أى رعشة لهذا الوتر الذي يحيلنا اليه الشاعر/ سمير محسن في ديوانه ؟! أهى رعشة الأبدية المشتهاة , حيث الدم والأفلاك والنجوم المسافرة عبر دروب الخيال اللامتناه ؟! ، أم هى رعشة الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل معاً ؟ أم أنها رعشة الدخول الى بوابات الدهشة عبر حقول اللغة الدلالية الملغزة , والرائقة في آن؟!.
إنها " رعشة الوتر الشجي " التي قصدها شاعرنا ، وما هي برعشة خفيفة , أو رجفة وتمر, بل أراها صقيعاً غالب الروح فجعلها تمور وتدور في " بؤرة " للجمال , ولكنها بؤرة يمتزج فيها ما هو سوريالي مغبش بنمنمات الحلكة والنور, وبين ما هو رومانسي مغلف بنكهة حداثية للغة التي تأخذك معها بين مد وجزر, وبين أن تتماس معها , أو تنفر من غرائبيتها , لكنها مع ذلك لا تملك الا أن تحبها , فكأنك تتدفأ بين السديم , أو تغرق في هيولى للخيال يقول :
وطن من تكوينٍِِ كالعرجون
بثدى المهد يعاقر جمعاً من تعرية الجبهة
يحفظ عند سنام الزهد – الوجد – وعشبا من تأبين الصفح
وآخر ما ضمده الضلع البارز
بين جموع اليأس وبين الهفوة , يمشي الهونة
يرقص فرحة صدر. ( قصيدة مسوخ , الديوان : 29 )
إن هذه الصور تحيلنا الى عالم ممتد حيث الوطن القابع في ثدى مهد العرجون القديم , وكأنه جمل يحمل فوق سنامته كل الآلام ومع ذلك نراه زاهداً , صابراً , وربما يرقص أحياناً , ولكنه رقص داخل الروح , رقص داخلي غامض , لا يرقص السامبا - بالطبع , لكنه رقص بالضلوع من حشرجة الوجع الذاتي..
إن شاعرنا هنا يوظف الموروث الديني, والموروث اللغوي ليتناص والحالة التي تعتصره , حالة الألم الداخلي الزاعق بالروح والذي يريد أن يسمعه العالم ، ولكن لا محيص عن خروجه , إنه ألم الشعوب المقهورة , والأوطان المستباحة , ألم الشاعر وأوجاعه وأحلامه بغدِ مشرق, عندها لا محال إذن من اندمال الجروح , وشفاء القروح والعلل يقول :
ليلك صدر للناجين من الاخفاق/ وشعرك صد للآتين من الترياق/ فخذنا في ساحات الزمن الآسن / خلف الحب الواهن / للصحراء الثكلى / القلب / الحجر / المدن / المضر / العمر الكاهن / خذنا في رعشات من ياقوت للشادين بثغرك / للرائين لما أخفيت بوجهي / ما أعلنت بدمعي / ما أرقني بضلع خان وعود الرمس . ( حد النعوش ، الديوان : 32 )
إنها رعشة الياقوت , رعشة المخبأ في زمان ليس ينصف الموجوعين والفقراء , زمن الخيانة , حتى الضلوع تخون ، والقبور تستقبل كل شيء..
إن هذه الصور والتراكيب الغرائبية تحيلنا الى عالم الرمزية , بل الى الميثولوجيا , ولكنها ميثولوجيا ذاتية , حيث يؤطر الشاعر مساحة للحزن والجوع النفسي نراها ممتدة في أكثر من موضع , بل أراها تمثل دالاً ممتداً لأغلب قصائد الديوان .
هذا وتتميز قصائد شاعرنا بالتكثيف اللغوي , وبالاتكاء على الفونيم الصوتي لزخم المفردة واشاريتها ,كما يتميز شعره بعمق الدلالة , وعمق الصورة الشعرية وامتدادها وتجريدها من كل ما يمكن أن يشوش على الملتقى , فكأنك أمام شجرة عراها الخريف فغدت أغصانها شواهداً على جمالها وتناسقها , وغدا قوامها دليلاً على ظلم العالم , ومع ذلك نرى شاعرنا يجنح في كتاباته الى اللامعقول ومع أن اللامعقول هو في الواقع مصطلح مشتق من الفلسفة ، إلا أنه موجود في الأدب وذلك لأن الخيال يسانده , أو تظاهره حرية الخيال , كما أن اللامعقول في شتى صوره منه ما يطلق عليه اللامنطقية , أو غلبة المعرفة الفطرية أو الآفاق المفتوحة للأحلام ، ومسارب اللاوعي هنا أمر لا سبيل إلى إنكاره في الخلق الفني , إذ أنه مادته والمعول عليه في أكثر من سواه , بل هو كما يقول جيمس جويس - إن أعوزت شهادة – " علة وجوده " إذا حرم منه وتجرد عن ملابساته من الوجدان المتدفق واللاوعى الساري والخيال المجنح.
