصلات عامة والمستشفيات والمصالح الحكومية؟
كيف نعيش في ظل طوارىء لم تحمنا من خطر الإرهاب ولكنها حصدت أرواح أبرياء
مثل خالد سعيد وسيد بلال وما خفي كان أعظم على يد زبانية التعذيب. سيادة
الوزير أبو الغيط، يا ريت تسمعنا سكاتك'.
'الشروق': هل حمى قانون الطوارئ مصر؟
وإلى
المعارك والردود، والدهشة العظيمة التي أبداها زميلنا والكاتب الإسلامي
الكبير فهمي هويدي يوم السبت في 'الشروق' من التصريحات التي أدلى بها نائب
رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس محكمة النقض السابق المستشار مقبل
شاكر من ان قانون الطوارىء حمى مصر من ان تكون مثل العراق، فقال فهمي وقد
وجدها احدى الفرص لمهاجمة النظام: 'حين يصرح نائب رئيس المجلس القومي
لحقوق الإنسان بأنه لولا الطوارىء لأصبحت مصر عراقا ثانيا وهي كارثة، إذا
علمنا أنه من رجال القانون وأنه كان يوما ما رئيسا لمحكمة النقض، ذلك ان
مجلس حقوق الإنسان يفترض أن يحفظ للناس كرامتهم ويدافع عن انسانيتهم
وقانون الطوارىء هو الباب الرسمي الذي يبرر إهدار الاثنين، فإن أي طالب في
كلية الحقوق يعلم جيدا أن تطبيق قانون الطوارىء يعني في واقع الأمر تعطيل
القوانين المتعلقة بالحريات العامة وصيانة حقوق الناس وكراماتهم، فما بالك
به إذا كان المتكلم رئيسا لمحكمة النقض يوما ما، ليت ما قاله الرجل صحيح،
لأن تجربتنا مع قانون الطوارىء أنه لم يحل يوما دون التصدي للإرهاب أو
إجهاض العمليات الإرهابية، ومبلغ علمنا أنه جعل الأجهزة الأمنية صاحبة
الكلمة العليا في البلد، حيث بات بمقدورها أن تبطش بمن تشاء وأن تسوق الى
المعتقلات من تشاء، وتلفق التهم للأبرياء، من ناحية أخرى فإن الرسالة التي
بعث بها صاحبنا في كلامه المهين تسلط الضوء على حقيقة المستهدف من تشكيل
مجلس حكومي لحقوق الإنسان، لكي يتولى التستر على انتهاكات حقوق الإنسان
وتجميل ممارسات وزارة الداخلية وإن كان يذكر للرجل أنه كان صريحاً ولم يخف
شيئا من مشاعره الحقيقية كممثل للسلطة لا علاقة له بحراسة المجتمع أو
الدفاع عن كرامته'.
وهذا ثاني هجوم يشنه هويدي ضد مقبل شاكر والأول كان
من عدة أشهر، بسبب قامه على رأس وفد من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان
بزيارة أحد السجون في قنا ولعب كرة الطاولة مع المساجين والإشادة
بالمعاملة.
استنكار تصريحات
رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان
كما
استفزت تصريحات مقبل شاكر زميله وأحد مديري تحرير 'الشروق' وهو عماد الدين
حسين، فشارك هويدي في مهاجمته قائلا: 'المفترض ان وظيفة مثل نائب رئيس
المجلس القومي لحقوق الانسيان تتطلب من المستشار شاكر أن يحاول حتى 'تزويق
الكلام' عليه ان يضحك علينا قليلا أو يخدعنا بدلا من أن يصدمنا، ان يخرج
وزير الداخلية أو أي من معاونيه لإعلان أن الطوارىء حمت مصر من كوارث
كثيرة فأمر لا نقبله لكن يمكن تفهمه بحكم 'أن أيديهم في النار'، لكن ما
الذي يدفع المستشار شاكر الذي 'يده في الماء البارد' ليقول مثل هذا
التصريح؟!
