من سيثأر لعرفات؟!
رشاد أبوشاور
2012-07-10
لو
كنت أشك للحظة بتحديد الجهة التي اغتالت الرئيس عرفات، لأثارني تحقيق
(الجزيرة)، والتحقيق مع (شخص) يفترض أنه دسّ السم لعرفات، الذي عرضته
(الميادين) ـ التي أبارك لها ببدء بثهاـ ولاعتمدت على ما قدمتاه في توجيه
التهمة( للقاتل).
ليس هناك قاتل افتراضي في جريمة اغتيال عرفات، فمنذ
عاد عرفات من (كامب ديفد)، كان يعرف، وكان الفلسطينيون يعرفون، بأنه
(سيُقتل)، لأنه لم يوقع على التنازل عن (نصف ) القدس المتبقي في يد
الفلسطينيين، ولم يتنازل نهائيا عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبوضوح
لا يقبل اللبس، ولأنه، وهو في حضن الاحتلال أسيرا، شجع على تأجج انتفاضة
الأقصى ظنا منه أن العدو، وأمريكا، سيجريان حساباتهما طويلاً قبل أن يقررا
اغتياله.
عندما شرعت جرافات شارون في هدم أجزاء من مبنى المقاطعة، حيث
مقر إقامة عرفات ومساعديه، كان الحكم بالإعدام معلنا، وكان ينفذ بلا
مبالاة أمام عيون (العالم) ..والرأي العام العالمي، والدولي، و..العربي،
والإسلامي، وبسبب ضعف ردود الأفعال على (بروفة) الاغتيال، انفتحت شهية
شارون، وقادة الكيان الصهيوني، فتّم الإيعاز بتنفيذ مخطط تصفية عرفات،
بمباركة إدارة بوش.
لا يجب أن يغيب عن ذاكرتنا أن بديلاً فلسطينيا تمّ
تلميعه آنذاك، وهو يتقن العبرية، ولُقّن الإنكليزية بمعلّم وليس على نفسه:
تعلّم الإنكليزية بدون معلّم !ـ وكان بوش الابن شخصيا يثني على البديل
بالاسم منحازا، وموحيا بأن: هذا هو خياري لكم..فانصاعوا لأن هذا قدركم!
لا
بدّ هنا من التذكير بأن مؤتمر القمة المنعقد في بيروت قد حرم عرفات من
التوجه بكلمته من مقره المحاصر إلى ملوك ورؤساء العرب، ولم توجه كلمة
تحذّر من المساس به وهو محاصر بأنياب الدبابات...
لم يكن هناك (أصدقاء)
لعرفات..وهكذا خلا الجو لشارون، والموساد، وللساقطين الفلسطينيين الذين
كانوا من بين الأقرب لعرفات، ومن أبرز رجال بطانته التي ضمّت كثيرا من
(الهمل)!
فقط الفلسطينيون هم من هبّوا في منتصف الليل، وجعلوا يقرعون
على أواني مطابخهم، واندفعوا إلى المقاطعة، وتحدوا الجرافات، وتصدوا لها،
وكانت تلك لحظة فارقة..وآه لو استثمرها عرفات، وجعلها الشرارة التي تندلع
منها النيران التي تحرق ما جرّه أوسلو على الفلسطينيين أرضا وشعبا، ولكنه
التردد، والغرق في (التكتيك) الذي لا يخدم إستراتيجية!
يذكر قرّاء
'القدس العربي' أنني كتبت، وقبل أن ينقل جثمان عرفات من باريس إلى رام
الله ليدفن فيها، بأنه قُتل مسموما، وأن الكيان الصهيوني هو القاتل.
لو سئلت عن ألأدلة الجنائية لما تمكنت من تحديدها، ولكنني قرأت مع غيري
العقلية الصهيونية، والممارسات، والتصريحات، والخطوات التي مورست
علنا..وأيضا تاريخ الجرائم الصهيونية، والاغتيالات التي مورست ضد قادة
وكوادر الشعب الفلسطيني منذ بدأ الصراع مع هذا العدو الآثم، الذي يبيح
لنفسه ممارسة كل أنواع الجرائم لتحقيق هدفه: احتلال فلسطيني، واقتلاع
شعبها وتشريده.
تعزز يقيني هذا عندما التقيت بصديق هو طبيب فلسطيني،
كان في طريق العودة إلى رام الله عن طريق عمّان، وكان يرافق عرفات في
أيامه الأخيرة بالمستشفى العسكري بباريس، وكان يحمل معه عددا من صحيفة
'القدس العربي' نُشرت فيه مقالتي، فقال لي: أنا مقتنع بما جاء في مقالتك،
ولكنني لا أملك الإثباتات التي تحتاج إلى مختبرات تحدد نوع السم!
لا
آنذاك، ولا الآن، أجدني محتاجا لمعرفة نوع السم الذي دسته يد مقربة من
عرفات في طعامه، أو لباسه، إذ ما الذي يفيده هذا، وماذا يغيّر في الأمر؟!