ومع أن الفلسفة تتوخى الأساليب التجريبية العقلية في جوهرها ، والفن مدين للاعقلية , إلا أنه من الخطأ قياس الأعمال الفنية والأدبية بمقاييس المنطق إذ أنه متى فقد الفن صفاته النابعة من الخيال وتشبث بالتفكير المنطقي زالت عنه مقوماته فأظلمت آياته , وما الوضوح والنظام والانسجام وما إليها الا – أشباح - تناهت إلينا من بعض أحكام البلاغة كما تناهت من الكلاسيكية وهنا يظن النقاد أنها غائية المعقول والبيان , ولنا في ذلك وقفة لنؤكد أن سمير محسن – بدون وعى – قد استخدم اللامعقول من جانب مدرسة تيار الوعى أو الحداثة ، ليعيد خلق عالمه الذي أطَّر له , والذي أظن أنه يصنع ذاتيته فيه , أو يمحور اللغة لينحت وجوده العام , ومع وجود سقطات في الوزن والايقاعات إلا أن هذه السقطات تصور العجز العام للعالم أو البيئة وهى تنحسب أيضا على الذات الشاعرة ، يقول :
شىء في مقتبل / يرقى في دوامة أفق / كالماضين بألق / من تكوين صهل من التغريب / ومن أرواح في جنبات من ياقوت / صعدت في آلاء الغسق / لآخر ذنب للأبدان الحيري / وللأشياء الثكلى / وللأوضاع الحبلى / في أرماس غدرت بالآتين - / وفي أحقاد – فرحت بالشادين/ وبالرعشات المرة - / في أجداث البعد الغائر / في أنساب الزبد الخائر / نحيا فى غبراء / لحمة فجر / قد ينشق عن التأويل / وقد يرتد عن التبديل / وقد ينساق الى الترتيل / وقد ينعتق كما الأحلام / السهد – الضمة للآلام - / نموت - / ويفخر كل الشجر الهارب / كل آثار النوق - / وحلة بدو - / فوق ثريد القلب الحائر / في أركان النخل الدائر / نهبط في علياء / من تهميش الجبهة / حتى الرمق القاهر / للصلوات البكر / الأرض العطشى / الأمل الساهر / بين خلايا البشر / وفي زلات الغجر. (ثريد القلب , الديوان : 27 : 28)
وبنظرة تحليلية لمضمون هذه القصيدة فإننا للوهلة الأولى نكاد نجزم أننا أمام صور متناثرة, مفككة , وغير متراتبة , كما أنها عبارة عن جمل قصيرة لا يجمعها رابط لغوي , أو صورة متنامية , أو " هارموني " يمكن أن يكون معادلاً موضوعياً لصور حدسية أو حقيقية , كما أنها تستخدم القاموس اللغوي بشكل تبدو فيه معرفة , الا أنها معرفة متواترة , وليست بمنطقية حتى مستوى الحدس أو التخمين أو التصور, لذا غدت صوراً جزئية لعقد لا تلتئم حباته , وهذا يخرجها- في رأى النقاد عموما – عن الشعرية , بل يحيلها الى النثر الركيك ، ومع هذا ترانا ندافع عن لامعقوليتها الضمنية (بمعنى أن فيها معادلاً ضمنياً , وفيها كذلك صور منطقية تحيلنا الى حالات جزئية قد يجمعها خيط بسيط واهن ربما لا يراه النقاد الكلاسيكيون أو حتى الحداثيون كذلك, ولكننا نحيل كل ذلك الى البلاغة التصويرية ، والنحوالتوليدي ، ومنطقة الفكرة وحرية الخيال وكل ذلك – في رأيي – يحيلنا الى اللامعقولية في الأدب ، وتعليلي أو تخريجي في ذلك – بعيدا عن علم التخريج والجرح لعلماء الفقه وأصول الحديث بالطبع – يحعلنا نحيلها الى التحليل اللغوى ، ويتجلى ذلك فى الآتى : يقول الشاعر :
نحيا في غبراء : (نتيجة كلية أو صورة عامة) .
