إيران حليف غير ثابت في الجبهة المعادية للامبريالية
20 سبتمبر 2006
أدى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي
يوم 12 سبتمبر الجاري زيارة رسمية إلى طهران. وقد استقبل من طرف رئيس إيران
أحمدي نجاد الذي صرّح بأن بلاده ستعمل على مساعدة الحكومة العراقية على
"إحلال الأمن في العراق"، مؤكدا أن "أمن العراق جزء من أمن إيران"، معتبرا
حكومة المالكي حكومة منتخبة ديمقراطيا!
هذا التقارب بين النظامين ليس جديدا.
فطهران هي من أول الدول التي اعترفت بالهياكل الصورية التي بعثها الاحتلال
في العراق في محاولة منه لتركيز حكومة عميلة له. ففي سنة 2004 وبعد سنة
واحدة من سقوط نظام البعث اعترفت بـ"الحكومة العراقية المؤقتة". وقد قدمت
هذه الحكومة اعتذارا رسميا لإيران على ما أسمته بـ"جرائم النظام السابق في
حق إيران"! قابلته هذه الأخيرة بتنسيق تعاون مشترك لـ"ضبط الحدود وتشكيل
الجيش العراقي".
تصريحات أحمدي نجاد فاجأت البعض الذي رأى
فيها تناقضا وعدم وضوح في السياسة الخارجية الإيرانية. فكيف يمكن لإيران
التي تتعرض لضغوط كبيرة من قبل واشنطن في علاقة بملفها النووي أن تربط
علاقات جيدة مع الحكومة العراقية العميلة للبيت الأبيض؟ وهل من المعقول أن
تدعم طهران -في نفس الوقت- حزب الله المعادي لـ"لإسرائيل" وحكومة المالكي
التي تعتبر مجرد دمية في يد الإدارة الأمريكية؟ إن الأمر لا يبدو غريبا إذا
أخذنا بعين الاعتبار ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية المبنية على
المصلحة الذاتية الضيقة وعلى العلاقات المحكومة بالعقلية الطائفية.
قد يذهب في ظن البعض أن النظام الإيراني
هو نظام وطني معادي للامبريالية خاصة بعد العدوان الأخير على لبنان، والذي
ما كان لحزب الله أن ينتصر فيه على الكيان الصهيوني لولا الدعم المادي
والعسكري السخيّ الذي يتلقاه من إيران، لكن الحقيقة هي أن النظام الإيراني
لا يفكر إلا في مصلحته. فهو الذي سهّل إن لم نقل ساهم في احتلال العراق وفي
احتلال أفغانستان وإسقـــاط أنظمتهما (البعث في العراق وطالبان في
أفغانستان) لأن له عداوات مع هذين النظامين. وهذا يؤكد النظرة المصلحية
الضيقة لهذا النظام الذي يحاول استثمار الحروب التي قامت بها الامبريالية
الأمريكية في المنطقة لصالحه. فلو أن إيران أجلت خلافاتها مع "حركة طالبان"
ووقفت إلى جانبها في وجه الاحتلال الأمريكي مثلما فعلت مع "حزب الله"، ولو
أنها وضعت مصلحة المنطقة برمتها قبل مصلحتها الخاصة الضيقة ودعّمت "حزب
البعث" في مقاومته للاحتلال، لو أنها اتبعت هذه الطريق التي تضع التناقض
الرئيسي بين شعوب المنطقة من ناحية وبين الامبريالية من ناحية أخرى موضع
الصدارة وخضوع كل التناقضات الأخرى له، لما أمكن لبوش وزمرته احتلال هذين
البلدين، أو على الأقل تعميق أزمته والتعجيل برحيله. لكن إيران وكعادتها
دائما تآمرت ضد هذين البلدين ووقفت إلى جانب المحتل ودعمت عملاءه من أجل
المساومة والمتاجرة بدماء وآلام الشعبين العراقي والأفغاني وفي سبيل تحقيق
مكاسب أنانية ضيقة. ولا يمكن أن يشفع لها دعمها لحزب الله المعادي
للامبريالية والصهيونية، لأنها في حقيقة الأمر ما كانت لتدعمه لولا الروابط
الطائفية والحسابات السياسية، ولولا الولاء غير المشروط.
لكن يبدو أن الرياح بدأت تجري بما لا
تشتهي طهران خاصة بعد اشتداد المقاومة في العراق وافتضاح الدور القذر
والدموي الذي باتت تلعبه المليشيات التابعة لها (فرق الموت)، وكذلك عودة
"حركة طالبان" إلى الواجهة وتسديدها ضربات موجعة للاحتلال الأمريكي
وعملائه.
إن إيران هي حليف غير ثابت في الجبهة
المعادية للامبريالية. فقد أثبتت الوقائع أنها قد تقف إلى جانب الجلاد
وتساوم بكل شيء في سبيل مصالحها. ورغم ذلك فإن الواجب يدعو جميع القوى
التقدمية والثورية في العالم إلى الوقوف إلى جانبها في تصديها للغول
الأمريكي الذي يريد تركيع الجميع. وكل انتصار يحققه هذا الغول حتى ولو كان
على حساب قوى إقليمية غير ثابتة في معاداتها للامبريالية كإيران، هو في غير
صالح الشعوب.