قادة الـvip
رشاد أبوشاور
2010-11-23
لم يكن الشعب الفلسطيني يسمع قبل أوسلو عن الـVIP ، ولكنه في زمن السلطة صار يسمع، ويرى، ويتندّر.
الـVIP هي بطاقة ومرتبة وقيمة تميّز من تُمنح له من الاحتلال عن باقي أفراد الشعب الفلسطيني الذين يعيشون تحت الاحتلال في مناطق السلطة، في الضفّة الغربيّة، وقطاع غزّة قبل وقوع انقلاب حماس، وطردها لأولئك القادة، والذين لاذوا بالفرار ووصلوا إلى الضفّة، واحتفظوا بالـVIPلأن هربهم لم يسقط عنهم تلك البطاقة التي تسهّل لهم التحرّك والتنقّل عبر الحواجز في الضفّة، والتي هي البرهان الوحيد على أنهم قادة!.
الـvip هي قيمة، فحاملها يشعر بأنه مُميّز عن ( العّامة) و( السابلة) و( الدهماء) الذين يتكدسون عند الحواجز التي تمزّق الضفّة، والتي يتحكّم بها مجندون ومجندات يقطعون ساعات الملل بالتسلّي والاستمتاع بتعذيب الفلسطينيين وتلويعهم، وأحيانا يسعدهم الحّظ فيرون رأي العين ولادة فلسطينيّة على الحاجز، وقد يدهشهم سلوك أولئك الفلسطينيين الذين يرتجلون جدارا واقيا للمرأة بحيث تلد بمساعدة أخواتها الفلسطينيّات، وطبيب أو ممرضة يتواجدان بالصدفة، فيستخرجان المولود، أو المولودة، ويقطعان حبل السرّة، ليبدأ بكاء الفلسطيني الصغير بعصبيّة أسوة بباقي أطفال العالم ، وأزيد (شوية) كونه يعاني من برد الشتاء، أو حّر الصيف، كونه ولد في العراء، و..من سفالة أولئك الجنود والمجندات الذين لا يأبهون لبكاء (الإرهابي) الفلسطيني الجديد، ولا يتمنون له العمر المديد ، ومع ذلك يعيش رغم أنوفهم المعقوفة، أوالفطساء ، إذ يوجد أحيانا مستجلبون من أفريقيا، وهؤلاء أيضا(يهود) تجري في عروقهم دماء زرقاء نقيّة منذ يوشع بن نون!
في اللحظات العصيبة والعجيبة لتوقيف الفلسطينيين عند الحاجز وفقا لمزاج الجنود والمجندات، قد تختال فجأةً سيّارة سوداء تُقّل قائدا في المقعد الخلفي، بينما مرافقه الجالس بجوار السائق متأهبا في المقعد الأمامي يمّط رأسه ويهمس للجندي، وهو يبرز بطاقة الـvip التي تدّل على (عظمة) القائد الجالس في المقعد الخلفي، والذي يتجعّص لزوم إبهار الجندي، أو المجندة، التي قد يعّن على بالها أن تستضرط - آسف للتعبير رغم أنه مناسب جدّا!- القائد، فتتلكأ في إعطاء الإشارة بالمرور، بينما القائد يتململ، ويتأفف، ويعتب في داخله على (شركاء السلام) و(عمايلهم)، لكنه يبرر على مسمع مرافقه وسائقه الأمر بأن المجندة الملعونة فضولية وتحّب في كل مرّة أن تسترق النظر إلى وجهه، بدليل أنها أطالت النظر وهي تمّط رأسها داخل السيّارة.. كونها تعرف كم هو وسيم! (ستذهب أفكاركم إلى ياسر ..الذي يحسب أنه ينافس التركي مٌهنّد وسامة وشبوبيّة. ألا تذكرون كيف سبّل نظراته في أحد اللقاءات لليفني التي أبدت اشمئزازها، وبرمت بوزها عن مُحيّاه!).
جنود الحواجز يستمتعون بسادية في إذلال وازدراء القيادات السلطويّة، ويفتشون سياراتهم، وينزلونهم منها غالبا، ولكنهم - أولئك القادة يتحملون، فالـvip تستحق التضحية، وتحمل شوية بهدلة وإذلال..وحتى مصادرة (شوية) خلويات، ونتفة فضيحة سرعان ما تُنسى، ليعود القائد قائدا!
بعض القادة يتمتعون بما هو أكثر من الـvip، فهم يتمتعون بمرورهم بسيّاراتهم إلى الأردن، ومعهم مرافقوهم أيضا، وهذه واحدة من مزايا أوسلو، يتنعّم بها (أبطال) أوسلو، ومنظرو أوسلو، يتقدمهم أبوعلاء قريع، الذي ألّف عددا من المجلدات الضخمة في فضائل ومنافع أوسلو، ووعوده بالدولة الآتية، والذي تعمقت صداقته العائلية مع صهاينة أوسلو، حتى إن بعض أفراد عائلته تبادلوا الهدايا في أعياد الميلاد مع أبناء أولئك الأصدقاء والرفاق والأخوة الصهاينة (اقرأوا كتاب المسيرة ليوري سابير..وستطلعون على العجب العجاب!)