لحمة فجر: (سبب أول) .
قد ينشق عن التأويل: (نتيجة منطقية) .
وقد ينساق الى التاويل : (نتيجة احتمالية) .
وقد ينعتق كما الأحلام : (نتيجة احتمالية / اثباتية) .
السهد – الضمة للآلام : (تهويمات عقلية) .
نموت : (نتيجة كلية عامة) .
ويفخر كل الشجر الهارب : (نهاية حتمية كلية) .
كل آثار النوق : (معادلات ضمنية / لاحظ اضطراب الموسيقا ) .
فوق ثريد القلب الحائر : (صور كنائية / مفارقة) .
في أرقام النخل الدائر: (دوال هندسية / تأطير أيدلوجي) .
(إلى هنا نلاحظ عدم التراتب , الا أن النهاية تؤكد اللامعقولية أو الشعرية للقصيدة ) يقول:
نهبط في علياء / من تهميش الجبهة
حتى الرمق القاهر – للصلوات البكر
الأرض العطشى
الأمل الساهر
بين خلايا البشر
وفي زلات الغجر
انها النهاية المنطقية للصور اللامنطقية الغرائبية في البداية , أو أنها النتيجة العامة للانكسار الذاتي للحلم مقابل عملية التوازن النفسي للأفكار والصور غير المتراتبة , وهذا المعادل الضمني / غير الاشاري / يحيلنا الى قصيدة المعنى - التي عنيتها - في العنوان , وهى القصيدة التي فيما أزعم – تحاول أن تعيد صياغة الصور غير المتراتبة لتحولها الى صور متراتبة عن طريق الاستطيقا , أو الرمز , دون الإلماح إلى اشارية تحيلنا الى دلالات , أو شفرات للنص , ومع هذا لابد لها من صورة كلية أو نتيجة حتمية , كالمنطق الاستدلالي , أو التهويمات للنحو التوليدي , ويبقى الرابط في شعريتها هو الخيال الناتج من الصور غير المتراتبة , ومع أنه خيال مؤطر ( خيال مخنوق / ضيق) إلا أن نسبة الشعرية فيه لا تقاس بالمقاييس الرياضية أو الهندسية , وانما تقاس بمدى تأثير هذه الصور على الجو العام للقصيدة والمتلقي في آن , اذ يدخل المتلقي هنا كجزء معنيّ , أو مقصود , ولكن القصدية هنا ليست بالضرورة , اذ قد يكون المتلقي هو الذات الشاعرة للكاتب , أو الذات المتلقاة للنص الأدبي .
وقد يقول قائل : انك بذلك تدخل الى مضمار النقد الأدبي ما ليس فيه ، لتنتصر لرأيك أو للشاعر, وأقول : ليس ذلك بالطبع , وانما - نحن - قد نستعير من العلوم التجريبية بعض الأفكار الناجزة , كذلك قد نستعير من علوم البيولوجيا ، ومن علم الجينوم البشري وعلوم الجمال بعض معطياتها أو مفاهيمها دون التطرق للعلم بالطبع حتى ندلل الى ما نصبو اليه لندلل
( لقصيدة المعنى ) التي نؤطر لها الآن – وربما يثير ذلك جدلاً أو لغطاً نقدياً ، ولكن مع ذلك فنحن هنا معنيين بشعرية القصيدة ، ولسنا معنيين بالطبع بأدلجة القصيدة ، أو علميتها ، أو اخضاعها للعلوم التجريبية ، والا فقد الشعرمقاصده الفنية , ولكن الخيال هنا هو جواد الرهان للحكم على شعرية النصوص , اذ أننا أمام شاعر تجريبي , يحاول أن يستفيد من الكتابات الأخرى بصفة عامة ، ومن الكتابة عبر النوعية بصفة خاصة ، ليؤطر للخيال منهجية ، أو مساحات ممتدة وجديدة كذلك , ولكنه ليس براح الميتافيزيقا في الغالب , أو الفيزيقا كذلك , مع أن الطبيعة هى المسار الأول الذي بنى عليه الشاعر لعبته الشعرية , أو استخداماته التعبيرية , ولنا أن ندلل ذلك بالبيئة الصحراوية التي يصبح فيها الجمل نقطة أولى لمرتكزات وثوابت ،
- ربما حدسية - لكنها ثوابت بيئية تشي بعالم الصحراء الذي يتشبث به الشاعر منذ أول قصيدة في الديوان حين يقول :
لا أعلم ماذا بعد / فقلبي جمر / عشقي صد / البدو جميعا ينحدرون من الأعماق / فمن يشتد ؟ / وسهدي رمل / فوق رماد العهد / فمن ينقذني مني؟ / يدلق فيّ جمال الغد ؟! .