عرفات
قُتل، والقاتل معلن، معروف، وهو قتل عرفات بمنتهى الاستهتار، كما حدث من
قبل، عندما اغتال القادة الثلاثة في بيروت عام 73 في الفردان ببيروتـ كان
قائد القتلة الجنرال باراك ـ وعندما اغتال ماجد أبوشرار في روما عام 81 ،
وعندما اغتال أبوجهاد الوزير في تونس، وعندما اغتال أبا إياد، وأبا الهول،
وأبا محمد العمري.
هذا العدو لم يعاقب على جرائمه، لا دوليا، ولا من
الرأي العام العالمي، ولا من العرب الرسميين، ولا من القيادات الفلسطينية،
اللهم باستثناء اغتيال الجبهة الشعبية لزئيفي ردا على اغتيال القائد أبي
علي مصطفى!
بكوا على رفات، وأطنبوا في وصفه، ومنحوه صفات كثيرة،
وأغدقوا عليه المديح، ثمّ تعانقوا مع القتلة، وتزاوروا معهم في بيوتهم،
وكله حتى تمشي مسيرة السلام (سلام الشجعان)!
ولهذا أسأل: ما الذي يضيفه
أن نعلم نوع السم الذي قتل عرفات؟ هل سيغّير من الأمر شيئا؟! هل نحتاج
لبراهين على أن العدو الصهيوني هو القاتل، وأنه قتل عرفات في سياق التصفية
النهائية للقضية الفلسطينية؟!
إذا عرفت (القيادة) الفلسطينية نوع السم
القاتل، وحتى الشخص، أو الأشخاص الذين دسوا السم، واعترف هؤلاء على يهود
الموساد..فما الذي سيحدث عندئذ؟!
وضع الجريمة أمام (المجتمع الدولي) و(الرأي العام العالمي) ؟!
إحراج (أصدقاء إسرائيل) وفي مقدمتهم أمريكا؟
إحراج
عرب أمريكا من دعاة السلام، والصلح، و..خطة السلام العربية التي وضعت في
مؤتمر قمّة بيروت، بدون حضور عرفات، وبحرمانه حتى من توصيل صوته( للقادة
العرب) المجتمعين؟!
هل ستنهي القيادة الفلسطينية اتفاقيات أوسلو، خاصة
وقد هودت القدس، ووصل الزحف إلى الخان الأحمر بين القدس وأريحا، بحيث تصير
معاليه أدوميم مدينة عملاقة تفصل شمال الضفة عن جنوبها، وهو ما يعني أن لا
أمل بدولة فلسطينية البتة؟!
وأسأل: هل الثأر لعرفات يكون بتصفية أحد قادة الاحتلال، وكأن الأمر شخصي بحت؟!
نحن
في حرب مع كيان صهيوني يقتلنا واحدا واحدا، وجماعة جماعة، وينهب أرضنا
مترا وشبرا ودونما، وشعبنا معطّل الطاقات، والقيادات منقسمة، ورام الله
و..غزة.. تؤديان دورا لا يشرّف في تصفية القضية وتضييع الشعب، ومنح العدو
المجرم كل الوقت للقتل، والاغتيال، والسجن، ونهب الأرض..وهو يدير الظهر
للعالم كله، كون صاحب الحق متقاعس، ومنشغل في الصراعات التافهة!
الثأر
لعرفات، بعد فضح جريمة العدو، وتقديم قادته للعالم كقادة عصابات مافيا،
يكون بالعودة لروح الثورة، والمقاومة، والانتفاضة، والمواجهة الشاملة،
وهذا ما لن تفعله هذه القيادات التي ابتلي بها شعبنا الفلسطيني.
آن أن
يفتح شرفاء وشجعان شعبنا ملفات كثيرة، تبدأ من العنوان: أوسلو..ومسيرة
السلام الموهوم، وأن نترجم رؤيتنا عملاً لا قولا، وأن نعيد قضيتنا إلى
شعبنا، وجماهير أمتنا الثائرة التي تنتظر منّا نحن أولا أن نستعيد روح
المبادرة.
الثأر لعرفات، ولكل الشهداء الذين اغتيلوا بالسم، أو
بالرصاص، أو بطائرات الآباتشي، أو بالطائرات بدون طيار..يكون بالمواجهة
الشاملة، بعودة شعبنا إلى الميدان، بقيادات حقيقية ، ميدانية، وليست
تلفزيونية، قيادات تعرف ولا تُعرف إلاّ لشعبنا،تُعرف بفعلها، وإبداعها،
ولهذا
أعوّل على الشباب الفلسطيني الذي ما عاد ينضوي في إطار أي فصيل، والذي
ينتمي لفلسطين التي تنتظره..ليثار من الصهيونية العنصرية، وكل من يؤيدها،
ويدعمها..وهو قادر على هذا، وليس أسهل عليه من فضح حلف أصدقاء (إسرائيل):
أمريكيين وأوربيين، وعربا تابعين لا صلة لهم بالعروبة، ولا بالقدس، ولا
بفلسطين.