يهودية وطاهرة
تسفي برئيل
2010-12-12
'الأكثرية الحاسمة من رجال الدين اليهود الموقعين على رسالة الحاخامات هم متدينون قوميون مستنيرون وخريجو الجيش، يحبونهم ويسجدون لهم. لا يذكرون هذا. هذه أخلاق انتقائية'، قال مصدر في مكتب الخدمات الدينية لصحيفة 'هآرتس'. 'الأخلاق الانتقائية' هي لليسار ووسائل الاعلام. فهم المسبيون في رأي ذلك المصدر بالسجود لاولئك الحاخامات، المشغولين الآن بتطهير شوارع الارض المقدسة من الوباء العربي.
انه على حق. فقد تم التقسيم الى حاخامات 'طيبين' و'سيئين' على نحو عام بحسب موقفهم من مسألة المناطق. فعلى سبيل المثال كان الحاخام يوسف شالوم اليشيف، الحبيب المناوب، ذات مرة الحاخام 'السيء' لانه عارض الانفصال وتقسيم القدس وهاجم محكمة العدل العليا لانها منعت التمييز الطائفي في عمانوئيل. لكنه أصبح في الايام الأخيرة عزيزا على الجمهور الليبرالي لانه عاب رسالة الحاخامات التي تعارض ايجار العرب أو بيعهم شقة. الجمهور الليبرالي، ولا سيما قطاعه العلماني، يحب الحاخامات الذين يحظرون مقاطعة العرب. والجمهور الليبرالي يحب الحاخامات الذين يحددون الاخلاق من اجله. انه جمهور يحتاج كثيرا الى شرعية آرائه، الى حد انه مستعد للتمسك بفتاوى ومُفتين مثل الحاخام اليشيف.
إن الظمأ الى الشرعية الدينية، كما في كل دولة شريعة يهودية كانت أو مسلمة، يمنح المُفتين القدرة على تعريف ما هي 'الدولة الصحيحة'، أي ما هي دولة يهودية صحيحة لا من الجانب الديني فحسب. فعلى سبيل المثال بيّن الحاخام شالوم دوف وولفا، وهو من الموقعين على رسالة الحاخامات أن الرسالة 'جاءت في ضوء المشكلات الصعبة للذوبان في الآخرين والأضرار الأمنية التي نشأت عندما احتل العرب أحياء كاملة وأحدثوا أضرارا بالجمهور اليهودي. مع كل الاحترام للمستشار القانوني، ليس من صلاحيته المس بالمؤسسة الشرعية. إن عمل رجال الدين أن يوضحوا للسائلين أمور الشريعة'.
إن عدم قبول سلطة الدولة ليس أمرا جديدا عند هؤلاء الحاخامات. فهم غير قلقين لتعريف جوهر الدولة الديمقراطية، مهمتهم أن يكونوا حُراس الأسوار، الذين يحمون الدولة اليهودية من الديمقراطية وقيمها الليبرالية. وهي الديمقراطية التي يرونها الخطر الأمني الفظيع الذي يتربص باسرائيل.
إن المستشار القانوني جعلهم يضحكون عندما اتجه متأخرا كثيرا للفحص عن 'الجوانب الجنائية' لرسالتهم. ألا يجوز التعبير عن الآراء فجأة و'تبيين امور الشريعة للسائلين؟'، حتى عندما يكون السائلون جنودا يُطيعون كل أمر شرعي؟ ومن هو أصلا المستشار القانوني الذي يتجرأ على مخالفة أوامر الله وشرائعه؟ ألا يفهم ما يفهمه وزير العدل؟ هذا هو الوقت الذي يصمت فيه العاقل.
هذه دولة يهودية، يهودية قبل كل شيء ويهودية فقط. أديمقراطية؟ اذا أبقت يهوديتها بعض البقايا لذلك فقط. هذا هو جوهر الدولة التي يطلب فيها رئيس الحكومة اعترافا من الفلسطينيين وسائر الدول العربية، لا اعترافا بدولة ديمقراطية أو بدولة قومية اسرائيلية، بل بدولة بحسب توجيهات الحاخام وولفا، والحاخام الياهو وغيرهما. وهي دولة سنّت في واحدة من لحظاتها السليمة العقل قوانين تعارض التحريض العنصري ولا تعلم الآن ماذا تصنع بها. لانه ربما يمكن محاكمة حاخام من عاملي الدولة، لكن لا يمكن محاكمة تصور عام وجميع من يؤمنون به. يمكن أن نحاكم المحللين وليس الشريعة. ليست هذه مواجهة بين الدولة وبين مخالفين للقانون يفهمون خطر مخالفة القانون. انها مواجهة على احتكار الأخلاق بين الدولة وبين من منحته سلطة تحديد حدود الاخلاق. انها حرب دولة لاحظت متأخرة جدا أن الدين لا حدود له.
انها دولة لا تطلب فقط من الفلسطينيين ومن العالم الاعتراف بأنها دولة يهودية بل من كل من هي مستعدة لضمه اليها بصفته مواطنا؛ ومعيار الاخلاص لها صُب على صورة وولفا والياهو وسائر الحاخامات الذين وقعوا على الرسالة؛ وهو ولاء يناقض القوانين التي سنّتها هي نفسها والأسس التي نقشتها في وثيقة استقلالها. هذا الولاء ينتهي الى مخالفة القانون.
يُخطئ الفلسطينيون غير المستعدين للاعتراف بأن هذه هي الدولة اليهودية. كان عليهم أن يضيفوا فقط انهم لا يريدون محادثة دولة يهودية كهذه.
هآرتس 12/12/2010