(الديوان, قصيدة سهد : ص 9 ).
بالطبع نحن هنا أمام صورة ممتدة لعالم البدو في الصحراء, وأعتقد أن هذا العالم هو دال كبير يجمع كل قصائد الديوان كمدلولات عامة له , أو هو دال نفسي / ذاتي , يعبر فيه الشاعر عن ذاتيته ورؤيته للكون والحياة والعالم , وأظن أن هذا العالم السيموطيقي باشارياته ومدلولاته يحيلنا بالطبع الى دوال مجتمعية لآخرين , أو لعوالم لمجتمعات مثالية في الغالب , ويريدها الشاعر أن تتحقق , ولكنه كمن يشيّد يوتوبيا في الرمال على حد تعبير - نازك الملائكة - في قصيدتها " يوتوبيا ".
إننا أمام قراءة خاصة , لقصائد خاصة , مكتوبة لطبقة خاصة , لخاصة خاصة المثقفين ، فهل نجح الشاعر في ذلك ؟! .
أظن أن حالة التشتت ، ومساحات اللاوعى واللامعقول في الديوان قد كانت من أهم الأسباب للحكم بعدم معقولية الشعر, أو غرائبيته ، إلا أن الخيال الجامح للصور الجزئية التي تلح على الشعرية قد أكسبت الديوان مذاقا مختلفا , ومن ثم كانت رؤانا القرائية مغايرة قليلاً عن قراءة النقاد النمطيين .
إن هذا الديوان قد أعلى من شأن الخيال واللامعقول , إلا أنه وقع في مشاكل لغوية وعروضية أيضاً , ومشاكل أسلوبية أثرت على منطقة التراتب اللغوي للمعاني ، إلا أن جنوحه للتجريد ، ومزجه بين ما هو ذاتي , وما هو موضوعي ، قد جعل للذهنية مكاناً هناً , كما جعل للأيديولوجيا – الموظفة – مساحة كبيرة ، وهذا من شأنه أن ينقض التجربة من أساسها , ولكن يقظة اللحظة الشعرية عنده نتيجة لاستخدامه المفارقة بكثافة قد أكسبته عمقا وأبعاداًَ ما كان لنا أن نستدل عليها إذا لم نخضعها " لمنطقة النظرية " ، وهذا من شأنه أن يعطي للديوان تميزاًَ وتفرداًَ جديدين .
وتبقى في النهاية اشارة خفيفة لاستخدام الشاعر للقصائد القصيرة في الديوان, وكأنه يذكرنا بأنه شاعر حداثي, وأنه يستطيع أن يغاير في استخداماته لحقول الدلالة والرمز واستخداماته للموسيقا المغايرة للعروض الخليلي , ومع أنه نجح في ذلك إلى حد بعيد إلا أننا أيضا لا نملك إلا أن نؤطر لتجربته من خلال المنهج القرائي الذي انتهجناه سلفا, والذي اقتضته طبيعة الديوان أيضا, فنقول : نحن أمام شاعر كلاسيكي استخدم المعجم اللغوي العربي , إلا أن هذه الكلاسيكية قد أصقلها برؤى حداثية وباستخداماته لطرائق جديدة , أو ربما لمفارقات لغوية وموسيقية مغايرة, قد أضافت لتجربته في جانب , وقد أحالته لبعض المآخذ التي أشرنا إليها ، ومع كلٍ يبقى الديوان علامة استفهام للشعرية ومدى تحققها , أو تمثلها للتحديث والتأطير وعروجها إلى مجالات أكثر رحابة في الكتابة عبر النوعية , ولكنها كتابة من باب الموروث اللغوي والثقافي للبلاغة والأدب العربي القديم , ولكنه مع هذا – وهذا ما يحسب له – استخدامه لهذه الألعاب الشعرية " أو الألغاز اللغوية " التي أحالنا اليها عبر قصائده في الديوان بشكل