النظام المصري يبطش بـ«الإخوان» ويرفع دعاية «السيادة» في وجه دعوات الرقابة الأميركية تظاهرات لحركة «كفاية» ضد الحكومة المصرية في القاهرة قبل اسبوعين (عمر عبدالله دلش ـ رويترز)الانتخابات التشريعية المصرية على الأبواب. عنوانان بارزان باتا حاضرين اليوم، القمع الذي ظهر في الاسكندية ضد الإخوان المسلمين، والسجال حول الدعوة الأميركية للرقابة. والاثنان يدلّلان على ما بات يسمّى «أبواب جهنم»
وائل عبد الفتّاح لم يذكر أحد اسم الضحية الأولى، سجلته الصحافة في مصر باعتباره أولى علامات العد التنازلي لانتخابات مجلس الشعب في ٢٨ تشرين الثاني. القتيل راح ضحية تبادل رصاص بين عائلتين، كل منهما لها مرشح يدخل المعركة على قائمة الحزب الوطني الحاكم.
القتيل علامة على أيام سوداء آتية، كما تقول بشائر مناخ جديد، تعود به الأوضاع السياسية الى ما قبل ربيع الديموقراطية (٢٠٠٥ وما بعدها) أو الى مربع ١٩٩٥ (آخر انتخابات أُجريت من دون إشراف قضائي) أو إلى «أبواب جهنم»، وهو تعبير استخدمه أحد قادة «الإخوان المسلمين»، تعليقاً على المواجهة الأمنية العنيفة لمسيرات مرشحي الجماعة في الاسكندرية. المواجهات اقتربت من طابع حرب الشوارع، استخدمت فيها قوات الأمن القنابل المسيلة والرصاص المطاطي، وضربت حصاراً حول المدينة. حصار يبدو أكبر من مجرد محاولة الضغط لإنجاح وزير التنمية المحلية اللواء عبد السلام المحجوب، مرشح الحزب الحاكم في دائرة «الرمل». استعراض القوى في الاسكندرية كان رسالة تحذير واسعة الى الجماعة: «رصيدنا من العنف لا حدود له... ولا يتوقف على حملات الاعتقال أو المضايقات البيروقراطية».
الخوف من المجهول يسيطر على الجميع، لاعبين وجمهور، الجميع يشم رائحة «جهنم» آتية. وهذا على ما يبدو سر الحجر الذي ألقت به واشنطن بعد صمت طويل، عندما طالبت مصر بالسماح للمنظمات الدولية بمراقبة الانتخابات.
القاهرة لم تمرّر الحجر، ودشنت به معركة حول السيادة الوطنية، استعاد فيها الجيش الصحافي للنظام أجواء حرب العدوان الثلاثي وخرجت من بين مقالاتهم أناشيد «والله زمن يا سلاحي» و«لن نركع».
معركة وهمية يكسب منها النظام، ويحولها الى دعاية لإعادة انتخاب الحزب والنظام. دعاية طابعها «مقاومة العدوان الأميركي على السيادة الوطنية».
وهي طرفة بالتأكيد لمن يدقق في عمق ما بين واشنطن والقاهرة منذ قرار الرئيس أنور السادات في عام ١٩٧٤ تحويل العلاقة إلى «تحالف استراتيجي». تحالف له أسماء أخرى تدور كلها حول التبعية، والزواج الكاثوليكي، أو إدارة مصر بالوكالة المباشرة من واشنطن.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيليب كراولي، علّق أول من أمس على رفض القاهرة استقبال مراقبين دوليين بتأكيد: «سمعنا الرد المصري، لكن موقفنا لن يتغير».
ويبدو الإصرار الأميركي جزءاً من محاولة «تحجيم» جهنم، أو حصار خطة الرجوع بقوة الى ما قبل ربيع الديموقراطية، وهو ما تحمله إشارة كراولي: «مصر ستضع نفسها في موقف أقوى من خلال قبولها المعايير الدولية، بما في ذلك ضمان وجود مراقبة دولية للانتخابات».
إنها ليست معركة في الغالب، لكنها مناورة من إدارة باراك أوباما باتجاه الداخل والخارج. في الداخل يردّ بها على محاولات الجمهوريين إحراجه بالإشارة إلى دعمه «استبداد الحلفاء» وتعطيله خطوات الإصلاح السياسي منذ وصوله الى الحكم وعبر خطابه في القاهرة، ومن بعدها تصريحات عن «عدم وجود نموذج موحد للديموقراطية... ولكل مجتمع خصوصيته في تطبيق الديموقراطية».
هذا هو الكارت الذي استراحت به الأنظمة الحليفة لواشنطن في العالم العربي، وسارت القاهرة بوجه سافر في «خريف الديموقراطية»، بما يعنيه من عودة الحرس القديم، وترويع الإعلام، وتفعيل سلاح البيروقراطية الناعم لحصار المعارضة الجديدة.
الحكومة والنظام تصوّرا الأزمة على أنها معركة تخليص حسابات للنظام مع «المحافظين الجدد»، والجيش الصحافي اختصر «مجموعة عمل مصر» في مجرد واجهة بحثية للمحافظين الجدد، هدفها ضرب مصر. ورفضت مصادر رسمية استقبال مسؤولين في الإدارة الأميركية للمجموعة، التي تأسست قبل أكثر من سنة، برئاسة بوب كاغان، الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، وتضم ميشال دان، رئيس تحرير نشرة «الإصلاح العربي» التي يصدرها كارنيغي، الى جانب أندرو البيرستون مدير مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط والمستشار السابق في إدارة بوش. الحزب الحاكم يقبل التقارير السرية للسفارات، ولا يقبل التقارير العلنية لمنظمات المجتمع المدني
الرسائل المعلنة للفريق هي القلق على «خلافة الرئيس (حسني) مبارك» بما يمثله من تهديد لمصالح أميركا في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي.
وتقول مصادر خبيرة في ملفات حقوق الإنسان في مصر إنّ الحزب الوطني، وبالتحديد المقربين من مجموعة جمال مبارك في الحزب الحاكم، استشاروا مراكز أبحاث ومنظمات ينتمي إليها أعضاء الفريق، وذلك خلال عام ٢٠٠٣.
مصادر قريبة من مراكز صناعة القرار دافعت عن شفافية الانتخابات، بتأكيدها أنّ هناك تصاريح للسفارات بالمرور على اللجان للاطمئنان إلى سير الانتخابات، كما حدث في انتخابات ٢٠٠٥ حين زار السفير الأميركي واحدة من الدوائر الساخنة. هناك، في هذه الدائرة، كان يتنافس رئيس حزب الوفد حينها، محمود أباظة، مع أحد النافذين في الحزب الحاكم.
يقبل الحزب الحاكم التقارير السرية للسفارات، ولا يقبل التقارير العلنية لمنظمات المجتمع المدني، لأن الأخيرة تصنع صورة من دون خاتم النزاهة، الذي يبحث عنه النظام لمرحلة العبور الى الجمهورية السادسة.
الإثنين فبراير 14, 2011 1:47 pm من طرف سميح القاسم