قريع بدأ (مسيرة) الخسارة في المؤتمر السادس حيث سقط في انتخابات اللجنة المركزية، التي فاز فيها جنرالات الأمن الدايتوني، فبدأ بتسريب تصريحات حامية عن أوسلو، والفساد، وضياع الثقة ..وغدر الأخوة..وإن لم يشفق عليه أحد بحسب معلوماتي، بل شمت به كثيرون من أبناء شعبنا لأنه قاد (المسيرة) مع فخامة الرئيس إلى الهاوية، وفتح إلى التفكك، والشعب الفلسطيني إلى الأسر في معتقل الضفّة والقطاع تحت احتلال ازداد منذ أوسلو شراسة ونهبا وتقتيلاً في شعبنا.
مطلع هذا الشهر توجه أبوقريع إلى الجسر ليعبر إلى الأردن كونه وسيارته vip، فحتّى السيارات مقامات عند الاحتلال، ولكن مفاجأة كانت بانتظاره:
- أنت يا خبيبي مش مسموح الك بالعبور بسيارتك. لازم توكف مع الناس في الطابور واتمر بدون سيّارة!
طاش صواب الرجل، فعقله لا يحتمل الوقوف في الطابور مع الفلسطينيين العاديين، وخلع حذاءه، وحزام بنطلونه، والمشي حافيا، وتسليم جوازه، وانتظار ما تقرره الشرطية سماحا، أو رفضا، أو اعتقالاً..والاعتقال يحدث كثيرا عند الحواجز، وعلى الجسر.
حرد أبو قريع، وعاد أدراجه إلى .. لا أدري: هل إلى قصره في شارع المغطس، أو قصره في سلوان..اللهمّ لا حسد!
بلغت أصداء حرد أبي علاء أبناء شعبنا في الضفة وغزة والمنافي والشتات، ولكن لم تنفجر انتفاضة جديدة تطالب ليس فقط بإيقاف الاستيطان، ولكن بمرور سيّارة أبوقريع أولاً، لأن ما جرى يمّس الكرامة الوطنيّة، ومسيرة السلام، ومستقبل العمليّة، و... ما زال أبوقريع حردانا! بهكذا قيادات vip لا تتهاون في كرامتها، وكرامة سيّاراتها، قيادات لا تخلع أحذيتها، ولا تحّل أحزمة بناطيلها، سيتحقق الانتصار آجلاً أوعاجلاً، فهي وعدتنا، وهي على قّد قولها، والأحداث الجارية تبرهن، بدليل ما يحدث في القدس، والخليل، ونابلس، واستحواذ المستوطنين على أكثر من 50% من مساحة الضفّة..ما زالت النسبة في ازدياد، والأرض المتبقيّة للفلسطينيين و(الدولة) القريعيّة في انحسار!
لو أن قريع خرج من سيارته المعتمة المسدلة الستائر ووقف في الدور، وخلع نعله، وحزامه من حول خصره غير الرشيق، وسار مع شعبه، فإنه سيجد تعاطفا، ومرّة على مرّة سيجد ألفة واحتراما، خاصة إذا أعلن بشفافية عن أموال ومشاريع صامد، ودحض اتهامات الصحافة الصهيونيّة التي ادعت بأنه شفط 700 مليون دولار!. بالمناسبة: ماذا حدث فعلاً لمشاريع صامد، وأموال صامد؟!
أنا لا أتهم، ولا اردد أقوال الصحافة الصهيونيّة، ولكنني أسأل كمواطن فلسطيني، يهمه أن يعرف ليطمئن قلبه، ولتفويت الفرصة على الأعداء فلا ينالون منّا، ومن قادة الفّب!.
إذا سمح لسيارة أبوعلاء قريع وبقية سيارات القادة الـvip بالتحرّك شرقا وعبور الجسر إلى الأردن، فهذا يعني أن الأمور بخير، وتبشّر بتوقف الاستيطان بعد بضعة أعوام، يتنعّم أثناءها قادة الـvip بمباهج ومنافع السلام ..ولا يتبقّى (للدولة) أرض في نهاية مسيرة (السلام)!
الاحتلال سمح فقط لرئيس السلطة، ولرئيس الوزراء سلام فيّاض بالتنقّل بسياراتهم، والباقي لم يعودوا vip، إنهم فقط مواطنون، يقفون على الحواجز، وهم لن يلدوا على تلك الحواجز كنساء فلسطين، كونهم (رجالا) ..و..عاقرين، ولم يعودوا يُحبّلون حتى ..مهما ادعوا الفحولة!