عام , وهى ألعاب تحمد له في الشكل والاطار الا أنها أضافت للمضمون أيضا , ولكنها أضافات حذرة , كانت جادة أحياناً , وفارقة أحياناً , إلا أن الحكم بشعريتها قد تحقق من جانب الخيال فقط – فيما أزعم – أما على المستوى العاطفي – مستوى التلقي – فقد شابها الكثير من اللغط حول تحقق الشعرية , ويعزى ذلك في رأيي لتداخل المدارس الأدبية من جانب , ومحاولاته للكتابة عبر النوعية لتحديث فضاء النص الأدبي , إلا أن مستغلقات كثيرة , وألغاز كثيرة , ومفارقات واحالات كثيرة (مستغلقة) قد جعلت النص الأدبي لديه يسير في مستغلقات , ما أن نفك شفرة احداها حتى تحيلنا إلى دوائر أخرى , ولربما كانت هذه الأسباب كفيلة لنقاد آخرين أن يحكموا بعدم شعرية هذه النصوص , إلا أننا باستخدامنا للقراءة عبر النوعية , وبفرضيات الاستدلال الجمالي عن طريق اللامعقول قد جعلتنا نجلي الكثير من مستغلقات هذه النصوص – فيما أزعم – ويبقى المعيار النقدي للحكم الجمالي للقيمة بالحكم على هذه النصوص بالشعرية إذا ما استخدمنا المنطق المغاير للمنطق الاستدلالي العقلي كذلك لأننا لا يمكن أن نتجاهل الخيال كنمط أو كقيمة غير محسوسة (غير مادية) ولولا ذلك لخضنا في القول وكانت عندها حينذاك أحكاما أخرى مغايرة.
إن هذا الديوان يطرح اشكاليات كثيرة عن قصيدة الصورة , وقصيدة المعنى , والكتابة عبر النوعية , واعتماد الخيال والمفارقة كأساس للحكم على الكتابة الأخرى , ومع أنها كتابة لا تعتمد الشكل كحداثة أو كنمط أسلوبي , إلا أنها مع تجذرها هى كتابة تمثل البلاغة التحويلية لتستفيد من المنجز الحداثي لتحديث اللغة والصورة الشعرية بغية ايجاد علاقة مغايرة بين الشكل والمضمون من جانب , وبين المعنى والمبنى من جانب آخر.
إننا أمام شاعر حداثي , يكتب بأسلوب بلاغي قديم , يعتمد التحولات الحداثية ويستفيد من المنجز التقني لتشابك العلوم ليقدم لنا نصاًَ مغايراًَ, أطلق عليه قصيدة المعنى – افتراضاً – ويبقى الحكم في النهاية لذائقة المتلقي , وللشعرية بصفة عامة .
إننا أمام شاعر مجدد في الشكل والمضمون – وإن كانت لنا عليه بعض المآخذ – إلا أن لكل تجديد مبرراته , وما نحن معنيين بايجاد مبررات نقدية لأنها – ونحن معنيين بذلك – تعطي أحكاماَ لا يمكن أن تعتمدها معايير الحكم على النص الأدبي , لذا كان طرحنا لهذه القراءة من باب المقاربات النصية للتصورات الذهنية التي يمكن أن تحيلنا إلى مناطق مجهولة أو مستغلقة في منهج القراءة الأدبية الذي اعتمدناه سلفا , وتبقى النصوص هى الشواهد التي تحدد المعيار القرائي للنقد , وللنقاد في أحكامهم مذاهب , ولسنا هنا معنيين بالنقد كأساس , بقدر ما نحن معنيين بالقراءة وما القراءة أيضا – فيما أحسب – سوى جزء أصيل من ممارسة العمل النقدي الجاد, بل هى – في رأيي – المنهج المناسب للحكم على مثل هذه النصوص الجديدة.