هل طلب البعض من المستشار شاكر ان يدافع عن هذا القانون الاستثنائي والشاذ، وإذا كان الأمر بالنفي، فما الذي دعاه للتطوع؟!.
يا
سيادة المستشار إذا كان قانون الطوارىء حمى مصر من كوارث فلماذا وقع
التفجير في الإسكندرية وقبله في نجع حمادي والزيتون والحسين وغيرهم مئات
الحوادث الإرهابية منذ السادس من أكتوبر عام 1981؟!'.
مقبل شاكر يؤكد وجود قلة أدب بسبب الحرية
وسرعان
ما جاء رد المستشار مقبل شاكر، فقد نشرت له 'الدستور' أمس، الخميس - حديثا
أجراه معه زميلنا إبراهيم الطيب قال فيه: 'هناك مساحة متاحة كبيرة لإبداء
الرأي والتعبير في مصر، ولكن للأسف لا توجد آداب على الإطلاق في الحوار،
وأي واحد يخالف أحدا في رأيه يدينه ويهاجمه، انت كمواطن لك رأيك ولك
معتقداتك ومبرراتك والآخر له رأيه وما تراه الأغلبية هو الذي ينفذ، ويجب
أن يكون هناك أدب في الحوار ما بين المواطنين، وللأسف نحن وصلنا لهذه
الدرجة نتيجة الحرية الزائدة في البلد، للأسف الشديد يحدث تطاول وتجاوز
بسبب هذه الحرية، ولكن بالرغم من ذلك الحرية لابد أن تستمر وتدعهم،
والديمقراطية لابد أيضا ان تستمر، انما التجاوزات لن توصلنا لشيء، ومن ثم
لابد من محاسبة المتجاوز إذا اقتضت الحاجة ذلك'.
شعار الحكومة:
'اللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته'!
وآخر
المعارك في تقرير اليوم ستكون من نصيب زميلنا خفيف الظل وكاتب 'صوت الأمة'
الساخر محمد الرفاعي والذي أظهر فجأة محبة نحو حكومة ما اشبه وما يستجد
بالقول عنها: 'اعتدنا الكوارث والمصايب، حتى صار شعار المرحلة 'كارثة لكل
مواطن، والمكتوب على الجبين لازم تشوفه العين' ورفعت الحكومة شعار 'اللي
يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته، ومقدر ومكتوب يا ضنايا' ثم تنام وتشخر
لحد ما تحصل كارثة أو مصيبة جديدة، فتصحو مفزوعة، وهي تصرخ 'وحدووه، ما
دايم إلا وجهه' ثم تقيم سرادق العزاء، وتدفع قرشين لكل واحد عشان تغسل
ضميرها من دم الضحايا. وتعود للنوم مرة أخرى، حتى تحدث مصيبة جديدة، فإذا
كانت لها علاقة بالدين استدعت المشايخ والقساوسة وبتوع الزار والموالد على
عجل وكل واحد يمسك في أيده أخوه ويهتفون جميعا افتحي الباب يا ولية،
للوحدة الوطنية دي نفسها في الملوخية ثم تنشر الجرائد صور المسلمين
والأقباط الذين يقسمون انهم أخوات، ويشربون من مية النيل اللي مليانة
بهايم وفراخ ميتة، وإذا كانت المصيبة اجتماعية خرج المسؤولون في زفة ولا
زفة المحمل وهم يهتفون 'والله ما حصرت يا شيخ، ويحلفون على المصحف أن
القطر كان شارب بوظة عشان كده ما عرفش يفرق بين المحطة والبيوت اللي جنبها
وان العيال الصيع هي اللي خرمت العبارة، عشان أهاليهم يقبضوا التعويض من
صاحب العبارة الغلبان ويروحوا يضربوا بانجو بتمنها'