وتبقى في النهاية اشارة خفيفة لاستخدام الشاعر للقصائد القصيرة في الديوان, وكأنه يذكرنا بأنه شاعر حداثي, وأنه يستطيع أن يغاير في استخداماته لحقول الدلالة والرمز واستخداماته للموسيقا المغايرة للعروض الخليلي , ومع أنه نجح في ذلك إلى حد بعيد إلا أننا أيضا لا نملك إلا أن نؤطر لتجربته من خلال المنهج القرائي الذي انتهجناه سلفا, والذي اقتضته طبيعة الديوان أيضا, فنقول: نحن أمام شاعر كلاسيكي استخدم المعجم اللغوي العربي , إلا أن هذه الكلاسيكية قد أصقلها برؤى حداثية وباستخداماته لطرائق جديدة , أو ربما لمفارقات لغوية وموسيقية مغايرة, قد أضافت لتجربته في جانب , وقد أحالته لبعض المآخذ التي أشرنا إليها ، ومع كلٍ يبقى الديوان علامة استفهام للشعرية ومدى تحققها , أو تمثلها للتحديث والتأطير وعروجها إلى مجالات أكثر رحابة في الكتابة عبر النوعية , ولكنها كتابة من باب الموروث اللغوي والثقافي للبلاغة والأدب العربي القديم , ولكنه مع هذا – وهذا ما يحسب له – استخدامه لهذه الألعاب الشعرية " أو الألغاز اللغوية " التي أحالنا اليها عبر قصائده في الديوان بشكل عام , وهى ألعاب تحمد له في الشكل والاطار الا أنها أضافت للمضمون أيضا , ولكنها أضافات حذرة , كانت جادة أحياناً , وفارقة أحياناً , إلا أن الحكم بشعريتها قد تحقق من جانب الخيال فقط – فيما أزعم – أما على المستوى العاطفي – مستوى التلقي – فقد شابها الكثير من اللغط حول تحقق الشعرية , ويعزى ذلك في رأيي لتداخل المدارس الأدبية من جانب , ومحاولاته للكتابة عبر النوعية لتحديث فضاء النص الأدبي , إلا أن مستغلقات كثيرة , وألغاز كثيرة , ومفارقات واحالات كثيرة (مستغلقة) قد جعلت النص الأدبي لديه يسير في مستغلقات , ما أن نفك شفرة احداها حتى تحيلنا إلى دوائر أخرى , ولربما كانت هذه الأسباب كفيلة لنقاد آخرين أن يحكموا بعدم شعرية هذه النصوص , إلا أننا باستخدامنا للقراءة عبر النوعية , وبفرضيات الاستدلال الجمالي عن طريق اللامعقول قد جعلتنا نجلي الكثير من مستغلقات هذه النصوص – فيما أزعم – ويبقى المعيار النقدي للحكم الجمالي للقيمة بالحكم على هذه النصوص بالشعرية إذا ما استخدمنا المنطق المغاير للمنطق الاستدلالي العقلي كذلك لأننا لا يمكن أن نتجاهل الخيال كنمط أو كقيمة غير محسوسة (غير مادية) ولولا ذلك لخضنا في القول وكانت عندها حينذاك أحكاما أخرى مغايرة.
إن هذا الديوان يطرح اشكاليات كثيرة عن قصيدة الصورة , وقصيدة المعنى , والكتابة عبر النوعية , واعتماد الخيال والمفارقة كأساس للحكم على الكتابة الأخرى , ومع أنها كتابة لا تعتمد الشكل كحداثة أو كنمط أسلوبي , إلا أنها مع تجذرها هى كتابة تمثل البلاغة التحويلية لتستفيد من المنجز الحداثي لتحديث اللغة والصورة الشعرية بغية ايجاد علاقة مغايرة بين الشكل والمضمون من جانب , وبين المعنى والمبنى من جانب آخر.
إننا أمام شاعر حداثي , يكتب بأسلوب بلاغي قديم , يعتمد التحولات الحداثية ويستفيد من المنجز التقني لتشابك العلوم ليقدم لنا نصاًَ مغايراًَ, أطلق عليه قصيدة المعنى – افتراضاً – ويبقى الحكم في النهاية لذائقة المتلقي , وللشعرية بصفة عامة .
إننا أمام شاعر مجدد في الشكل والمضمون – وإن كانت لنا عليه بعض المآخذ – إلا أن لكل تجديد مبرراته , وما نحن معنيين بايجاد مبررات نقدية لأنها – ونحن معنيين بذلك – تعطي أحكاماَ لا يمكن أن تعتمدها معايير الحكم على النص الأدبي , لذا كان طرحنا لهذه القراءة من باب المقاربات النصية للتصورات الذهنية التي يمكن أن تحيلنا إلى مناطق مجهولة أو مستغلقة في منهج القراءة الأدبية الذي اعتمدناه سلفا , وتبقى النصوص هى الشواهد التي تحدد المعيار القرائي للنقد , وللنقاد في أحكامهم مذاهب , ولسنا هنا معنيين بالنقد كأساس , بقدر ما نحن معنيين بالقراءة وما القراءة أيضا – فيما أحسب – سوى جزء أصيل من ممارسة العمل النقدي الجاد, بل هى – في رأيي – المنهج المناسب للحكم على مثل هذه النصوص الجديد